12/10/2013 - 16:23

حيفا: مدينة ليست كمدن العالم../ أفنان إغبارية*

حيفا ليست كباقي المدنِ، فهي مدينةٌ بلا مركزٍ تاريخيٍّ رغم وجودِ هذا المكانِ، والسؤالُ الجوهريُّ الذي يُطرح هنا: كيف يتصرّفُ المسيطِرُ حين يكونُ تاريخُ المدينةِ للمسيطَرِ عليه؟ والمسيطِرُ حسب لسان العرب هو "ساطر السطور"، وهذا بالفعل ما يحدث في مدينتِنا التي نراها تتلاشى تحت أقدامِ مباني الحكومةِ والمحكمةِ الجديدةِ

حيفا: مدينة ليست كمدن العالم../ أفنان إغبارية*

تهتمُّ البلديّةُ في كافّةِ مدنِ العالمِ بتطويرِ مركزِ المدينةِ، الذي هو عادةً ذلك المركزُ التاريخيُّ بأبنيتهِ القديمةِ والمرمَّمةِ بحذرٍ كي لا تفقدَ أصالَتَها.

حيفا ليست كباقي المدنِ، فهي مدينةٌ بلا مركزٍ تاريخيٍّ رغم وجودِ هذا المكانِ، والسؤالُ الجوهريُّ الذي يُطرح هنا: كيف يتصرّفُ المسيطِرُ حين يكونُ تاريخُ المدينةِ للمسيطَرِ عليه؟ والمسيطِرُ حسب لسان العرب هو "ساطر السطور"، وهذا بالفعل ما يحدث في مدينتِنا التي نراها تتلاشى تحت أقدامِ مباني الحكومةِ والمحكمةِ الجديدةِ. لقد بُنيتِ المدينةُ الحديثةُ على أنقاضِ مدينتنا العربيّةِ القديمةِ، حيث نجد أنه في مساحةٍ لا تزيدُ عن ثلاثةِ دونماتٍ تتلاقى الكنائسُ والمساجدُ والسوقُ القديمةُ والحمّامُ التّركيُّ والأبنيةُ السَّكنيَّةُ  مع بعضٍ بمحاذاةِ  خليجِ البحرِ. أوليسَ هذا هو المركز الذي تتمنّاه كلُّ دولِ العالمِ؟ ولكنَّ ذنبَ مدينتنا أنَّ تاريخَها عربيٌّ عريقٌ ولا يمتُّ للمسيطِرِ بصلةٍ. نحن نحمّلُ بلديةَ حيفا مسؤوليةَ الترانسفيرِ التاريخيِّ لمدينتِنا حيفا.

وسؤالنا الآنَ: ما هي مهمّتُنا في بلديّة حيفا؟

كي نجيبَ عن هذا السؤالِ علينا أن نفهمَ كيف تعملُ هذه البلديةُ، وإذا أمعنّا النظرَ فإننا نرى وجودَ هرميّةِ قوى تسيطرُ على النهجِ الإداريِّ، وتؤثّرُ في مخطّطاتِ البلديّةِ وإدارتِها، والتي من الواضحِ أنّها لا تعملُ لمصلحةِ سكّانِ المدينةِ، ولا تحدِثُ التغييرَ السياسيَّ والاجتماعيَّ المنشودَ، بل ترسّخُ الفروقَ والهرميّةَ الاجتماعيةَ في المدينة. إنَّ مهمتَنا كأعضاءِ بلديّةٍ أولاً أنْ نكشفَ محاورَ السيطرةِ، وهذا الكشفُ سيؤدي بالضّرورة إلى تغييرٍ في الوعيِ، ومن ثمّ النضالِ لتفكيكِ محاورِ السيطرةِ القوميّةِ والاقتصاديّةِ والجندريّةِ.

لديَّ رؤيا وهي أن نعيشَ في مدينةٍ يؤسّسُ مجتمعُها لعدالةٍ إنسانيّةٍ، ولديّ هدف في بناء حيفا مدينةَ مشاركةٍ حقيقيةٍ، وهذا يتطلّب إنتاجَ ثقافةٍ بديلةٍ تحملُ مفاهيمَ التغييرِ وقيمَ العدالةِ والمساواةِ، وهذه مهمَّتُنا جميعا عربًا ويهودًا في حيفا.

لو ذكرنا بعضَ محاورِ السّيطرةِ في بلديّة حيفا لبدأنا في الهيمنةِ الثقافيّةِ وسيطرةِ الروايةِ التاريخيّةِ لحيفا، فهي تكشفُ سيطرةَ اليهوديِّ على الحيّزِ، وتنعكسُ هذه السيطرةُ على حياتنا اليوميةِ بتفاصيلها الصغيرةِ، وإليكم بعض المناحي:

- التخطيط والبناء، ذكرتُ أعلاه عن تغييبِ المدينةِ العربيةِ وهدمِها بهدف نسيانِ التاريخِ.
- تخطيطُ الأحياءِ الجديدةِ في حيفا لا يشملُ العربَ رغم الضائقةِ السكنيّةِ التي تعاني منها الأزواجُ الشابّةُ، وذلك بسببِ عدمِ وجودِ إمكانيّاتٍ للخيارِ في السكن، لأنّ البلديةَ لا تطوّرُ وتخطّطُ لبناءِ مؤسّساتٍ تعليميّةٍ وثقافيّةٍ للعربِ في الأحياءِ الجديدةِ، وهذه هي سياسةُ التّمييزِ والتّخطيطِ العنصريِّ.

اللغة كمحور سيطرة، إن الإقصاءَ عبرَ اللغةِ هو الجوابُ عن السؤالِ: لمنْ يعودُ تاريخُ المدينةِ؟ وهذا مثلٌ رائجٌ للإقصاءِ الاجتماعيِّ عن طريقِ استعمالِ لغةٍ مفهومةٍ لفئةٍ فقط، وغير مفهومة للآخرين. فكلُّ الأوراقِ الرسميّةِ التي لها صبغةٌ قانونيّةٌ مثل القوانينِ، الاتفاقياتِ والملكاتِ والمناقصاتِ لا تُكتبُ بالعربيةِ، والمشكلةُ ليست لدى المثقفين والاغنياءِ بل لدى الفقراءِ الذين ليس بمقدورهِم الاستعانةُ بخدماتِ محامٍ لتسييرِ أمورهِم القانونيةِ وفهمِ لغةِ الأوراقِ الرسميّةِ. اذًا إنّ سيطرةَ لغةِ المسيطرِ تعيقُ تقدُّمَ العربِ وتمنعُهُم بحالاتٍ عدّةٍ من معرفةِ حقوقِهِم وما يدورُ في المدينةِ، وهذا إقصاءٌ بسببِ روايةِ المسيطرِ ولغتهِ، رغم أنّ اللغةَ العربية هي لغة رسميّة في حيفا وفي الدولةِ ككلّ.

إنّ هيمنة اللّغة هي أمر ظاهِر أمّا هيمَنة نمط التّفكير تُعتبر أمرا خفيّا وهو الأخطر، تعتمد مناهج التّعليم العربيّ على التّلقين وعلى الحفظ والذّاكرة، بدلاً من التّفكير النقديّ والإبداع، وهذا يؤدّي إلى تعطيل ثَقافتنا وسِيادة ثَقافة المُسَيطِر فنتحوّل إلى مُجتمع مُستهلِك فقط وإلى أفرادٍ بدون قضيّة تجمَعنا، وما نراه اليوم من تشرذُم بحيفا أصدقَ مثالٍ لثَقافتِنا المُعاقة، فهناك مِن العربِ وبدون رادعٍ ما من يدعَم مُرشّحي الرّئاسة للبلديّة ويترشّحون في قوائِمهم وبالطّبع ليس إلا للمصالحِ الفرديّة التي استبدَلت الايديولوجيّات في زمن ارتباطِ المالِ بالسّياسةِ وغزو الفكرِ وتهديدِ القيمِ والأخلاق.

إنّ رواية القَويّ تمنح الشّرعية للهيمنةِ على الحاضرِ والمستقبلِ، وفي حالة بلديّة حيفا شرّعت لنفسها أيضًا الاستيلاءَ على الماضي من خلالِ محوِهِ وإخفائهِ عن الأعينِ، كما تُشرعنُ التمويلِ غير العادلِ والفصلِ بينَ المجموعاتِ، ليصبحَ الفصلُ هو القانون العامّ الذي تتّسم به حيفا كأداة سيطرة على الأحياءِ وطريقةً لإقصاءِ العربِ في مدينتهم، والفصلُ بين الطبقات الاجتماعيّة وبين الحارات، حيث لا تَحصل هذه الأحياءِ العربية على الخدماتِ الأساسيّةِ واللازمة للعيشِ بكرامةٍ.

كيف نفكّك هذه المحاور؟

عن طريقِ الشّفافيةِ، أي العملَ على أن تتحوّل ميزانيّة بلديّة حيفا إلى ميزانيةٍ شفافةٍ لجميع السّكان، مع حساسيّةٍ للأحياءِ المسحوقةِ، والمجموعات المهمّشةِ، ولهذا أرى أنّ مُهمّة عضو البلديّة هي العملَ على تفكيكِ محاورَ قوى السّيطرة من خلال فضحِها وكشفِها للجّمهورِ مع أدقّ التّفاصيل، وأيضًا ببناءِ خطةَ عملٍ بهدفِ تنفيذ البرنامج الانتخابيّ الذي صرّح/ت به قبل موعد الانتخاباتِ.
 

التعليقات