07/11/2013 - 17:29

المفاوضات كوهم والهدوء كعدو../ د. جمال زحالقة

لا تختلف جولة المفاوضات الحالية عن سابقاتها سوى أن الحكومة الإسرائيلية أكثر تطرفاً والشروط الإسرائيلية أكثر تشدداً، والولايات المتحدة أقل حماساً للتدخل، والعالم العربي مشغول بقضاياه، والجانب الفلسطيني يعاني من أزمات الانقسام وتدهور حال السلطة وانسداد الآفاق

المفاوضات كوهم والهدوء كعدو../ د. جمال زحالقة

لا أحد يصدق أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الحالية يمكن أن تخرج بأية نتيجة عملية، لسبب بسيط وهو أن حكومة نتنياهو أكثر تطرفاً من أي حكومة سابقة، وأي تقدم فعلي من أي نوع في المفاوضات سيؤدي إلى انهيارها. لا تختلف جولة المفاوضات الحالية عن سابقاتها سوى أن الحكومة الإسرائيلية أكثر تطرفاً والشروط الإسرائيلية أكثر تشدداً، والولايات المتحدة أقل حماساً للتدخل، والعالم العربي مشغول بقضاياه، والجانب الفلسطيني يعاني من أزمات الانقسام وتدهور حال السلطة وانسداد الآفاق.

غياب النتيجة العملية لا يعني بالمرة أن المفاوضات غير مهمة ولا أثر لها، فهي تستغل كغطاء من قبل إسرائيل للمضي في سياسة الاستيطان والتهويد والحصار وبناء الجدار العازل وتكريس الاحتلال. وهي تستغل أيضاً كأداة لمنع الجانب الفلسطيني من الاستمرار في التوجه إلى الهيئات الدولية للفوز بعضويتها، وتفعيل دورها ضد سياسات الاحتلال والقمع، وهي أيضاً أداة هامة في حجز إمكانيات مقاومة الاحتلال ونشوب انتفاضة جديدة، وهي درع يقي إسرائيل من المحاسبة والضغط الدوليين.

لا يفاوض الطرف الفلسطيني أملًا في إحراز تقدم بل رغبة في صناعة وهم. لا أحد في القيادة الفلسطينية يعتقد بإمكانية "أن تجني من الشوك العنب"، واحتمال التوصل إلى نتائج معقولة من خلال التفاوض مع نتنياهو وحكومته. لقد اصبح السبب الرئيسي للتفاوض هو المحافظة على الدعم المالي لجهاز السلطة ليس أكثر. وتخشى القيادة الفلسطينية المتنفذة من اندلاع انتفاضة جديدة، لذا هي بحاجة إلى أوهام انتظار جديدة حتى يبقى الشارع الفلسطيني في حالة انتظار ولو كان انتظارًا لوهم.

أرادت الأطراف الثلاثة إسرائيل والولايات المتحدة والجانب الفلسطيني، أن تكون المفاوضات هي "اللعبة الوحيدة في المدينة"، لمنع تطورات غير مرغوب بها لكل طرف. الآن وبعد ثلاثة أشهر من المفاوضات، وهي ثلث المدة المخصصة لها، وبعد 18 جلسة وحوالي 60 ساعة تفاوض، النتيجة صفر في اللعبة العبثية العقيمة المسماة مفاوضات.

هذه النتيجة متوقعة، لذا دخل إلى الفضاء السياسي وهم جديد وهو أن الولايات المتحدة سوف تتدخل عند تعثر المفاوضات، وتطرح من جانبها موقفًا وحلًا.  تتباين الدلائل حول هذه الإمكانية ففي حين تؤكدها بعض القيادات الفلسطينية، نجد أن تصريحات كيري تقتصر على تشجيع الطرفين على التفاوض مع تأكيد بأن الولايات المتحدة لن تتدخل، كما قال مؤخراً في مؤتمر صحفي في الرياض. ولكن حتى لو عرضت الولايات المتحدة موقفها فهو سيكون منحازًا لإسرائيل ولن تقبل به إسرائيل لتطرف حكومتها. الولايات المتحدة تبنت جملة من المواقف الإسرائيلية المعهودة مثل ضم الكتل الاستيطانية، وتبادل أراض بنسبة 8%، والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وترتييات أمنية تضمن بقاء الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح مما يعني تواجدا إسرائيليا على الحدود مع الأردن. فعلام إذاً انتظار مبادرة أمريكية ونشر أوهام حولها وحول مضمونها؟

لعل أكثر ما يشغل بال الساسة المرتبطين بالمفاوضات هو ما الذي سيحدث حين تنتهي بلا نتائج، أو حين تنهار في الطريق. فهناك قلق جدي عندهم من أن يؤدي ذلك إلى نشوب انتفاضة ثالثة أو فوضى أمنية وانهيار للسلطة الفلسطينية وللترتيبات الأمنية التي تحفظ الهدوء الحالي. وهنا لا بد من التأكيد على أن العدو الثاني للفلسطينيين بعد الصهيونية هو الهدوء في ظل الاحتلال، فكل يوم احتلال هادئ هو خسارة لفلسطين وربح لإسرائيل، والمطلوب فلسطينيًا هو البحث عن وسائل لمنع تحول الاحتلال إلى احتلال خمس نجوم مريح لإسرائيل. ولأن الهدف الحقيقي للمفاوضات هو المحافظة على الهدوء في ظل الاحتلال فهي مضرة ومدمرة لقضية شعب فلسطين ولحقوقه التاريخية.

لقد نجحت إسرائيل في فرض شروطها على عملية المفاوضات وإجراءاتها، فهي تجر برعاية أمريكية ودون تدخل أمريكي كما تريد إسرائيل بالضبط، وهي تجري بلا مرجعية حتى أن الحديث عن حدود الرابع من حزيران كأساس لرسم الحدود تبخر حين طرحت إسرائيل خط الجدار العازل كحدود الدولة الفلسطينية. إسرائيل رفضت حتى الإفصاح عن موقفها من الحل وفرضت النقاش حول الترتيبات الأمنية، التي تطال كل شيء تقريباً قبل الغوص في تفاصيل التسوية السياسية. وفي حين طرح الفلسطينيون موقفهم كاملاً لم تعرض إسرائيل شيئًا سوى مطالبها الأمنية. هي مفاوضات عبثية وعقيمة، تصب في مصلحة إسرائيل، واعتماد السرية فيها أيضًا يفيد إسرائيل لأنه يجنبها فضيحة مظهر التطرف عالمياً.
 
المطلوب فوراً هو بناء إستراتيجية بديلة تعتمد على تفعيل النضال ضد الاحتلال، وعلى ترتيب البيت الفلسطيني وإنهاء الانقسام، والعودة إلى مظلة الأمم المتحدة، والتخلص من التفرد الأمريكي في رعاية المفاوضات، وكذلك الشروع في حشد حراك دولي للضغط على إسرائيل ومعاقبتها ومقاطعتها، وهذا وحده يمكن أن يجبر إسرائيل على تغيير سياساتها، أما المفاوضات فلا نتيجة فعلية لها سوى تسهيل الأمور على إسرائيل في سياسات التهويد والاستيطان والحصار والتنكر للحقوق الفلسطينية.

التعليقات