26/07/2013 - 21:37

لئلّا يفتقد الزخم: الحراك ضد برافر، انجازان وتحديّان/ خالد عنبتاوي

لا بد لأي تقييم أو نقد للحراك أن ينطلق من هاذيّن الأمريّن، حتى وإن كان الحديث يدور عن انجازات الحراك الأوليّة او الانجازات التي ساهم بها الحراك، ويبرز ضمن هذه الانجازات وربما اهمها، تجليّ الهُويّة الجَماعيّة والسلوك الجَمعيّ للعرب الفلسطينيّن في الداخل وحتى في فلسطين التاريخيّة وصولا للعالم العربيّ، لقد تصرّف الفلسطينيّون في الداخل كشعب يدافع عن قصيّته العادلة في الأرض والمسكن والوجود، كان خروج سخنين

لئلّا يفتقد الزخم: الحراك ضد برافر، انجازان وتحديّان/ خالد عنبتاوي

أيام فصلتنا عن يوم الغضب 15 تموز الفائت وأخرى تفصلنا عن يوم الغضب الأول من آب القادم، وبين يوميّ الغضب تتوارد الأسئلة وتتوالى التكهنّات المختلفة حول ما كان في 15 تموز: معناه وإرهاصاته، بين يوميّ الغضب لا بد من "فرملة ذهنيّة" جزئيّة للوقوف عند الحراك الشبابي والشعبي الذي برز- فعليا وجدليّا، في 15 تموز، قبله وبعده، ليس من باب التقييم- الضروري والصحي، وإنما لمحاولة فهم اهميّة 15 تموز وما ترتّب عنه من تحديات مقبلة للحراك الشبابي- على وجه الخصوص، وللحراك السياسي الشعبي العام، فليست هذه المادة محاولة لتحليل الجاهزيّة الشعبية للنضال أو للحراك وانما للتذكير بأهم انجازات الأيام القليلة التي مضت وفي كيفيّة المحافظة على زخمها وتعزيزها في الأيام المقبلة.

لوضع الأمور في سياقها الصحيح، ولكي لا يُظلم الحراك الشبابي في مقتبل انطلاقه، لا بد من التذكير بأمرين: أولهما أننا لا نتحدث عن حراك شبابي مبلوّر ممأسس في جسم واحد هرميّ واضح المعالم، بل يدور الحديث عن مبادرات فرديّة حديثة وليدة جمعها هدف واحد ووجهة سياسية واحدة "برافر لن يمر"، بالرغم من أن المرحلة الآنيّة باتت تتطلب منا التعامل بجديّة مع هذه الأسئلة التنظيميّة الملحّة. ثانيا أننا بصدد الحراك الأول من نوعه منذ سنوات عديدة في الشمال تضامنا مع النقب، لذا لا يُستهجن بروز جمهور هدف "نشيطي الشمال والمثلث" أو "أهل الشمال" كجمهور هدف أساسي للحراك، فهو فرز جدليّ كان لا بد منه في بداية العمل، نظرا لرتابة عمليّة التحشيد للاضراب التي تمت في البدء في شماليّ البلاد، حتى للفئة الناشطة من الناس.

بهذا المنظور، لا بد لأي تقييم أو نقد للحراك أن ينطلق من هاذيّن الأمريّن، حتى وإن كان الحديث يدور عن انجازات الحراك الأوليّة او الانجازات التي ساهم بها الحراك، ويبرز ضمن هذه الانجازات وربما اهمها، تجليّ الهُويّة الجَماعيّة والسلوك الجَمعيّ للعرب الفلسطينيّن في الداخل وحتى في فلسطين التاريخيّة وصولا للعالم العربيّ، لقد تصرّف الفلسطينيّون في الداخل كشعب يدافع عن قصيّته العادلة في الأرض والمسكن والوجود، كان خروج سخنين، شفاعمرو، أم الفحم، الناصرة القدس وغيرها الكثير من البلدات والتحامها مع خروج النقب وقضيّته-قضيتنا، مؤشرا واقعيا على ذلك، هذا لا ينفي وجود قضايا محليّة ملحّة رافقت عملية الحشد في البلدات المختلفة كخطر الشارع الالتفافي في سخنين وما تمثّله منطقة مسجاف من رمزيّة لمحاصرة البلدات العربيّة، وأوامر الهدم في وادي عارة وغيرها، ولكن يبقى النقب وما يمثّله مفجّر اليوم الأساسي.

يتواءم هذا الانجاز ويتقاطع مع ما أنجزه هذا اليوم وأثره في هويّة المجتمع الفلسطيني في النقب، وربما يحتاج تحليل الهوية في النقب لعدة مقالات للوقوف عندها بعمق، فجغرافيّة المكان من جانب- خاصة في القرى غير المعترف بها، وعمليّة الإفقار والتمدّن القصريّ التي انتهجتها المؤسسة الصهيونيّة تجاه فلسطينيّو النقب من جانب، اضافة الى قصور التيار الوطني في الوصول الى شرائح المجتمع المختلفة والمتعددة وأسباب تاريخيّة سسيولوجية أخرى، لا مجال للخوض فيها هنا، أدت جميعها وما زالت الى غياب الشعور- بقوة، بدفيئة وطنية جامعة حامية، او مظلة جمعيّة تشكل متراسا حاميا- ولو ذهنيا لشرائح عديدة في النقب- من بينها المهددين بالاقتلاع، طبعا دون الوقوع في فخّ التعميم أو اظهار الأمر كأنه يخص النقب وحده، فالحالة مشابه أيضا في مناطق أخرى وإن كان بأقل حديةً وانتشارًا، في هذا السياق، كانت احداث الغضب في 15 تموز في مناطق الشمال والمثلث والقدس ستثبت وتكرّس وتساهم في خلق هذه الدفيئة أو تعزيز الشعور بها، لا يمكن الاستهانة بمكان من قوة وأثر هذا الشعور، فهو مقدمة أساسيّة وضرورية لأي سلوك نضالي للجماهير وغيابه أثر سلبي لنجاح القضيّة، كما لا يمكن الاستهانة بمكان بأثر وقوة التحرك الجمعيّ في ذهنية الأفراد، فهو يبنى يؤسس ويثّقف فيهم، ويقارع الأسباب- آنفة الذكر، التي تكرّس الهويّات المحليّة.

يترك 15 تموز ويفتح أسئلة متعددة، لا بد للحراك أن يواجهها، وهو كذلك، يقع على رأسها السؤال الأبرز "كيف نجعل من الحراك حراكا شعبيا جامعا؟"، يشتق منه السؤال الآخر الذي يشغل غالبيّة النشيطين: " هل الناس جاهزة؟"، وفي السؤال الثاني إجابة مبطنة ومدمرّة، وهي أن الناس تجهز من تلقاء نفسها كمعطى ثابت، لا كسيرورة تدريجية، أكاد اقول "عمل تبشيري" من التعبئة والتحشيد المستمريّن- في زمن الانحسار الثوري وغيره، فلا من يملك "جهاز قياس نبض الشارع" ولا من يملك الحق في استخدامه أو التنبؤ في شأنه دون غيره، كما وينسى البعض- خاصة مدعيّ عدم الجهوزيّة، جدليّة التعبئة والميدان، فتعبئة الجماهير غير منفصلة عن الحراك الميداني الشعبي بحد ذاته، أهناك من يشك، مثلا، أن الحراك الذي جرى ضد هدم منزل "أبو شرقيّة" في مفرق برطعة، ضاه بتعبئته للجماهير جلّ البيانات التي أصدرت تعبئة لإضراب 15 تموز؟!، فالحشد للأول من آب القادم لا يتنافى بل يتكامل مع التعبئة المجتمعية الشعبية له قبلة، أثناه وبعده.

هذا لا يعني أن نتغاضى عن أهمية طرح السؤال للتفكّر والمعالجة، لكن دون التسليم بالأفكار الجاهزة والقوالب الفكرية- التي لا تتغيّر، حول "عدم الجهوزيّة"، انطلاقا من هنا تقع على عاتق الحراك الحالي، وعلى رأس أولوياته، العمل التدريجي "التبشيري" بين الشرائح المجتمعية، لا يتم ذلك الا بتنظيم البؤر الفاعلة من جهة، في كل بلدة وقريّة، وبربط قضيّة برافر مع القضايا السياسيّة المحليّة وهي كثيرة كقضية المتهمين في شفاعمرو، محاصرة البطوف والناصرة، أوامر الهدم لعشرات البيوت في عرعرة وعارة، توسع نفوذ "تسور يتسحاق" على حساب أراضي الطيبة وغيرها.

أمام الحراك الشبابي في النقب تحديدا، تحدي أساسي وفرصة أكبر للعمل والمساهمة في خلق قيادة ميدانيّة فاعلة وناشطة وموحّدة في النقب، في ظل غياب مثل هذه القيادة، وهي أحد المشاكل الأساسيّة التي يعاني منها النقب منذ سنوات، فالمجلس الاقليمي بات مجلسيّن- أحدهما يجلس على مائدة إفطار مع قيادات الشرطة، ولجنة التوجيه غير مجمع عليها في كل القرى المتضررة، اضافة الى انها تضع لنفسها سقفا من النضال "المدني النقباوي" غير التصعيديّ، حتى بت تشتبك مع بعض شخوصها أولا في المظاهرات قبل الوصول الى الشرطة، وقد كان قرار سحب البطانة السياسية من لجنة المتابعة العليا اليها، على ضعف المتابعة، خطأ استراتيجيا، هذا طبعا لا ينفي وجود بعض الشخصيّات الوطنيّة المخلصة ضمن تركيبتها، دون أن يتمكنوا من فرض معادلة مختلفة من الداخل. ضمن هذه الأجواء والصورة- وإن دعت للتشاؤم، تبرز فرصة الحراك الشبابي النقباوي في تعبئة هذا الغياب وتجاوزه وتجاوز أسبابه ومسببيّه- ليس في تنصيب أنفسهم كقادة بديلة، وانما في العمل مع الفئات والأطراف المعنيّة في التصعيد والمؤمنة به- وهي موجودة، للبدء في عملية تنظيم أصحاب الأراضي المهددة في الاقتلاع في القرى غير المعترف بها، فهم غائبون تمام عن مؤسسة اتخاذ القرارات في النقب.

تكثر التحليلات وربما تتنوع، لكن ما هو مؤكد أن الجماهير العربيّة في الداخل ماضية في اتجاه التصعيد- الذي قد يتأخر أو يتقدم، ينحسر أو يمتد، لكنه دون شك آتٍ، وهنا لا بد من الفرز بين من يؤسس له ويعوّل عليه، وبين من يرى به خطرا علية أولا وعلى رؤيته قبل أن يكون خطرا على المؤسسة الصهيونيّة.

التعليقات