25/09/2013 - 11:04

أوسلو .. غرائب وخرائب../ عمر شحادة*

ومن غرائب الأمور، أنّ وصفها بالعبثية والعقيمة والخديعة ووحيدة الجانب والجزئية والمرحلية ممن وقعوا اتفاقية أوسلو، لم يحل دون عودتهم مجددا لاستئناف المفاوضات بشروط أسوأ بما لا يقاس كما أرادها نتنياهو، بعيداً عن مرجعية الشرعية الدولية ومطالبهم، وتبرعوا فوق ذلك بتقديم تنازل جديد يقضي حتى بعدم الاحتجاج لهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها على أي انتهاكات أو جرائم احتلالية جديدة طيلة فترة المفاوضات السرية المحددة بتسعة شهور كحد أدنى، في سلوك تفاوضي مستغرب كـ"إبداع" جديد في إستراتيجية "الحياة مفاوضات"، ودون إحساس واجب بالزمن الفلسطيني النازف أرضا ودما والمشبع بالعذاب

أوسلو .. غرائب وخرائب../ عمر شحادة*

مرت الذكرى العشرون لتوقيع اتفاق أوسلو دون احتفالات وضجيج أو اكتراث، سوى لقاءات عابرة في باريس ولندن عقدت مع الرئيس الفلسطيني بما فيها لقاء أعلن فيه وزيرالخارجية الأمريكي كيري بأن مسيرة أوسلو ومفاوضاتها مستمرة، فيما اكتفى الطرف الفلسطيني في هذه المناسبة كمن يقدم كشف حساب ليس لشعبه بل للإدارة الأمريكية والرباعية الدولية، بتكرار أسطوانته القائلة بأن الطرف الإسرائيلي أخذ من اتفاق أوسلو ما ينفعه ويخدم إستراتيجيته فحسب دون أن يفي بالتزاماته، دافعاً بذلك عن نفسه تحمل المسؤولية في "تعثر" الاتفاق، ومتجنبا للعواقب التي ينطوي عليها وقف التمويل، الذي يمثل أكسير حياة السلطة، ويمدها بالطاقة التي تعينها على القيام بواجباتها الوظيفية في تنفيذ التزاماتها السياسية والأمنية والاقتصادية.

قد يكون أيتام إتفاقية أوسلو على حق باعتبارها قد ماتت منذ اختفاء شريكهم المسمى باليسار الإسرائيلي الذي مضى إلى غير رجعة بغنيمة الاعتراف المجاني والمسبق بـ"إسرائيل" ونبذ "الإرهاب"، ومن حيث موت أوهامهم بأن تسفر عن دولة كانوا يرونها قريبة! ولعل بعضهم على حق أيضاً، بقولهم إن اتفاقية أوسلو حية ترزق وباقية ومستمره بوصفها الوسيلة والمسوغ لديمومة السلطة كما رُسم لها أن تكون، حتى لو غدت في حال يذكرنا بروابط القرى الغابرة، التي سعى المحتل أن يشكل منها كابحاً للنهوض الوطني وللانتفاضة الكبرى التي اندلعت شرارتها الأولى من غزة في كانون أول 1987 لتشعل في وجه المحتل الحقل كله، وتفتح لأول مرة أمام الشعب الفلسطيني بوابة الحرية والاستقلال وإمكانية قيام الدولة الفلسطينية.

ومن غرائب الأمور، أنّ وصفها بالعبثية والعقيمة والخديعة ووحيدة الجانب والجزئية والمرحلية ممن وقعوا اتفاقية أوسلو، لم يحل دون عودتهم مجددا لاستئناف المفاوضات بشروط أسوأ بما لا يقاس كما أرادها نتنياهو، بعيداً عن مرجعية الشرعية الدولية ومطالبهم، وتبرعوا فوق ذلك بتقديم تنازل جديد يقضي حتى بعدم الاحتجاج لهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها على أي انتهاكات أو جرائم احتلالية جديدة طيلة فترة المفاوضات السرية المحددة بتسعة شهور كحد أدنى، في سلوك تفاوضي مستغرب كـ"إبداع" جديد في إستراتيجية "الحياة مفاوضات"، ودون إحساس واجب بالزمن الفلسطيني النازف أرضا ودما والمشبع بالعذاب.

في لحظة يُجمع فيها أغلبية شعبنا والساسة المحليون والدوليون بأن تقدما يذكر لم يتحقق منذ عشرين عاما، لا بل وأصبحت فيها أوضاع ملايين الفلسطينيين أسوأ بكثير من قبل توقيع هذا الاتفاق المشؤوم، تداهمنا غرائب لا تعد ولا تحصى، بما فيها أن يُطلب منا أن نرفع رؤوسنا عالياً زهواً وفخراً، في وقت باتت فيه مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير والأراضي الزراعية والاقتصاد الوطني والبنى الاجتماعية أشبه بخرائب، وتَستبيح فيه سوائب المستوطنون ودوريات جيش الاحتلال باستخفاف رهيب ودون رادع من قريب أو بعيد، باحات المسجد الأقصى وكل بيت أو مقر لسلطتنا وأجهزتها العتيدة.

كمن لا يضيره أن يخسر نفسه كي ينال رضى السيد الكبير في البيت الأبيض، ودون اعتبار لقرار الإجماع الوطني والمجلس المركزي وتنفيذية منظمة التحرير، تتواصل على أنغام السلام الأمني والاقتصادي التطبيعي منذ نهاية تموز الماضي المفاوضات الثنائية والسرية والصامتة التي استئنفت من واشنطن، دون حق الإعلان عن مجرياتها أو الانسحاب منها أو حتى الأنين أو الشكوى لهيئة الأمم المتحدة التي بدأت للتّو جلسات جمعيتها العامة بالانعقاد في نيويورك، في ظل الاعتقالات العشوائية المستمرة والقتل اليومي وانفلات الاستيطان وإرهاب المستوطنين والتطهيرالعرقي والتهويد المحموم للأقصى والقدس والأغوار والحصار الوحشي للقطاع، عبرعملية حثيثة منظمة للإجهاز التام على ممكنات قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، كحق يكفله القانون الدولي لشعبنا دون قيد أو شرط.

ليست مجرد مفاوضات أو تنازلات وقرارات غير شعبية، إنها المؤامرة الكبرى التي يحيكها الاحتلال وحليفه الإستراتيجي في غفلة من الزمن والوطن والمواطن لتصفية القضية الفلسطينية برمتها عبر فرض أوسلو جديد على شعبنا، بعد أن تم بجريرة أوسلو القديم تفتيت وحدة الشعب والأرض والقضية، وهو ما يفرض علينا جميعا كل في موقعه وقدر طاقته الانخراط اليوم قبل الغد في معركة التغيير والإنقاذ الوطني بدعم الحراك الشعبي المتنامي في أوساط الشباب والطلبة، وبين قطاعات الشعب الفلسطيني وفئاته المختلفه داخل الوطن وخارجه لوقف هذه المفاوضات المدمرة والتصفوية واستعادة الوحدة الوطنية الجامعة مهما كلف الثمن، بوصفها مفتاح الحرية والاستقلال والعودة وبوابة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
 

التعليقات