12/10/2013 - 09:40

لتكن معركة حضارية../ عوض عبد الفتاح

لماذا يخوض حزب عربي وطني تقدمي كحزب التجمع انتخابات السلطات المحلية في مجتمع تقليدي، لا تزال العائلية تلعب دوراً معيقاً للتطور الاجتماعي؟

لتكن معركة حضارية../ عوض عبد الفتاح

 لماذا يخوض حزب عربي وطني تقدمي كحزب التجمع انتخابات السلطات المحلية في مجتمع تقليدي، لا تزال العائلية تلعب دوراً معيقاً للتطور الاجتماعي؟

طُرح هذا السؤال عند انطلاق الحزب، وعشية أول انتخابات بلدية واجهته. إن الحزب الوطني الذي يجعل الديمقراطية جزءاً عضوياً من برنامجه وتربية أجياله الصاعدة ينظر إلى الفرد الحرّ باعتباره المكون الأساسي لنهضة المجتمع. وبالاستناد إلى النظرية الديمقراطية الحديثة، فإن المواطن- الفرد له الحق في حرية اختيار الحاكم، أو المسؤول عن إدارة دولته أو سلطته المحلية، دون خوف أو تخويف أو إرهاب لا من جهاز الدولة ولا من البنية الاجتماعية التقليدية ولا الحمولة، ولا من مُشّغله.. ولا من الطائفة. (أنظر مقالة المفكر العربي د. عزمي بشارة عن الانتخابات من كتابه "الخطاب السياسي المبتور" المنشورة في هذا العدد من الصحيفة).

إذاً يفترض بالممارسة الديمقراطية احترام حق الفرد في الاختيار الحرّ لمن يُمثله في موقع المسؤولية العليا. لكن ما العمل في مجتمع كالمجتمع الفلسطيني في إسرائيل، مرّ ويمرّ بعملية تحديث قسري؟ إذ جرى تشويه صورته وبنيانه وأعيقت نهضته الاقتصادية والاجتماعية  الطبيعية فألحقت بالفرد تشوهات وأنماط سلوك غير حضارية. كيف تخاطب الفرد العربي الذي يكاد يكون بلا مرجعية سياسية جامعة؟ فهو لا يعيش في دولته الوطنية بل في دولة اعتدت عليه ولا تزال تمارس العدوان يومياً على حقوقه، سرقت أرضه وهوّدت وطنه، وتسعى بلا كلل إلى شطب تاريخه وحضارته وانتمائه الوطني. وكانت خلقت جواً من الخوف والإرهاب الشديدين في العقدين الأولين (1948-1966) مما دفع غالبية شعبنا إلى التصويت إلى الأحزاب الصهيونية. ظلّ هذا الوضع قائماً حتى حصل الصدع الأكبر الأول في جدار الخوف الذي أحدثه أبناء وبنات المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. كان ذلك في يوم الأرض الخالد حيث كانت أول يقظة جماهيرية عارمة... التي تلاها هبات شعبية وطنية عديدة لم تتوقف حتى اليوم.

بطبيعة الحال لم يكن يوم الأرض هبّة وطنية فحسب، بل أيضاً هبّة اجتماعية، ما معناه أن العنصر الأساسي الجامع لم يعد العائلية فقط، بل البعد الوطني، المقصود الحس بالانتماء إلى مجتمع بات يأخذ ملامح مجتمع موحد. ترافق ذلك مع ارتفاع نسبة التعليم والثقافة ونشوء طبقة وسطى، من أصحاب المهنة الحرّة: أطباء، مهندسين ورجال أعمال صغار (بعضهم تحول مع الوقت إلى رجال أعمال كبار).

كما أنتجت هذه الحالة أحزابا وحركات سياسية جديدة رأى فيها العديد من غالبية شعبنا مرجعية وطنية، إضافة إلى المرجعية العائلية أو الأطر الأهلية.

لكن كل هذا التطورالهام في مجال العلم، ومجال الأعمال والأطر السياسية لم يؤد بعد إلى بلورة مرجعية وطنية واسعة وجامعة وقوية ومنتخبة ترسم إستراتيجية لنهوض المجتمع العربي اقتصادياً وتعليمياً في طريق تحقيق نوع من الاعتماد على الذات. لم تتحول لجنة المتابعة، أو لم يُبن بديل عنها، لتكون مرجعية حقيقية تعزز انتماء الفرد الوطني وتُضعف الانتماء إلى الطائفة أو الحمولة أو نزعة اللهاث وراء مساواة وهمية عبر إدارة الظهر للهوية الوطنية ومقتضبات بنائها وبناء أعمدتها المادية والمعنوية.. كالمؤسسات الراسخة.

في ظل هذا الواقع المعاق تتحول انتخابات السلطات المحلية إلى ساحة تنافس شديد، تفوق شدته انتخابات الكنيست، وينعكس ذلك في نسبة التصويت العالية جداً (أحياناً 95%) وفي مظاهر العنف والاقتتال، كما ينعكس في مظاهر التحلل الأخلاقي لدى الأفراد. فقد أصبحت ظاهرة إجراء انتخابات داخلية لدى العائلات والتي يقودها اليوم أكاديميون (وليس مخاتير زمان) جزءاً من المشهد العام. والتي يرفضها حزب التجمع.. باعتبارها تكريساً فظاً للعائلية. والمشكلة لا تكمن هنا فحسب، بل العديد من الأكاديميين الذين يخوضون هذه الانتخابات لا يمتلكون الكفاءة ولا المقدرة. وكفاءتهم الوحيدة هي انتمائهم إلى عائلة كبيرة.

ولكن هل تتجاهل الحركة الوطنية وجود العائلات؟ وتتصرف وكأنها في سويسرا؟
لا. إن الحركة الوطنية تستطيع رؤية هذا الواقع وتعقيداته وتشوهاته، وهي ليست ضد العائلات، ولا ضد أن تُؤيد شرائح واسعة من عائلة معينة شاباً تقدمياً، عصرياً، دينامياً، صادقاً  في مسعاه من أجل التغيير والتطور إذا ما رشح نفسه بإرادته الذاتية أو رشّحه حزبه أو رشّحته قائمة أهلية حقيقية.. بشرط أن يتمسك أثناء المعركة الانتخابية وبعدها، ببعد اجتماعي تقدمي وبنظرة وطنية جامعة وواعية.. تتجاوز حمولته.

يخوض التجمع الوطني الديمقراطي وحلفاؤه الانتخابات المحلية في أكثر من عشرين موقعاً، سواء للرئاسة أو للعضوية، يخوضها ببرنامج تقدمي ووطني ومهني. لا يفصل بين طبيعة ومضامين وأخلاقية حملته الانتخابية عن الرؤية الشاملة لإدارة السلطة ومجتمع القرية أو المدينة. توجهه حضاري وطني وأخلاقي، يناهض البلطجية والنذالة وإفساد الناس، وتسطيح النقاش الذي يلجأ إليه البعض إما للتمسك بالسلطة أو الوصول إليها كما هو حاصل بشكل فظ في مدينة الناصرة بصورة خاصة.

يخوض التجمع معركة انتخابية هامة في المدن الفلسطينية الساحلية التي حُوّلت قسراً إلى مدن مختلطة بفعل التهويد والسرقة، معركة يخوضها التجمع وحلفاؤه في يافا، واللد وحيفا في مواجهة استبداد الأغلبية اليهودية الصهيونية وتحكمها بمقدرات البلد، والذي يتجلى في حصار من بقي من المجتمع الفلسطيني في هذه المدن... وخنق تطوره. كما يخوضها في مواقع أخرى باتت مختلطة في "نتسيريت عيليت" بالتحالف مع الجبهة، وفي ترشيحا التي ألحقت قسرا بـ"معالوت" التي أقيمت على أراضيها.

هناك معركة على الهوية والوجود والحق في التطور والحياة الحرّة الكريمة. 
لنجعل هذه المعركة جزءا من عملية تغيير نهضوي شامل، وجزءا من مسيرة البقاء في الوطن.
 

التعليقات