22/08/2013 - 22:51

مركزية الفرد – الإنسان في الحياة../ عوض عبد الفتاح

مناهضة الاستبداد ومقاومته، سواء كان استبدادًا علمانيًا (عسكريًا أو غير عسكري) أو استبدادًا دينيًا، حق وواجب

مركزية الفرد – الإنسان في الحياة../ عوض عبد الفتاح

لم يعد يُعار أي اهتمام للتعبير عن السخط والصدمة، وإطلاق صيحات الإدانة وشتم هذا النظام أو ذاك، أو هذا الطرف أو ذاك، هذه الحركة أو تلك، الذين يوجه إليهم الاتهام بارتكاب المذابح والقتل والتحريض الطائفي والمذهبي، والتخوين السياسي. فالمجزرة، أو المجازر، مهولة، وتستدعي فعلاً خارقًا للخروج من بحر الدماء.

يعيش المواطن العربي هذه الأيام، خاصة في تلك الأقطار التي قررت شعوبها أن تنهض من نومها الطويل وتحطم جدار الخوف، ممزقًا بين الآمال العريضة المنبعثة من ثورته، وخيبات الأمل المريرة، بل والصدمة ليس فقط من حجم ووحشية الأنظمة المستبدة التي لا تزال تبيح دماء شعوبها، بل من سقوط الأقنعة عن قوى وأطراف قدمت نفسها كحامل للتغيير الثوري، أو التحوّل الديمقراطي.

إن حالة الاستقطاب الشديدة المميتة التي أفرزتها الحالة العربية الراهنة، التي تكاد تخنق كل صوت عاقل أو قوة عاقلة، تتوغل في المجتمع وتتغول عليه. ويتجلى هذا التغوّل في استسهال ارتكاب المذابح البشعة، دون أن تلقى ثورة غضب عربية أو دولية. إن مذبحة غوطة دمشق التي يندى لها الجبين، جرى تنفيذها قبل أن تجف دماء المصريين.

هكذا تآكلت قيمة الإنسان العربي بصورة مهينة، سواء على يد أنظمة الاستبداد، أو فلولها، أو على يد بعض القوى الثورية، ناهيك عن القوى الجهادية والتكفيرية التي تقطع الرؤوس وتحرق الناس في سوريا، وتعدم الجنود في سيناء المصرية.

كان ينتظر الإنسان العربي إزاء هذا الانحطاط في الممارسة، وفي لغة مخاطبة الخصم، وفي القتل الجماعي الذي يُهلل له البعض من أبناء نفس الشعب أن تنطلق مبادرات شعبية قوية وواسعة لمنع وصول الوضع إلى ما وصلت إليه. ولكن رأينا انجرافًا شعبويًا خطيرًا نحو مسارٍ مشكوك في مغزاه.  تُرى هل نشهد فرملة لهذا التدهور الجديد الذي شهدناه أمس الأول في سوريا، وفي مصر قبل ذلك، وينتفض عقلاء من شخصيات وأوساط عاقلة للتحرك في وجه هذه العبثية.

على أية حال، يبدو أن الواقع الحالي أكثر تعقيدًا من الرغبات الإنسانية والصادقة، ولكن الإنسان العربي لم ولن يفقد ثقته بقدرته على إحداث التغيير والوصول إلى فجر حريته.

لذلك لا بدّ من التأكيد على منطلقات أساسية إنسانية وديمقراطية وقومية حفاظًا على توازننا، وعلى أن تكون البوصلة لمن يواصل الحفاظ على هذا التوازن:

1. إن مناهضة الاستبداد ومقاومته، سواء كان استبدادًا علمانيًا (عسكريًا أو غير عسكري) أو استبدادًا دينيًا، حق وواجب؛

2. رفض وإدانة الاعتداء وقتل المتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقهم المشروع في التعبير عن مظالمهم وعن حقهم في الحياة الحرة والديمقراطية؛

3. رفض وإدانة التحريض الطائفي والمذهبي باعتباره سلوكًا غير إنساني وغير حضاري، ومساعدًا الأعداء على تفكيك مجتمعاتنا العربية؛

4. رفض وإدانة النزعة الاستئصالية بحق الخصوم، لأن هذه النزعة هي فاشية الطابع والجوهر وتشكل تهديدًا حقيقيًا على وحدة الأمة وتطلعاتها نحو النهضة الشاملة؛

5. التأكيد على أخلاقية محاسبة مرتكبي الجرائم الإنسانية، من أي طرف كان، سواء من جانب النظام أو من جانب حركات تطرح نفسها جزء من عملية التغيير؛

6. التأكيد على الربط بين حرية المواطن وحرية الوطن، أي أن تحرر الأمة العربية من الهيمنة الأمريكية-الصهيونية يتم عبر تحرير الأقطار العربية من كل أشكال الاستبداد الرسمي وغير الرسمي، وتحرير المواطن العربي، وإنهاء البنى الاقتصادية-الاجتماعية المتخلفة التي تعيد إنتاج الأنظمة الراهنة وبالتالي ترسخ الهيمنة الخارجية؛

7. تشكيل جبهة عربية شعبية، قومية وديمقراطية مؤلفة من أشخاص وأوساط ذوي رؤية تحررية-وطنية ومناهضين للإمبريالية، وذوي رؤية ديمقراطية حقيقية تؤمن بمركزية المواطن، الفرد والإنسان.

(كلمة العدد في صحيفة "فصل المقال" التي تصدر الجمعة)
 

التعليقات