11/10/2013 - 11:50

دولة في حالة عصاب: نتنياهو وإيران والإجماع القومي../ أحمد .م. جابر

موقف المعارضة تجاه الموضوع الإيراني متطابق مع الائتلاف، إيران هي العدو الذي لا ينبغي خسارته، هذا هو لسان حال الإجماع القومي الصهيوني

دولة في حالة عصاب: نتنياهو وإيران والإجماع القومي../ أحمد .م. جابر

الموضوعان الحساسان اللذان يهيمنان على النقاش الإسرائيلي العام هذه الأيام هما الموضوع الإيراني والموضوع الفلسطيني أو بالأصح موضوع الانفتاح الإيراني- الأمريكي حول المسألة النووية في إيران، والمفاوضات التي يعاد إنتاجها من جديد في السياق الفلسطيني – الإسرائيلي.

والملاحظة الأساسية التي ترتبط بمراقبة ردود الفعل الإسرائيلية تجاه الموضوعين، هي حالة الرعب المضمن في التصريحات والتعليقات وردود الفعل الإسرائيلية تجاه تجريد إسرائيل من أسلحة الحصار وخطر الإبادة الذي تستخدمه لابتزاز العالم واستجلاب التعاطف معها.. وثمة ثلاث دوائر يمكن مراقبة السلوك والقول السياسي الإسرائيلي عبرها تجاه أي حدث من الأحداث: دائرة الائتلاف الحاكم ودائرة المعارضة ودائرة الإجماع القومي.

في السياق الفلسطيني.. من نافل القول، الحديث عن جدوى وفائدة المفاوضات للجانب الفلسطيني، أما إسرائيلياً فمن الواضح أن هناك إجماعا اسرائيليا (تنفيذيا) إن صح التعبير، حول عدم تقديم أي تنازل للجانب الفلسطيني، وعدم السماح بتقدم المفاوضات، ونعني بوجود الإجماع التنفيذي أن السلطة الحقيقية موجودة في يد من لا يريدون أي انفراج، ومن يواصلون القول إنه لا يمكن بناء السلام مع الفلسطينيين، ومن هنا يجد نتنياهو نفسه في بين فكي انتمائه من جهة لهذا التيار اليميني الفاشي في اسرائيل، وإن حاول تقديم نفسه بثوب آخر، وبين الضغط الأمريكي وتعهداته التي قطعها للجانب الأمريكي بخصوص المضي في التفاوض مع الفلسطينيين بل وتحويله إلى مسار مثمر.

المعارضة الإسرائيلية وان كانت تجهر بمعارضتها لطريقة الاستيطان –وليس للاستيطان من حيث المبدأ- إلا أنها في جميع الحالات تفتقر للقوة والعمق الجماهيري الذي يساعدها على فرض أو التفاوض على أجندتها، وهي في جميع الحالات لا تستطيع إبداء معارضة علنية للإجماع القومي المناهض للحقوق الفلسطينية والذي يسيطر عليه اليمين المتطرف بشكل شبه كامل.

ومن هنا تبدو اللغة المزدوجة التي تتحدث بها إسرائيل فلسطينيا، والفصل العشوائي بين الممارسات الصهيونية وتصاعد المقاومة والإصرار على عدم وجود رابط بين عقيدة محاربة (الإرهاب الفلسطيني) ومواصلة الاستيطان، لدرجة تجاهل مقدمات حادثتين مهمتين، أي مقتل الجنديين، للذهاب إلى أفعال لاعقلانية من نوع (تدفيع الثمن) حيث سمح نتنياهو بإعادة استيطان بيت الرجبي (بيت همخبيلا) رغم وجود قرارات إدارية حكومية بعكس ذلك.

الضيق الذي يعانيه نتنياهو داخليا تجاه المفاوضات واليمين المتشدد، حمله معه إلى الأمم المتحدة، ليلقي خطاباً يفتقر إلى الحد الأدنى من اللباقة الدبلوماسية، ناهيك عن الحنكة المطلوبة في مواجهة ما تسميه أوساط إسرائيلية كارثة الانفتاح الإيراني.

خطاب نتنياهو الذي ركز على الأساطيرمن نوع (الشعب الذي عمره 4 آلاف عام وعاد من المنفى)، وعلى إيران، وأهمل فعليا الموضوع الفلسطيني، لم يكن موجهاً للخارج وإنما للداخل الإسرائيلي وللائتلاف بالتحديد، طمأنة الائتلاف بعدم الخضوع لأمريكا في الموضوع الإيراني، وبأن الموضوع الفلسطيني ليس ذا صلة، أيضا استخدم مفردات تنم عن الوقاحة في المخاطبات الدبلوماسية من على منبر الأمم المتحدة، بما يذكرنا بالبدايات التلفزيونية المثيرة والرجعية المتصلبة لنتنياهو بداية صعوده السياسي. فلغته تجاه إيران ورئيسها تصيب بالذهول لوقاحتها وانفصالها عن الواقع وكمية التضليل التي تحملها، والتناقض القائم أنه وبعد أيام قليلة من خطابه المتصلب ضد إيران يعود نتنياهو فيصرح أنه "قد يفكر" بلقاء الرئيس الإيراني، ثم يعود للقول خلال دقائق (في برنامج مورنينغ اديشن على محطة إن بي أر الاميركية) "لا أكترث لهذا اللقاء، لا مشكلة لدي مع العملية الدبلوماسية" و"الانفتاح الإيراني كلام تافه بالمعنى"!

موقف المعارضة تجاه الموضوع الإيراني متطابق مع الائتلاف، إيران هي العدو الذي لا ينبغي خسارته، هذا هو لسان حال الإجماع القومي الصهيوني.

كيف يمكن تفسير أزمة نتنياهو وأزمة السياسة الإسرائيلية، وبصياغة أخرى: لماذا ترتعب إسرائيل من السلام مع الفلسطينيين، نتحدث هنا عن السلام الجدي، ولماذا ترتعب من انفتاح إيران؟ وكيف يمكن تفسير ارتفاع شعبيته كرئيس للوزراء بعد خطابه في نيويورك بشكل غير مسبوق وتصريح ثلثي المستطلعين باستعدادهم المضي وراء نتنياهو في ضرب إيران بشكل مختلف؟ هل يمكن التنبؤ فعليا بتحولات كتلة سكانية مريضة ومشلولة التفكير وتقوم بأفعال تعارض مصالحها الحيوية كماهو حال إسرائيل؟

لقد حاول نتنياهو أن يقدم للعالم الحقيقة كما تراها إسرائيل، وهي حقيقة مختلفة تماما لسوء حظه عن تلك التي يراها العالم، وانفتاح إيران حيال موضوعها النووي ومن ثم تفكيك الترسانة الكيميائية السورية، كل هذا يرعب إسرائيل بدلا من أن يبهجها، والسبب أن هذا سيؤدي إلى انكشاف اسرائيل على حقيقة أنها الطرف الوحيد في المنطقة الذي يتصرف برعونة تجاه موضوع حساس عالميا كموضوع أسلحة الدمار الشامل.

ورغم نجاح إسرائيل في إحباط القرار المقدم حولها من الدول العربية في الاجتماع السنوي للوكالة الدولية للطاقة النووية إلا أن الفارق التصويتي لا يمكن الاعتداد به لبناء مجال آمن لسياسة الغموض النووي الإسرائيلية من خمسين عاما، خصوصا أنه لم يتبق سوى أربع دول ليست منضمة إلى معاهدة الحظر.

لكن هذا ليس كل شيء، نحن هنا أمام دولة تعيش حالة عصاب جماعي مرتكز على هوس فرادة الضحية ووضعية الحصار، فاللغة المتناقضة التي تتحدث بها إسرائيل وقادتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبنية العقلية لهذا الكيان إن صح التعبير، وأنها دولة تعيش في الخطر وعلى الخطر، وأهم أسلحتها هي التهديدات التي تدعي أنها تتعرض لها.. وزوال هذه التهديدات سيضع إسرائيل أمام مصيرها في مواجهة عالم أخذ يضيق ذرعا بعنجهيتها وصبيانيتها.

ترتبط عقدة الهولوكوست وفرادة الضحية بوثوق بعقلية الحصار، في إطار هذا النوع من الفكر العدمي، ولتعزيز طروحاتها فلسان حال إسرائيل يعكس التمترس خلف أسيجة عالية من المحرمات، وهذا التمترس هو جزء من إرساء وضعية الحصار ومشاعره في الضمير الجمعي، سواء أخذ معنىً أمنياً (أسطورة العرب الذين يريدون رمي اليهود في البحر) أو تلفيقا لتعزيز شرعية معينة (الهولوكوست ومعاداة السامية) أو حضاريا (إسرائيل هي القلعة المتقدمة للحضارة الغربية في وجه الشرق البربري) أو (الخطر الإيراني) وذلك ببساطة ما يأخذ تسمية (الإجماع القومي) في دولة مثل إسرائيل.

يوما ما وصف موشيه دايان عقلية الحصار التي تعيشها إسرائيل درجة الادمان بأنها "الحلف الحيوي لنا الذي يساعدنا على الاحتفاظ بدرجة عالية من التوتر بين سكان إسرائيل، كما داخل الجيش ومن أجل حفز الشباب للذهاب إلى النقب، علينا أن نصرح بأنه في خطر".

عقلية الحصار هذه تخلق ما يسميه جورج أورويل في روايته 1984 عناصر بنية ثقافة الخوف باعتبارها البنية المؤسسة على التفكير المزدوج، وهي تقوم على أن تعرف وأن لا تعرف، أن تعي حقيقة صادقة كل الصدق وترى بدلا منها كذبات موضوعة بعناية، أن يكون لديك في اللحظة نفسها وجهتا نظر متباينتان وأن تعتقد وتؤمن بكليهما، وأن تستخدم المنطق ضد المنطق وتنكر الفناء وادعاءه، وتؤمن أن الديمقراطية غير ممكنة وفي نفس الوقت تدعي أنك حاميها.

تتبدى الحرب كمهرب ملائم من المشاكل والأزمات التي يعاني منها المجتمع فهي تتيح حصانة غير مسبوقة لحفاظ هذا المجتمع على بقائه وتماسكه، ويصبح مبررا أنه في الوقت الذي تحارب فيه الأمة من أجل بقائها فلا يحق لأحد أن يخرج عنها حتى لو كان مختلفا مع الذين بدأوا الحرب وهذا هو بالضبط جوهر معنى (الإجماع القومي) في إسرائيل.
 

التعليقات