12/09/2013 - 16:08

إلى قادة الجبهة والحزب الشيوعي: ما هكذا تورد الإبل يا رفاق../ د. باسل غطاس

ولتذكروا أن ما يواجهنا من مكائد ومخططات سلطوية أكبر بكثير، ويجب أن تحسبوها صح على كل المستويات وإلا جررتم الويلات على أنفسكم وعلى شعبنا وعندها لات ساعة مندم

إلى قادة الجبهة والحزب الشيوعي: ما هكذا تورد الإبل يا رفاق../ د. باسل غطاس

بعيد انتخابات الكنيست الأخيرة خرجت علينا قيادة الحزب الشيوعي والجبهة بهجوم منفلت من كل عقال، ملخصه أن المنافسين في الانتخابات زادوا من قوتهم بسبب المال السياسي، بينما كان ما حصلته الجبهة من أصوات "نظيفا خالصا".

بالرغم من السقطة السياسية والأخلاقية في هكذا تحليل لتراجع أو جمود قوة الجبهة في أحسن الأحوال، وبالرغم من الخطورة البالغة لهذا الاتهام إلا أننا اعتبرنا في التجمع أن هذه "فشة خلق" ومحاولة لاستيعاب الغضب والنقاش الداخلي حول فشل الجبهة في التغيير في القيادات والوجوه، وكذلك لتحميلهم شعبيا فشل تحالف الأحزاب العربية في الانتخابات. وبناء عليه قررنا عدم التصعيد والإحجام عما قد يؤدي إلى زيادة الهوة بين الأحزاب، خاصة أن الانتخابات وراءنا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإننا بصدد حملة قوانين عنصرية وهجمة شرسة على وجودنا كأقلية قومية، وعلى مجرد تمثيلنا السياسي متمثلة بسيف المصادرة والترحيل في النقب أو قانون رفع نسبة الحسم، وهذا كله يتطلب تعاونا وعملا مشتركا للأحزاب والقوى السياسية العربية لمجابهة هذه المخططات والتصدي لها بنجاح. وقد أملنا أن تعود قيادة الحزب الشيوعي والجبهة إلى رشدها بعد أن روت غليلها من توجيه "ضربات تحت الحزام" للمنافسين، وخاصة لحزب التجمع، وأن ترى هي أيضا المخاطر الكبيرة الداهمة، وأن تجعل حساباتها كبيرة وتتخلص من نزوة الحسابات الصغيرة، وأن تفضل التقارب والعمل المشترك على استمرار حالة التنافر والصراع.

هكذا توقعنا لأنه هكذا يجب أن تكون حسابات وتقييمات الأحزاب ذات الرؤية الوطنية وذات الدور التاريخي، وليس حسابات صغيرة لتحقيق "السلم الداخلي" عبر تأجيج الصراع مع "عدو" خارجي، ولصق تهمة شراء الذمم والمال السياسي من البترودولار وما إلى ذلك من الردح الذي لا يتطلب منها سوى أن تردده على الطريقة الديماغوغية المعروفة.

مع الأسف استمرت القيادة الجبهوية، بمن فيهم عدد من النواب، بتوجيه نفس القذف والشتائم وتحديدا على التجمع من على كل منبر. وقد تحدثت شخصيا مع عدد من أصدقائي في قيادة الجبهة أن يتوقفوا عن هذا الأسلوب المضر بنا جميعا، وأن الاستمرار في استخدام التهمة الفرية الخطيرة باستخدام المال السياسي لشراء النفوذ السياسي فيه انزلاق إلى منحدر خطير جدا ستقع فيه الجبهة والحزب الشيوعي قبل الجميع، وحذرت أن شعبنا ينتظر منا بعد الانتخابات أن نتعاون وننشئ تحالفا عربيا واسعا، وليس أن نستمر في المناكفات والصراعات الجانبية. لكن عبثا تحدثنا واستمر الهجوم حتى وصل الأمر بالنائب عفو إغبارية بترديد نفس الخطاب الممجوج لدرجة السخف من استخدام المال السياسي في افتتاح فرع أو مجموعة للشبيبة في رهط. وكان هذا في فترة النشاطات المكثفة للتصدي لمخطط برافر.

ولكن السيل بلغ الزبى، ووصل الأمر إلى الحد الذي لم يعد من الممكن الوقوف حياله كاظمين مع نشر افتتاحية صحيفة "الاتحاد" الناطقة باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وبطبيعة الحال باسم الجبهة الديموقراطية حول انتخابات الناصرة بتاريخ 01/09/2013، ونشرها كما هي موقع الجبهة الالكتروني على الشبكة. إننا نعتبر أن هذه الافتتاحية بما احتوته من سموم وشتائم قد بلغت حد الهلوسة والاستحواذ والغرور المرضي الذي لن يجد له علاجا في السياسة، وإنما في أماكن أخرى ولدى مختصين من مهن أخرى. كنا نربأ صدقا بقيادة الجبهة ألا تقع في مثل هذه الخطيئة، وألا تسمح بنشر مثل هكذا كلام مما يعني بالنسبة لنا تجاوز كل الخطوط الحمراء والوقوع في المحظور والتحلل الكامل من تحمل المسؤولية السياسية القيادية كحزب عنده قطاع واسع من المؤيدين.

لا أريد أن أقتبس من الافتتاحية من "درر" مما لا يتحمله الورق سوى ما يلي: "ها هي (الناصرة) تستعد لهزم حصان طروادة الطافح بالدولارات واليوروهات المشبوهة، التي تفوح بأكره وأقذر روائح العمالة والتواطؤ، والملطخة بأحقر موبقات التآمر على فلسطين وعلى مصر وعلى سوريا وعلى لبنان وعلى الناصرة". ولا يحتاج القارئ إلى الكثير من الحصافة لكي يعرف من هو المقصود بهذا الكلام. كل هذا لأن النائبة حنين زعبي وبتأييد التجمع الكامل قررت خوض انتخابات الرئاسة في الناصرة.

وخلافا لمثل هذا المستوى من الشتائم والاتهامات القذرة لا تحوي الافتتاحية أية كلمة في السياسة، إنما هي فقط مؤامرة دولية عالمية لإسقاط الجبهة في الناصرة والتجمع هو المنفذ لهذه المؤامرة. أما كيف تتحالف الجبهة مع نفس التجمع لخوض الانتخابات في عدد من الأماكن، وكيف ولماذا تستمر المفاوضات لتشكيل تحالفات في بلدات مركزية أخرى مثل عكا وحيفا فلا تنبس صحيفة الاتحاد بكلمة واحدة.

حان الوقت لكي تدرك قيادة الجبهة والحزب الشيوعي أن اللجوء إلى مثل هذه الأساليب من التخوين والإقصاء وإلصاق التهم للآخرين بدل التعامل السياسي معهم على قاعدة التنافس والحوار والاتفاق على أسس أخلاقية وموضوعية لإدارة الخلافات الشرعية الموجودة هو ما أدى بها إلى التردي والتقهقر الذي كما يبدو سيستمر طالما استمر هذا النهج. لقد حاولت فعلا وبكل أدوات التحليل المتوفرة لدي كسياسي أن أفهم سبب هذه الحملة الهجومية على التجمع من قبل الجبهة والحزب الشيوعي منذ الانتخابات وفشلت. كيف من الممكن أن يفتح حزب عقلاني على نفسه باب المال السياسي وهو من يملك حق الاختراع عليه، وهو من أبدع في استخدامه واستيراده طيلة عقود ولا يزال. وأحجم هنا فعلا من منطلق المسؤولية الجماهيرية عن الخوض بالتفاصيل وهي متوفرة لدينا بكثرة وبالأرقام والوثائق ذلك أن لا يزال لدي أمل بأن يتدارك الأخوة في الجبهة الأمور ويتوقفواعن المضي في غيهم.

كيف من الممكن أن تقوم صحيفة الاتحاد بإنشاء افتتاحية "ردح وشتائم" كتبها أحد الحاقدين المصابين بعقدة اسمها "التجمع" و"عزمي بشارة" وهي تدين بمجرد استمرار وجودها لمال سياسي تمتد أصوله لآبار النفط والغاز حيث لم نسمع عن اكتشافات نفطية في رام الله مؤخرا؟ ما هي المصلحة السياسية أو حتى الحزبية الضيقة التي ستحصل عليها الجبهة أو الحزب الشيوعي من هذا الهجوم المنفلت على التجمع ما عدا تسعير التعصب الداخلي ودرء النقد على القيادة عن أسباب الفشل؟

لم أجد حقيقة أي سبب موضوعي أو سياسي آخر يستدعي مثل هذه الحدة، ومثل هذه السّمّيّة، ومثل هذا التجاوز لكل المعايير الأخلاقية في الهجوم علينا. هل هذا سبب كاف؟ وهل يعقل أن تصاب قيادة كاملة لحزب وجبهة بمثل هذه الانتهازية وبالطفولة السياسية وباستمرار إعادة إنتاج "العدو الأكبر" عزمي بشارة لتبرير هذا النهج؟ متى تتخلصون من هذه العقدة أم أنكم تستسيغونها وتعيشون معها بسلام حيث من السهل أن تتحدد المواقف بناء عليها أينما كان ومهما كان موقفه أو موقعه فأنتم في الجهة النقيض؟

لا أجد كلمة أقولها أو مناشدة أوجهها لكم سوى أن "اطلعوا من هذا الفيلم". عزمي بشارة يقوم بدوره العلمي الأكاديمي كمفكر وباحث عربي من الطراز الأول بعيدا عن الوطن ونعم لديه دوائر تأثير كبيرة تتعدى ما يجري هنا إلى كل العالم العربي الفسيح، والحزب الذي أسسه هنا منذ 17 عاما اشتد عوده وساعده، ولديه الألوف من الكوادر والحركات الشبابية والطلابية والنسائية. منذ خروج عزمي بشارة القسري منذ 7 سنوات خاض التجمع معارك انتخابية عديدة، وحقق إنجازات كبيرة، وتجاوز أزمات عديدة، ويزداد الالتفاف الجماهيري حوله باستمرار، وخاصة بين الشباب.

عليكم تقبل هذه الحقيقة والعيش معها، وكذلك أن قوة التجمع الانتخابية بين العرب مساوية للجبهة وأنه كحزب خاض الانتخابات لوحده بدون أي مركبات أخرى حقق أكبر كمية أصوات بين العرب. والمستقبل يعد باستمرار نمو قوة التجمع لأنه حزب شاب ومتجدد دائما، وستشهد نتائج الانتخابات المحلية القريبة على ذلك.

أرجو أن تتقبلوا هذه الحقائق، وأن تتعاملوا معها كقيادة سياسية ناضجة. لن نقبل من طرفنا أن تستمروا بالهجوم على التجمع وتوجيه أسهم التخوين والتآمر وأكاذيب المال السياسي وأن نصفح عن ذلك، ولتذكروا أن ما يواجهنا من مكائد ومخططات سلطوية أكبر بكثير، ويجب أن تحسبوها صح على كل المستويات وإلا جررتم الويلات على أنفسكم وعلى شعبنا وعندها لات ساعة مندم.

التعليقات