05/07/2013 - 13:01

كــيف نغـــيّر المزاج ونســـقط المخطط؟/ عوض عبد الفتاح

لقد تطور المزاج العام وتحول إلى مزاج صدامي، تجلى في خروج الناس من حالة التذمر والسلبية إلى خانة الفعل.. إلى الميدان. وانتقل الشباب من العالم الإفتراضي إلى ساحة العمل.. والجلوس في الميادين، والصدام مع قوات القمع. ولكن لم يحصل شيئًا من هذا القبيل لدينا، كانت محاولات انطلقت في رام الله. ولكن تم احتواؤها وقمعها من قبل سلطة الحكم الذاتي. ولكن داخل الخط الأخضر لم تخرج مبادرات شبابية جدية وواسعة. كما أن غالبية الهيئات الحزبية والتمثيلية أيضًا لم تكن مؤهلة أو راغبة أو قادرة على التفكير جديًا باجتراح صيغ نضالية شعبية خلاّقة قادرة على الاستمرار.

كــيف نغـــيّر المزاج ونســـقط المخطط؟/ عوض عبد الفتاح

نوال السعداوي كاتبة نسوية معروفة. كانت هي والكاتب سلامة موسى النهضوي أول من فتح ذهني على قضية المرأة، وعمق شعوري بالظلم الواقع عليها. كان ذلك عندما كنت في بواكير الشباب في أواسط السبعينيات. أهملتها لفترة طويلة وبحثت عن إنتاج لكاتبات نسويات أقل تطرفًا، وإذا بها تضعني مرة أخرى أمام تحد جديد-آخر. وذلك في الأيام الأولى لثورة مصر عام 2011.

أصغيت لمقابلة أجرتها معها إذاعة "مونت كارلو"، وأنا في سيارتي. كان الحديث عن الثورة الجبارة التي كانت تقترب من إسقاط نظام حسني مبارك المستبد والتابع. قالت: "أنا اليوم أبلغ من العمر الثمانين ولكني أقوم في الصباح وأذهب كل يوم إلى ميدان التحرير وأبقى حتى ساعة متأخرة من الليل، ولو كان عمري يسمح، لنمت هناك". كانت تتحدث بلهجة فيها تأثر كبير بما كان يجري.

تساءلت يومها، ولا زلت أتساءل، لماذا لا نتعلم، نحن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، من هذا الصبر وقدرة التحمل ونحاكي هذا النموذج. لماذا لا نفكر بوضع خطة للبدء بتغيير المزاج عند الناس لتخرج من سلبيتها.

واسترخائها إلى ميدان تحرير أو إلى ميادين ولو بوتيرة أقل. وأتساءل اليوم مرة أخرى بعد انطلاق الثورة الثانية. طبعًا لم نتوقف يومها عن المحاولة.
أنا أعرف أن الناس تنخرط بجموعها عفويًا ودون تأخر عندما يكون هناك حدثٌ دراميتيكيٌّ. ولكن هذا يكون قصيرًا وتـُهدر فرصة استثماره لصالح الأهداف المرجوة.

فهل ننتظر حدثًا دراماتيكًا (عادة تكون مذبحة لا سمح الله) لنقوم بذلك. لدينا ألف سبب لتصعيد النضال، وأن يكون نضالاً مخططًا ومدروسًا تقوده قيادة مركزية تستند إلى قيادات محلية منظمة. لا بدّ من تغيير المزاج. مزاج الفرد القائد. ومزاج الفرد العادي.

يجدر بكل فرد منا، وبشكل خاص كل قائد، أن يطرح على نفسه السؤال، لماذا لم يتفاعل فلسطينيو الـ48 مع نماذج التنظيم الشعبي في البلدان العربية الثائرة. خاصة في مصر، منذ سقوط نظام مبارك حتى اليوم، وسوريا أيضًا في الأشهر الأولى حين كان الحراك لا يزال سلميًا.

هذه التجارب الشعبية قدمت نموذجًا بطوليًا على المستوى الفردي والجماعي. وقدمت دروسًا في الصبر والصمود، في المثابرة، في الإبداع والعمل الجماعي. كل ذلك ساهم في الحفاظ على ديمومة الحراك واحتلال الميادين والمكوث فيها لأيام وأسابيع تحت حرّ الشمس، الأمر الذي أسقط العروش، وهز بعضها وفتح الباب واسعًا على احتمالات التغيير.

ليس صحيحًا القول إن تعثر الثورات وحصول انحرافات خطيرة، وخطف الثورات، وتدخل المستعمرين، سببًا في إخفاقنا في محاكاة تلك النماذج خاصة النموذج الشعبي السلمي. الذي تميز بالحشد الشعبي المتزايد وصولاً إلى الذروة.

هذا القصور يحتاج إلى دراسة جدية وعميقة ومسؤولة لمعرفة نقاط الضعف لدينا، وإعادة اكتشاف مظاهر القوة، وهذا لم يحصل منذ هبة أكتوبر (القدس والأقصى) عام 2000. ولكن في هذه العجالة وضيق المساحة المتاحة لا يسعني إلا إعادة تحديد نقاط وشروط أساسية للتهيئة لحراك شعبي دائم منهجي يقوم على النفس الطويل والمثابرة.

هذا النمط من الحراك لا يمكن أن يتحقق في ظل الحالة التنظيمية التي يعيشها عرب الداخل. إن الثورات العربية، أو الاحتجاجات الشعبية العارمة، خاصة في تونس ومصر وغيرها، بدأت بمبادرات من خارج الأطر الحزبية التقليدية، والنخب المثقفة. ولكنها بطبيعة الحال كان لهذه الأطر والنخب دور في عملية تركيم المعرفة السياسية والتحريض على نظم الإستبداد الحاكمة.

لقد تطور المزاج العام وتحول إلى مزاج صدامي، تجلى في خروج الناس من حالة التذمر والسلبية إلى خانة الفعل.. إلى الميدان. وانتقل الشباب من العالم الإفتراضي إلى ساحة العمل.. والجلوس في الميادين، والصدام مع قوات القمع. ولكن لم يحصل شيئًا من هذا القبيل لدينا، كانت محاولات انطلقت في رام الله. ولكن تم احتواؤها وقمعها من قبل سلطة الحكم الذاتي. ولكن داخل الخط الأخضر لم تخرج مبادرات شبابية جدية وواسعة. كما أن غالبية الهيئات الحزبية والتمثيلية أيضًا لم تكن مؤهلة أو راغبة أو قادرة على التفكير جديًا باجتراح صيغ نضالية شعبية خلاّقة قادرة على الاستمرار.

إسرائيل تمارس على فلسطينيي الداخل نظامًا قهريًا، استعماريًا على مدار اللحظة. تمارس عدوانًا يوميًا. ممارسة السرقة لمواردنا وبناء المشاريع والمستوطنات اليهودية في محيط القرى والمدن العربية، وكل أشكال الإضطهاد لا تتوقف.

هذه الجرعات المضاعفة من النهب والقمع التي نشهدها مؤخرًا تدفع البعض للاعتقاد أو إلى الشعور وكأن لا حول ولا قوة لدينا كمجموعة قومية.

القوى الحزبية والهيئات التمثيلية عجزت حتى الآن عن الانتقال إلى حالة نضالية متقدمة من حالة الاحتجاجات الشعبية المتفرقة والمتباعدة، التي تلعب دورًا في إبقاء قضيتنا حية أمام الرأي العام، ولكنها لا تسقط مخططات السلب والحصار.

إذا ما تواصل هذا النمط من العمل السياسي والشعبي أو الوتيرة المنخفضة والبطيئة فإنه يبقى في إطار التنفيس عن الغضب.

ليس المطلوب هبة عارمة ليوم أو ليومين أو أكثر وتطلق كل الطاقات لمرة واحدة ثم تخبو ويعود كل فرد إلى بيته.. ليواصل حياته الروتينية.

المطلوب خطة نضالية تتدرج من مرحلة إلى أخرى وقادرة على العيش لحين تحقق أهدافها أو معظم أهدافها. خطة تمتد على فترة زمنية ليست قصيرة. هذه الخطة لا يمكن عزلها عن عملية تنظيم المجتمع.

إذا لم يستند النضال الشعبي على عملية تنظيم المجتمع وتوفير الآليات لذلك فإننا سنبقى نراوح مكاننا.

لذلك أحدد أهم الشروط المطلوبة:
1.  قياده مركزية، بمشاركه كل الأحزاب والأوساط والشخصيات الراغبة والقادرة على المشاركة. تضع هذه القيادة قضية الأرض والمسكن وحق التطور الطبيعي في مركز الاهتمام اليومي للمواطن العربي لأن هذا هما مشتركا لكل مواطن عربي وليس لابن النقب فقط.
2.  وضع رؤية وإستراتيجيه نضالية تشمل الخطوات والمراحل العملية، وتشمل الأهداف.
3. تحديد أساليب النضال وتشمل:
الإضرابات (وليس إضرابا واحدا وكأن الإعلان عن يوم إضراب واحد هو الذروة)، والاعتصامات، والأهم إغلاق الطرق بين الحين والآخر، وتنفيذ هذا الأسلوب في عده مفارق في وقت واحد بهدف استنزاف الشرطة الإسرائيلية والوصول إلى الرأي العام.
4. إقامة صندوق مالي لدعم أهل النقب وكفاحهم، ولتمويل الحملة الشعبية لمواجهه مخطط برافر ولمواجهه هدم البيوت ونهب الأرض وسياسة الخنق الاقتصادي والجغرافي للبلدات العربية في الجليل والمثلث والنقب.
5. وضع هدف تحقيق حشد شعبي كبير في أحد المواقع مرة في الشهر (عشرات آلاف من الناس أو أكثر).

الأدوات:
ليس بالإمكان إدارة هذه الحملة الكفاحية بنجاعة، وليس بالإمكان ضمان ديمومة النضال، بالتالي إحداث التأثير المطلوب، دون تنظيم المجتمع. وهذا يتأتى عبر تفعيل وتجديد اللجان الشعبية، وخلق لجان شعبيه جديدة، يكون عمادها الشباب، الجيل الجديد، خاصة الواعدين منهم والمتحمسين للاصطفاف في الطليعة. هذا إلى جانب ممثلي الأحزاب السياسية في البلدات العربية ذوي التجربة التنظيمية والسياسية. هذا يحتاج إلى أقصى الجدية والصدق والالتزام.

دور هذه اللجان يتلخص بالتالي:
• تنظيم الناس محليا وتجنيدها في النضال.. عبر الوسائل المعروفة.
•  جمع التبرعات المحلية بهدف تمويل الحملة ونتائجها.. ويمكن الاستعانة بالشباب المتحمس لهذه المهمة بحيث يطرقون أبواب البيوت.
إن تجاوب الناس مع متطلبات المشاركة النضالية والمساهمة المحلية يزداد طردا مع نجاح هذه اللجان في التحول إلى عنوان مسؤول قادر على التفاعل الخلاق مع المجتمع.

سلاحنا هو أجسادنا وعقلنا وإرادتنا,

التعليقات