02/11/2013 - 11:05

الناصرة: احتجاج ينهي حقبة../ حنين زعبي

المدينة لا تحتاج لعفوية، بل تحتاج لرؤية ولإستراتيجية، ولتخطيط ولمشاريع مدروسة، ولمن يرجح العلمية والكفاءات في طريقة إدارة البلد وقيادتها، ويربطها بمكانتها السياسية والمدنية. أهالي الناصرة بحاجة لمن يحقق طموحاتهم، ولمن يبني لهم طموحاتهم، ولمن يرد لهم أحلامهم عندما تتآكل ضمن واقع غير ودود

الناصرة: احتجاج ينهي حقبة../ حنين زعبي

خرجت الناصرة من هذه الانتخابات بنتيجة تاريخية تمثل انتهاء حقبة وابتداء أخرى. ومسؤولية البدايات أكبر وأخطر من مسؤولية النهايات. هنا لا بد من القول إن الانتخابات من ورائنا، وعلى الجميع احترام نتائجها وتهنئة الرئيس المنتخب، متمنين له النجاح.

وقد قررت الناصرة أنها تريد أن تنهي حقبة ساد بها ممارسة وخطابا غير نقديين لسلطة دامت 4 عقود، سلطة لا ترى ما يحدث داخل الأحياء، ولا داخل المدارس، ولا في الشوارع وأزقة السوق والأحياء المنسية، وهي جميعها منسية دون استثناء. سلطة تعتمد على بيوت منغلقة على ذاتها، ومكاتب مغلقة، ومصالح مغلقة على نفسها. إزاء ذلك نتجت حركة احتجاج عفوية، مفتوحة على كل شيء، قابلة لتلقف من يستطيع "تخليصها" من أسر سلطة فتتت مجتمع وغيبت مدينة.

وصوّت النصراويات والنصراويون، "تصويتا احتجاجيا"، ضد شخص لا يريدونه، وضد نهج لا يريدونه، ولم تكن أسئلة الانتخابات تدور حول "ماذا نريد" و"من هو الأفضل للناصرة"، وبقيت هذه الأسئلة بحاجة لمن يحملها، ولمن يتحمل مسؤوليتها. 

لكن الناصرة لا تحتاج لحركة احتجاج فقط، بل تحتاج، أساسًا، لحركة تغيير حقيقي، تغيير في المفاهيم وليس في السلطة فقط، في العقول والنفوس وليس في الوظائف والمشاريع فقط. في البنية الذهنية والوجدانية التي مزقت مدنية المدينة، وحولتها لكتل من الفئويات والحسابات الطائفية.

والمدينة لا تحتاج لعفوية، بل تحتاج لرؤية ولإستراتيجية، ولتخطيط ولمشاريع مدروسة، ولمن يرجح العلمية والكفاءات في طريقة إدارة البلد وقيادتها، ويربطها بمكانتها السياسية والمدنية. أهالي الناصرة بحاجة لمن يحقق طموحاتهم، ولمن يبني لهم طموحاتهم، ولمن يرد لهم أحلامهم عندما تتآكل ضمن واقع غير ودود.     

"القائمة الأهلية" كانت الوحيدة التي خرجت من مناخ احتجاجي سائد، وطالبت بالمزيد، وأعادت ترميم طموحات تستحقها مدينة بحجم الناصرة، وطرحت أسئلة تضع تصورا للمطلوب، ولا تكتفي بالاحتجاج من الوضع القائم. "أي مدينة نريد"، "أي ناصرة نريد"، "أي مجتمع نريد"، و "أي قيادة نريد"، هي أسئلة حملناها خلال الانتخابات وأجبنا عليها، ولم ينته دورها بعد، بل علينا أن نستمر في نحملها إلى ما بعد الانتخابات.

قرأت "القائمة الأهلية" احتياج المدينة، وبنت أفقا وإطارا واضحين لخطاب جديد، له من الشجاعة ومن المسؤولية ما يجعله يكشف عما حاولت اطراف لها مصلحة تغطيته: التصويت الهوياتي. حيث لم تفشل السلطة السابقة في خطاب التحديث العمراني فقط، بل فشلت في مشروع الحداثة الأساسي، خلق هوية قومية عصرية في أكبر "مدينة" عربية بقيت لنا في وطننا. وكان لهذا الخطاب الذي جير الطوائف لأهداف سياسية، تأثير كبير على نمط التصويت الاحتجاجي، وكان واضحا من أطفال المدارس صفوف الرابع والخامس والسادس الذين بكوا "طابين" على مقاعدهم الدراسية ( فقط هذا المنظر كفيل بأن يرسم لنا حجم مأساتنا، ومقدار ما نهدم من أجيال. نحن لا نربي أجيالا، نحن نهدمها وهي في طريقها إلى البلوغ) أن القضية تتعدى عدم فوز رئيس بلدية، وتتعدى خسارة سلطة، بل هي خسارة بلد. هنالك من يشعر، أنه خسر البلد بخسارته للسلطة، هنالك من يشعر أن انتماءه هو لسلطة وليس لبلد وليس لشعب، هنالك من يشعر أن علاقته بالبلد وبشعبه تمر عبر علاقته بالسلطة. والأهم والأخطر، أن هنالك من أسس لذلك، هنالك من استفاد من ذلك. 

وحده الخطاب الذي يكشف حجم مأساتنا، دون أن يستنكف ودون أن يعتكف، ودون أن يضعف من الإشارة للمسؤول عن هذه الجرائم  -نعم جرائم، وجرائم إفساد الشعوب والمجتمعات  أخطر بكثير من الفساد الإداري- هو الخطاب الذي يستحق أن يبني لأي تغيير منشود. 

لقد كنا الوحيدين الذين حملنا مسؤولية فضح فساد السلطة السابقة، وفضح صناعة الطائفية واستغلالها سياسيا، ودورنا الحقيقي الآن هو أن نستمر فيما بدأناه وجعل خطاب التغيير هو الخطاب المهيمن حتى بعد انتهاء الانتخابات. لقد طرحنا برنامجا واقعيا شاملا ومتميزا، ودورنا هو أن يكون هذا البرنامج بوصلة لنا في المجلس البلدي، بغض النظر عن موقعنا فيه.

قوى التغيير الحقيقية، تقف الآن أمام مسؤوليتها، أينما كانت، في السلطة أم في المعارضة، ومسؤوليتها هي أولا في أن تكون أمينة لخطابها. عليها ألا تستنكف عن السلطة، وألا تتعالى عليها، " خوفا من أن نتوسخ"، وهو ادعاء يحمل انعدام ثقة، أكثر بكثير مما يحمل من المسؤولية. وعليها ألا تخاف أيضا من المعارضة. في الحالتين، وضمن أجواء العفوية والبركة ، حيث المدروس والمخطط هو فقط المصالح الخفية، تقف "القائمة الأهلية" كوكيلة الترشيد الرائدة، سواء كان ترشيد السلطة أو ترشيد المعارضة.  

و"القائمة الأهلية" تقف أمام امتحان آخر، ليس أقل أهمية، وهو أن تعرف كيف تتواصل مع أولئك المهمشين الذين يحملون خطابا يتراوح بين الإحباط والخلاص، أن تعرف كيف تتواصل مع تيارات بشرية غير محصنة من آفات المناخ السائد الذي خلفها النظام القديم. 

هذا هو دورنا، كقائمة أهلية، وكغيورين على مصلحة شعبنا والناصرة، وغيرتنا ليست موسمية، وليست مؤقتة، بل هي حقيقية وأصيلة كأصالة شعبنا، وشامخة كطموحه. 

التعليقات