31/10/2013 - 12:31

على أعتاب مرحلة جديدة../ د. باسل غطاس

التغييرات المنتظرة ستقود بدون أدنى شك إلى خروج من حالة المراوحة والجمود ثمنا لإجماع الأحزاب والخضوع لحق الفيتو للجبهة والحزب الشيوعي برفض تطوير عمل واستقلالية الهيئات العربية التمثيلية وصولا لانتخابها بشكل مباشر

على أعتاب مرحلة جديدة../ د. باسل غطاس

شخصنا سابقا وفي عدة مناسبات أن الشعب الفلسطيني في الداخل مقبل على مرحلة جديدة تحمل تحديات كبيرة ومخاطر هائلة تنبع في معظمها من سياسات المؤسسة الاسرائيلية الصهيونية وممارساتها. وهذه تتغذى بدورها من واقع الصراع الفلسطيني وانسداد أي أفق سياسي، وتمترس القيادة الإسرائيلية خلف مطلب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية من ناحية، وتغول البناء الاستيطاني الفعلي تحت غطاء المفاوضات من جهة أخرى، واقتراب نهاية جولة المفاوضات الحالية إلى مصيرها المحتوم أي الفشل المرتقب من الجميع.

هذه المخاطر تتمثل في الأشهر القادمة بإصرار الإئتلاف الحاكم على تمرير "قانون برافر" وقانون منع التمثيل السياسي للعرب عن طريق رفع نسبة الحسم، مع تكثيف فعلي لهدم البيوت والمصادرة، وفرض مشروع الخدمة المدنية، وبدء مخطط تجنيد المسيحيين، والاستمرار في تهويد القدس والتضييق على الأماكن المقدسة.

ومع ارتفاع منسوب الاحتجاج لدى العرب، وتصاعد رد الفعل الشعبي تتزايد شدة القمع لقوات الشرطة والأمن، وإصرارها على تقديم كل المعتقلين للمحاكم بتهم خطيرة مثل الاعتداء على الشرطة وغيرها، وهذا طبعا بهدف تحقيق الردع واستعدادا للتصعيد القادم بلا ريب مع تمرير القانون والبدء بتنفيذه.

المرحلة المقبلة ستحمل بالتأكيد توترا وتفاعلا بين تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات والمعارضة المدنية للمجتمع الفلسطيني في الداخل وبين تراكم الشعور باليأس والاحباط وتردي أوضاع الفلسطينيين في مناطق السلطة مما ينذر باحتمال تفجر الأوضاع على صعيد أوسع. هذا ما تدركه المؤسسة الإسرائيلية ولكنها تأخذه بالحسبان ضمن سياسة إدارة المخاطر التي تقوم بها في ظل تحسن غير مسبوق في الميزان الإستراتيجي لصالحها بعد تفاقم الأوضاع في الدول العربية خاصة في سوريا ومصر.

في المحصلة الحكومة الاسرائيلية بكل مؤسساتها تكشر عن أسنانها ومخططاتها العنصرية بكل قوة معتقدة أنها في هذه المرحلة هي في أفضل وضع إستراتيجي، ولهذا لا تأبه لا بضغط دولي أو عربي أو محلي.

المتغيرات في المجتمع الفلسطيني- الانتخابات المحلية

منذ فترة غير قصيرة دخلت القيادات والنخب الفلسطينية والهيئات التمثيلية في حالة من المراوحة والجمود، وأصبحت تعاني من قصور واضح في مواكبة الأحداث، ناهيك عن أخذ زمام المبادرة في أي شيء. وبالمقارنة مع عمل هذه القيادات بعد هبة القدس والأقصى فقد حدث تراجع كبير سواء على مستوى الأداء أو على مستوى شرعية القيادة والتمثيل.

هذه الحالة من الجمود قابلها على المستوى الاجتماعي خاصة في أوساط الشباب والطلاب الجامعيين وداخل المجموعات الأكثر تضررا من الهجمات القادمة حالة من الحراك العفوي والتأهب لشيء جديد، وللقيام بأعمال وفعاليات خارج المألوف، وعدم انتظار قرارات الإجماع في الهيئات التمثيلية العاجزة والقاصرة.

ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن هذا كان بتأثير مباشر من خطاب ومشروع التجمع الوطني الديموقراطي، وتعاظم نفوذه خاصة بيت أوساط الشباب. لا أنوي هنا رصد كل هذه الفعاليات ولكننا نستطيع وباختصار ذكر من باب المثل لا الحصر فعاليات التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام، وخاصة سامر عيساوي، فعاليات مجموعات العودة وخاصة لاقرث وبرعم وسائر القرى، وصولا للحراك الشبابي في التصدي لمخطط برافر والذي نحن في بداياته. وقد خصصت لهذا الموضوع مقالا منفردا استشرفت فيه المرحلة الجدبدة وإمكانية خلق قيادة ميدانية شبابية للنضال بديلة عن الأطر التمثيلية القائمة التي تفقد من شرعيتها ومن نفوذها الجماهيري يوميا بسبب جمودها وعدم ارتقائها بوسائل عملها، وتجمدها عند شكلها التنظيمي الحالي بسبب رفض الجبهة الديمقراطية القاطع لمبدأ انتخاب لجنة المتابعة مباشرة من قبل الناس.

تشير نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة إلى أن المجتمع الفلسطيني في إسرائيل يلج مرحلة جديدة بالتأكيد، مرحلة تذكر من حيث تبدل القيادات بمرحلة ما بعد يوم الأرض 1976.

لقد أسفرت الانتخابات عن وصول قيادات جديدة في عشرات القرى والمدن العربية الأساسية، وعدد لا بأس به منها ينتمي إلى التيار القومي الديموقراطي أو مدعوم من قبله. وفي نفس الوقت فقد الحزب المسيطر على مواقع أساسية في السلطات المحلية منذ أكثر من ثلاثة عقود، أي الجبهة الديمقراطية، غالبية مواقعها في انهيار شبه كامل. هذا سيعني ببساطة تغييرا قادما في قيادة اللجنة القطرية للرؤساء يتبعه تغييرات جذرية في تركيب ورئاسة لجنة المتابعة.

التغييرات المنتظرة ستقود بدون أدنى شك إلى خروج من حالة المراوحة والجمود ثمنا لإجماع الأحزاب والخضوع لحق الفيتو للجبهة والحزب الشيوعي برفض تطوير عمل واستقلالية الهيئات العربية التمثيلية وصولا لانتخابها بشكل مباشر.

لقد شابت الانتخابات المحلية مساوئ ونواقص شديدة وطفا إلى السطح العديد من الأمراض الاجتماعية، وعلى مجتمعنا أن يواجهها بجرأة خاصة العائلية والطائفية واستشراء المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل هذا التغيير التاريخي الذي أتت به الانتخابات والذي سيؤدي، سوية مع مقومات التغيير الشبابي والميداني وازدياد دور المرأة الطليعي على كافة المستويات وخاصة في الميدان، بالضرورة إلى تغيير على مستوى الأداء وعلى مستوى الخطاب للهيئات التمثيلية العربية القطرية، وسيفسح المجال لظهور قيادات وأطر شعبية جديدة لأخذ موقعها المتقدم على الساحة، وفي هذا الكثير من نقاط القوة التي نعول عليها للنجاح في التصدي لما هو قادم ومبيت لنا من سياسات ومخططات المؤسسة الصهيونية الحاكمة.

التعليقات