07/11/2013 - 12:11

النفق المسدود وعودة الثنائي نتانياهو ليبرمان../ د. باسل غطاس

من الواضح أن نتانياهو يوجه دفة الحكم ليس لاتخاذ قرارات تاريخية صعبة ولا لِـ"تنازلات" إسرائيلية (كما يسميها الخطاب السياسي الإسرائيلي)، وانما لعملية معقدة من إدارة الصراع

النفق المسدود وعودة الثنائي نتانياهو ليبرمان../ د. باسل غطاس

مع بداية الدورة الشتوية للكنيست الـ19 تتعزز قبضة نتانياهو وائتلافه الحاكم وقدرتهم على الاستمرار في الحكم في المستقبل القريب، إذ من غير المتوقع حدوث هزات قادرة على زعزعة حكمه. حتى في موضوع قضية ليبرمان الذي لو أدين في المحكمة بتهمة الخداع وخيانة الأمانة لكانت ستكون علامات سؤال كبيرة حول استمرار شراكة حزبه "يسرائيل بيتينو" مع الليكود جاءت الرياح بما تشتهي أشرعة نتانياهو فتمت تبرئته ليستعيد موقعه كوزير للخارجية قريبا جدا، وهذا يعني مزيدا من الاستقرار الداخلي في الحكومة، وتوطيدا لموقع نتانياهو وليس العكس كما يظن البعض، فالحقيقة هي أن نتانياهو وليبرمان شريكان متكاملان في تفاصيل التفاصيل وأيضا في تقسيم الأدوار.

إلى أين تقود هذه الحكومة البلاد والمنطقة؟ هل كان دخول نتانياهو المفاوضات بنية صادقة للوصول لاتفاق شامل وللخوض في القضايا الكبرى: الحدود المستوطنات القدس واللاجئين؟ هل كان تصريحه في موضوع حل الدولتين في "بار إيلان" تغييرا أيدولوجيا ثوريا من قبله وهل يعكس هذا التصريح تغييرا مشابها في سياسة وفكر حزب الليكود الحاكم؟

من الواضح أن نتانياهو يوجه دفة الحكم ليس لاتخاذ قرارات تاريخية صعبة ولا لِـ"تنازلات" إسرائيلية (كما يسميها الخطاب السياسي الإسرائيلي)، وانما لعملية معقدة من إدارة الصراع تشتمل على مناورات متعددة الجوانب مثل الدخول في المفاوضات بشروط سهلة جدا، وكذلك باللعب بالورقة الإيرانية سواء كتهديد جدي للأمن في المنطقة أو كستار دخان أمام الضغط الدولي في الموضوع الفلسطيني.

ونقول تهديدا جديا لأننا نعتقد بجدية نوايا نتانياهو بتوجيه ضربة لإيران في التوقيت والمناخ الدولي الملائم مهما كان الثمن الذي قد تدفعه إسرائيل، وذلك قبل امتلاك إيران للسلاح النووي، ولا ينبع ذلك من حسابات نتانياهو الإستراتيجية والجيو-سياسية الباردة فقط، وانما أيضا لمعتقدات دينية غيبية بأنه حامي الهيكل الثالث أي إسرائيل الجديدة بوجه الخراب (وهذه أسطورة صهيونية مستحدثة من أسطورة خراب الهيكل الثاني التوراتية). وهو يعتقد في الصميم أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيكون بمثابة تهديد حقيقي لوجود إسرائيل، وأن التاريخ قد حمله مسؤولية حماية وجودها. وقد كشف هذه النزعة الاستحواذية لدى نتانياهو أهم رجلي مخابرات سابقين في إسرائيل مئير دغان رئيس الموساد، ويوفال ديسكين رئيس الشاباك. من الواضح أن عربدات وشطحات نتانياهو الحربية قد تلقت ضربة مع انتخاب القيادة الإيرانية الجديدة واعتمادها نهجا جديدا في التعامل مع الغرب.

نتانياهو يقرأ الوضع العام خاصة بعد التطورات الأخيرة في مصر وسوريا تحديدا وخروجهما عمليا من الحلبة الدولية الشرق أوسطية كلاعبين مؤثرين ولو إلى حين بأن الميزان الإستراتيجي يميل لصالح إسرائيل بشكل لم يسبق له مثيل وعلى كافة الأصعدة وخاصة الاقتصادية والسياسية، والاستنتاج المركزي لنتانياهو واليمين أنه حتى بدون جهد كبير يستطيع إدارة الصراع بدون أي تقدم باتجاه حل سلمي للقضية الفلسطينية وكسب الوقت حتى نهاية عام 2015 حيث يبدأ الانشغال الأمريكي المكثف في الانتخابات الداخلية. مما يعني التخلص حتى من الضغط الأمريكي الخفيف النابع بدوره من رؤية أمريكا لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة.

طبعا إدارة الصراع في ظل الفكر الاستيطاني المسيطر على الليكود والمدعوم بالشريك الإئتلافي "البيت اليهودي" لا تعني بحال من الأحوال المحافظة على الوضع القائم، وإنما استغلال علاقات القوة القائمة وميزان القوى الراجح لمصلحة إسرائيل، وذلك من أجل تكثيف الاستيطان وتقويته والسيطرة على أكبر قدر من الأرض، وفرض الأمر الواقع وتحويل أدوات أوسلو بموافقة فلسطينية وعربية ودولية إلى روافع مريحة لإسرائيل في عملية الاستمرار في إدارة الصراع وتحقيق النتائج المثلى لصالحها. كشف نائب الوزير أوفير أكونيس وهو يعتبر في داخل الليكود من المتطرفين في الكنيست دون أن يحاول إخفاء أو ستر الحقائق بأنه إضافة إلى الـ 1500 وحدة سكنية جديدة التي أعلن عن البدء ببنائها قبيل إطلاق سراح الدفعة الثانية من الأسرى الفلسطينيين بدء التخطيط لبناء 2000 وحدة سكنية في المستوطنات المختلفة وعدد بالأرقام والأسماء كل مستوطنة، وعدد الوحدات التي ستبنى فيها. ونعفي القارئ من ذكرها تفصيليا حتى نتجنب ذكر أسماء المستوطنات بأسمائها التوراتية والكولونيالية البغيضة.

من تصريحات أكونيس يمكن فهم أمرين هامين: الأول عدم اكتراث الحكومة الإسرائيلية لأي نقد دولي سيأتي بعد كشف هذه المعلومات حيث أن المفاوضات توفر لإسرائيل أفضل غطاء في وجه النقد الدولي الذي سيتمحور أساسا في أن الاستيطان يشكل حجر عثرة للمفاوضات والعملية السلمية، وليس لأنه غير شرعي وغير قانوني وأنه يشكل جريمة حرب. الثاني أن نتانياهو وحكومته يخططان للبناء في المستوطنات المنفردة والبعيدة عما تسميه إسرائيل "مجمعات المستوطنات" التي تطالب بإبقائها تحت السيادة الاسرائيلية عبر تبادل أراض.

هذا الأمر يعني عمليا تأكيدا واضحا كالشمس أن تصريحات نتانياهو حول حل الدولتين المعتمد على أي تقسيم جغرافي تحت سقف أوسلو وحتى بأقل من الحد الأدنى الذي يرضي السلطة الفلسطينية (ولا أقول الشعب الفلسطيني) هي تصريحات مخادعة وتسحب البساط من تحت المفاوضات الجارية تحت مرجعية أوسلو. حكومة نتانياهو كما كل الحكومات السابقة بما فيها حكومات حزب "العمل" التي شاركت فيها حركة "ميرتس" بعد توقيع اتفاقية أوسلو خلقت يأيديها وباستثمار بلغ عشرات مليارات الشواقل واقعا استيطانيا استعماريا في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 أدى إلى انتشار المستوطنات كالورم الخبيث، وإلى مضاعفة عدد المستوطنين ثلاث مرات من عام 1994 وحتى نهاية 2012. هذا الواقع سيمنع أي حل يعتمد على التقسيم الجغرافي، وسيقود بالضرورة إلى حل الدولة الواحدة، وفي هذه الأثناء يخلق واقعا من السيطرة لشعب على شعب آخر ونظام فصل عنصري.

إذا ما المنتظر من هذه الحكومة؟ وكيف ستتطور الأمور في ظل هذا التوازن المفرط لصالح إسرائيل في السنوات القادمة؟ من الواضح أن جولة المفاوضات الحالية ستنتهي في نيسان القادم بدون نتيجة تذكر، وسيبقى الوضع القائم على ما كان عليه قبل جولة المفاوضات، وستكون الأمور مرشحة دائما للاشتعال إزاء استمرار تغول الاستيطان والاعتقالات والملاحقات الأمنية في الضفة من جهة، وإزاء احتمالات التصعيد في العلاقة مع عرب الداخل خاصة بما يتعلق بمصادرة أراضي العرب في النقب والاستمرار في هدم البيوت. الواضح أن وصول المفاوضات السلمية إلى نفق مسدود هذه المرة سيعني دفن شبه نهائي لعملية السلام واقتراب أجل أوسلو وكل ما تمخض عنه، لا أعتقد أنه سيبقى هناك فلسطيني أو عربي أو دولي من يدعو للعودة إلى طاولة المفاوضات. مرحلة ما بعد جولة المفاوضات ستتطلب إستراتيجيات جديدة، وبالتأكيد مشروعا جديدا للتحرر الوطني يقوم على إنهاء الانقسام الفلسطيني أولا، وتوحيد آليات المقاومة والعمل السياسي، واستثمار التأييد الدولي والعمل في الأمم المتحدة.

التعليقات