16/08/2013 - 12:50

لا خيار سوى الحوار../ عوض عبد الفتاح

لا ديمقراطية بدون موقف وطني، قادرة على تحقيق الحرية والاستقلال بالمفهوم الشامل، ولا موقف وطني بدون ديمقراطية قادر على ذلك

لا خيار سوى الحوار../ عوض عبد الفتاح

يستعير العديد من الباحثين والمفكرين تجربة أوروبا الثورية، خاصة ما عرف بربيع الشعوب منذ عام 1848، حيث انتشرت الثورات من بلد الى آخر، ضد الاستبداد الملكي والتوحش الرأسمالي الاستغلالي، ليدللوا بالعقل والتحليل الرصين على ما يحصل في أقطار العالم العربي منذ أوائل عام 2010. ويُحيلنا البعض إلى ما قبل القرن التاسع عشر، إلى بداية تشكل الدولة الوطنية الحديثة في النصف الثاني من القرن السابع عشر، وذلك بعد مذابح مروعة استمرت لعشرات السنين (مائة عام) وراح ضحيتها عشرات الملايين.

واستعارة التجارب الثورية لتوضيح الصورة، هي أمر طبيعي وضروري لفهم جوهر التغيير الجذري وتعقيداته والمراحل التي تمرّ بها عملية التغيير. ويشار في اعتماد الاستعارة إلى إمكانية إخفاق ثورات وظهور ثورات مضادة، ومن ثم انفجار ثورات ضد الثورات المضادة. وهناك من بدأ يتحدث عن موجة ثورية قادمة ضد العسكر الذي فض اعتصام الإخوان. تقوم بها قوى ثورية ساندت العسكر في عزل الرئيس.

ويقصد هؤلاء الباحثون والمفكرون من وراء ذلك إضافة الى مساعدتنا على فهم الظاهرة، إلى تطميننا وتهدئة عواطفنا التي تتحول في الكثير من الأحيان خاصة عند عامة الناس الى إحباط ويأس وانسحاب إلى الذات. وأحيانًا إلى تغييب العقل تمامًا.

ويشار أيضًا إلى شروط نجاح أو إخفاق الثورات أو تعثرها، وإلى تكوين الفاعلين في عملية التغيير، وإلى تماسك أو ضعف بنية الاستبداد التي تتألف عادة من حاكم وجيش وشرطة وإعلام. وشبكة المصالح المعقدة التي تستند إليها هذه البنية.

نعم هذا ضروري، وضروري جدًا، ليس لأنه بالضرورة أن تمر الثورات العربية بنفس المسار الأليم للثورات الأوروبية، بل لتساعدنا على الاجتهاد والإبداع على تفادي ما وقعت فيه تلك الثورات الأجنبية في مراحلها الأولى وتداركها لأخطائها لاحقًا لتستقر دولاً حديثة متطورة حضاريًا.

ولكن تبين أن بنية الجزء الغالب من الفاعلين في عملية التغيير الجارية غير ناضجة لمتطلبات التحول الديمقراطي، ولا لمتطلبات المرحلة الانتقالية التي تتطلب ائتلافًا واسعًا من قوى التغيير لإدارة البلد وإعادة إصلاح الدولة، وليس صراعًا على السلطة الذي يأخذ أشكالاً دموية. لقد تبيّن الآن أن هذا القصور عن فهم هذه المتطلبات له نتائج كارثية.

الشعب المصري برمته يدفع ثمن أخطاء وخطايا نخبه السياسية والمثقفة، بالأرواح والدماء.

لقد عجزت قيادة حركة الإخوان المسلمين، وهي مصنفة كتيار إسلامي وسطي كنا ولا زلنا نطمح ليتحوّل نحو استكمال رؤيته المدنية، عجزت عن فهم مقتضيات المرحلة (بما فيها عجزها عن فهم دور مصر التاريخي) إذ أصرت على عنادها بإدارة مصر لوحدها فانفض عنها الكثيرون ممن دعمها من أحزاب وشخصيات. وهي لم تدرك حجم المعارضة المتنامية ضدها وإمكانية أن تعود الدولة العميقة وأركانها القديمة وبالتحالف مع القوى الثورية، الليبرالية والقومية واليسارية، بالإقدام على خطوة عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وهي خطوة، رحّبت بها دولة إقليمية لا علاقة لها بالديمقراطية ولا بالموقف الوطني-القومي مثل السعودية والأمارات والكويت وتساهل معها الغرب، ولكن قلة قليلة من الأوساط الديمقراطية واليسارية والقومية من وصف هذه الخطوة بالانقلاب العسكري، وعلى مستوى العلاقة مع الخارج، وتبيّن أن نظام الإخوان ونظام العسكر يتلاقيان في الحرص على العلاقة مع أمريكا وعلى معاهدة كامب ديفيد.

إلا أن الحماس لخطوة الجيش، بدأ يتراجع عند العديد من القوى التي تفهمت الخطوة بالبداية ظنًا منها أن ذلك يجنّب البلاد إراقة الدماء، خاصة بعد أن اتضحت قدرة الإخوان على التجنيد والاعتصام ضد الانقلاب والعناد لمواصلة هذا الدور. وهناك من كان يتوقع أن براغماتية الإخوان المعهودة ستدفعهم  إلى التراجع عن تشددهم في مطالبهم تفاديًا لمصير مجهول للبلد.

وجاءت خطوة الجيش ومدعومًا بجبهة الإنقاذ بارتكاب الحماقة الكبرى، أي اللجوء الى فض الاعتصامات بالقوة، مع معرفة مسبقة أن ذلك سيقود إلى إراقة الدماء. وهذه الخطوة لها أبعاد اجتماعية وثقافية كارثية بعيدة المدى على نسيج المجتمع.

هكذا تكون مصر قد دخلت نفقًا مظلمًا، أو على  أعتاب هذا النفق.. ربما شبيه بالنفق الذي دخلته سوريا.
وإزاء ذلك لا بد من التأكيد على مجموعة من المبادئ:

أولاً: أن الموقف الأخلاقي والإنساني والوطني يقتضي إدانة قتل المدنيين بكل قوة؛ والاعتداء على أفراد الجيش، وعلى الكنائس، لأن ذلك يقود إلى توسيع الهوّة بين أبناء الشعب الواحد.

ثانيًا: الموقف الديمقراطي يناهض الاستبداد ويرفض الدكتاتورية بكل أشكالها العلمانية والدينية والعسكرية؛

ثالثًا: الانتقال الجذري من مرحلة إلى أخرى في مصر والبلاد العربية يقتضي حوارًا حقيقيًا وفهمًا مشتركة لبناء الدولة الحديثة المدنية القائمة على احترام حق المواطن في الحرية والمساواة والأمن والعدالة الاجتماعية. ومن ناحية ثانية على استقلال الدولة عن الهيمنة الأجنبية، الاقتصادية والعسكرية والسياسية. وإنهاء ارتهان الدولة بمعاهدة كامب ديفد، وعلى جعل فلسطين بوصلة الثورات العربية.

لا ديمقراطية بدون موقف وطني، قادرة على تحقيق الحرية والاستقلال بالمفهوم الشامل، ولا موقف وطني بدون ديمقراطية قادر على ذلك. لقد أسقطت الشعوب العربية المفاهيم القديمة، وهي تصر الآن على الربط بين العاملين كشرط لنهوض الأمة، وإن كانت ستحتاج إلى وقت طويل.. ولكن تستطيع اختزال مدته بالحوار الوطني الذي يشق طريق تحوله الديمقراطي ونهضته.

التعليقات