18/07/2013 - 13:30

ملاحظات أولية عن إضراب الغضب 15 تموز../ د. باسل غطاس

دور الشباب والنساء خلال المظاهرات الأخيرة قبل الإضراب، وفي يوم الإضراب كان واضحا ويشكل عامل قوة كبيرا، ويمكن إعطاؤه أهمية كبيرة في المراحل المقبلة

ملاحظات أولية عن إضراب الغضب 15 تموز../ د. باسل غطاس

الإضراب العام يوم الاثنين الماضي كان جزئيا بالمجمل، وإن تفاوتت نسبة الالتزام بالإضراب بين مكان وآخر، يمكن القول إنه ولأسباب عديدة لم يجند لإنجاح الإضراب ولم تجند كافة القوى والفعاليات والأطر السياسية والشعبية كما هو متوقع منها لإنجاح الإضراب. ومع ذلك حقق الإضراب جزءا كبيرا من أهدافه فقد جعل موضوع "برافر" والتصدي له لمنع المصادرة والتهجير موضوعا يعني كل فلسطيني في هذه البلاد، وحقق تضامنا ووعيا فلسطينيا وعربيا ودوليا، وإن كنا في الأشهر الماضية قلقين ومتخوفين من إمكانية توعية استنفار الشارع الفلسطيني في المثلث والجليل لموضوع النقب فقد استطاع يوم الإضراب وما سبقه من تظاهرات وإعلام وخاصة بعد اعتداءات الشرطة والاعتقالات من جعل قضية النقب قضية وطنية جامعة تخص كل بيت، وهذا إنجاز ليس بسيطا بالمرة، خاصة في ظروف انشغال مجتمعنا في الداخل وانقسامه بحدة فيما يتعلق بما يجري في سوريا ومصر. إن المحافظة على هذا الإنجاز وتعزيزه  يشكلان اللبنة الأولى بل وحجر الأساس في إفشال المخطط.

هل تسرعنا في إعلان الإضراب ولهذا  فشل؟ كما يدعي عدد من القيادات، خاصة من بعض قيادات الجبهة الديمقراطية وبعض رؤساء السلطات المحلية التي ترى في إعلان الإضراب العام أسمى وأرقى وسائل النضال وأنه لا ينبغي استخدامها إلا بعد استنفاذ كافة الوسائل والخطوات التصعيدية.

ربما هذا كان صحيحا في السبعينيات أو ثمانينيات القرن الماضي. نحن نرى أن الإضراب ليوم واحد أصبح سلاحا نضاليا عاديا، وهو وسيلة وليس هدفا، ونحن لا نتسرع باستخدامه عادة بسبب عدم وجود إجماع حول الموضوع  في لجنة المتابعة العليا. على الجميع أن يستعد لشحذ وتطوير وسائل كفاحية أشد وأقوى لسبب بسيط وواضح وهو أن المؤسسة الإسرائيلية تطبق الخناق علينا أكثر وتشرع عنصريتها ووسائلها الإقصائية  (برافر مثلا ) من ناحية، والتدجينية (الخدمة المدنية مثلا) من ناحية أخرى. وسبيلنا الوحيد لمواجهتها هو التصدي بإستراتيجيات ووسائل جديدة لتعبئة الجماهير والتصدي لها وإلا كانت العواقب وخيمة.

قد تصل بنا الضرورة والجهوزية الجماهيرية إلى إعلان عدة أيام إضراب متقطعة أو متواصلة متزامنة مع خيم اعتصام وغيرها من الوسائل التي من الأفضل إرجاء الحديث عنها حاليا. الشيء المؤكد أنه بوضع لجنة المتابعة العليا الحالية ومستوى أدائها لن نتقدم كثيرا، وأن الادعاء بالتسرع في إعلان الإضراب ما هو إلا ذريعة للتغطية على الفشل والقصور في القيادة، وأصبحت الحاجة ملحة لكي نستحدث أطرا جديدة يفرزها الواقع الميداني في كل مكان ومكان حسب خصوصيته ومستوى جاهزية النشطاء والفعاليات والأطر السياسية المحلية ودرجة التنسيق بينها، لنسمها ما شئنا، فالاسم غير مهم، فقد تكون لجان الأرض والمسكن أو الحراك الشبابي أو تنسيقيات أو غيرها، المهم أن تكون جامعة وموحدة لكل من يريد النضال والتصدي بحق وحقيق، وليس لمن يريد الركوب على الموجة أو لمن يريد الصورة والعنوان بعيدا عن أي مجهود نضالي حقيقي في الشارع.

هذه الأطر المحلية يجب أن تتشكل خلال الأسابيع القادمة من خلال الفعاليات والمظاهرات القادمة، وهي كثيرة، ومن ثم يجب التحرك بسرعة لتشكيل إطار تنسيقي قطري شامل لها. هذه الحراك نشهد بوادره ونريد أن نشجعه ونطوره ليصبح نهرا جارفا. لا نريد في النهاية أن نلغي لجنة المتابعة كسقف يوحد الجميع، وانما نريد قيادة جديدة وميدانية وموحدة قدر المستطاع  للنضال  هي التي تقرر وهي من يتحمل المسؤولية.

مع كل ما تقدم نحن (وأقصد في التجمع الوطني الديمقراطي)  نعي تماما مسؤوليتنا التاريخية وضرورة رؤية مصالح الناس والمجتمع والموازنة بين كافة الأمور وذلك لتحشيد الدعم الجماهيري ورفع الوعي، لسنا بمغامرين، ولا نجر الناس لمعارك لا جدوى منها، ولكننا لا نؤمن بنضال المكاتب والمكيفات الهوائية وإصدار البيانات خاصة في وضع تضع فيه السلطة السكين على رقابنا، ولسنا ممن يحمل "جهازا لقياس نبض أو ضغط الشارع" من أجل اتخاذ القرارات، وندرك أن للنضال ثمنا ولمنع تمرير برافر سيكون ثمن ونؤمن بشعبنا، ونعرف أنه بقراراتنا ونشاطنا وهممنا العالية سيرتفع نبض الشارع إلى المنسوب المطلوب.

عن الشباب والنساء

دور الشباب والنساء خلال المظاهرات الأخيرة قبل الإضراب، وفي يوم الإضراب كان واضحا ويشكل عامل قوة كبيرا، ويمكن إعطاؤه أهمية كبيرة في المراحل المقبلة. في النقب حصريا لهذا العامل قوة كبيرة في إحداث التغيير المنشود على مستوى القيادات. المهم أن يدرك النشطاء والفاعلون الميدانيون أن دور المرأة والشباب هو في القيادة أيضا، وليس في التظاهر فقط، هذا يعني أن تكون النساء والشباب في مراكز قيادية في اللجان والأطر الشعبية والميدانية، وفي كل مكان. آمل أن يكون هذا قد ترسخ أكثر في الأيام الأخيرة، ومن لم يذوت ذلك بعد أنصحة بالعودة لمشاهدة كل أفلام الفيديو من المظاهرات من بئر السبع وحتى سخنين.

وعلى هامش هذا الموضوع الهام ملاحظة أخيرة، ضرورة التخلص من نبرة ومصطلحات الخطاب الذكوري عند أولئك الذين يريدون الإشادة بدور المرأة فإذ هي "أخت الرجال" أو "أجدع من الرجال" وما إلى ذلك هذا يسيء إلى الموضوع أكثر مما يفيد، ويبقينا في خانة الجمود الاجتماعي مما يعيق التحول المطلوب، ويعني العودة إلى ما كان مع انتهاء حالة "المد الوطني أو الثوري" التي كان للمرأة دور أساسي في خلقها. 

ماذا بعد؟؟

الأسابيع والأشهر القادمة هامة جدا، وعلينا المبادرة إلى عدد من الأنشطة غير العادية والتصعيدية، وابتكار وسائل جديدة للاحتجاج ولحشد الناس. وأمامنا الكثير من المعوقات التي ينبغي أخذها بالحسبان، وأهمها الانتخابات البلدية القادمة وانشغال الناس بها. في هذه المرحلة مهم جدا التركيز على العمل الجماهيري في النقب، وتنظيم وتهيئة الوضع هناك، وكذلك بين الشباب ودفع الحراك الشبابي واختيار عدد نوعي من النشاطات التي تستطيع تسليط الأضواء وإثارة الرأي العام المحلي، وكذلك العمل في ساحتين هامتين وهما الإسرائيلية واليهودية.

النضال ضد برافر وإفشاله سيكون له جولات عديدة، ونحن ما زلنا في بداية الجولة الأولى، ونحتاج إلى نفس طويل، وإلى الجمع بين الشجاعة والحكمة كما قال شاعرنا العظيم.
 

التعليقات