11/11/2013 - 15:43

شفاعمرو جديدة../ ربيع هنداوي

يفقد كل حديث عن التغيير جدواه إذا لم يقنع الناس، وإذا لم يشعروا أن هناك مخططا واضحا يؤدي إليه. ويستطيع أي سياسي أن يدعو ليل نهار لتطبيق فكرة معينة، لكنها تبقى فكرة ما دامت لم ترسم طريقا واقعيا. وكل فكرة، تستطيع أن تكون فكرة قابلة للتنفيذ الفوري، أو مشروع أمل يشمل خطة عمل واضحة، أو حلما فارغا لا يقدم ولا يؤخر

شفاعمرو جديدة../ ربيع هنداوي

يفقد كل حديث عن التغيير جدواه إذا لم يقنع الناس، وإذا لم يشعروا أن هناك مخططا واضحا يؤدي إليه. ويستطيع أي سياسي أن يدعو ليل نهار لتطبيق فكرة معينة، لكنها تبقى فكرة ما دامت لم ترسم طريقا واقعيا. وكل فكرة، تستطيع أن تكون فكرة قابلة للتنفيذ الفوري، أو مشروع أمل يشمل خطة عمل واضحة، أو حلما فارغا لا يقدم ولا يؤخر.

وفي أروقة البلدية، والسياسات المحلية عموما لا يتعاطى الإنسان –السياسي مع كافة القضايا بنفس أسلوب التفكير، ولا بنفس أسلوب العمل. فعلى العامل في السياسة المحلية مثلا أن يفكر فورا بالقضاء على الفساد، ويخطط لأن تنتهي الطائفية، ويحلم أن تمنحنا السلطة المركزية- الدولة كافة الحقوق والامتيازات التي تحصل عليها كل مدينة يهودية متطورة. وأول التفكير هو نوايا، وأول التفكير هو إرادة حقيقة، وأول التفكير هو أن تبدأ بالقول بما حقا تفكر.

للأسف، قرر بعض السياسيين ألا "يحسبوها صح"، فخلطوا الحابل بالنابل، فاختلطت عليهم الأدوات، وباتوا يعلنون النداء تلو الآخر عن حلول لقضايا بطرق خاطئة: فيخططون للمدى البعيد للقضايا التي بحاجة إلى عمل فوري، ويحلمون بما يحتاج أن يُخطط، وهكذا دواليك. فيما قرر جزء آخر أن يتحدث فيما لا يفكر، ينادي بما لا يؤمن، ويطالب الكثير، ولا يطلب من نفسه القليل.

وفي بلدية شفاعمرو يجب أن يقوم كل تحليل أو نداء على اعتبارين: الأول في قراءة المشاكل وتحديدها؛ والثاني هو بأي أسلوب تفكير يكون التعامل معها، هل عبر التفكير بعلاج سريع للمشكلة أو تخطيط سريع لحل المشكلة أو مجرد ترهات وأحلام؟

وقد يطل البعض لمحاولة قراءة مشاكل وأزمات البلدية دون قراءة أزمات البلد. ومن يريد أن يكون شموليا ومؤثرا، يجب عليه أن يرى البلدية من خلال البلد.

والبلد مركبة، تقوم على تقسيمة طائفية تبتدئ في التعليم، وحاراتية تقوم على تبادل سلع داخل الأحياء، وعائلية تفرز اجتماعيات كثيرا ما تحشر في السياسة وتكون سببا في الكراهية والتحريض على الكراهية.

لا يوجد حتى اليوم داخل المدينة سوق مركزي دائم، ولا تخطيط إستراتيجي للتعليم يشكل بوتقة لصهر هوية واحدة لكافة أبناء المدينة، ولا مراكز ثقافية تدحض العائلية كهوية سياسية لمصلحة هوية موحدة لكافة الشفاعمريين. هناك حركة وطنية، تتجدد وتتسع –صحيح، ولكنها بحاجة لسنوات وسنوات لصناعة "شفاعمرو جديدة".

وأمام هذه المشاكل المتراكمة، يجب أن تنطلق كل الحلول من رؤية وطنية تضع مصلحة البلد في المركز. فكل عاقل في المدينة، يجب أن يرفض مثلا النموذج اللبناني لبناء الإدارة داخل البلدية، وعليه أن يفكر في تغييره فورا، أو التخطيط لتغييره، لكنه بكل الأحوال، عليه أن يكون هو أصلا رافضا بهويته وفكره للنظام اللبناني القائم. فكيف لقائمة مثلا تتحدث باسم طائفة واحدة فقط أن تطالب بإنهاء نظام طائفي هي جزء منه؟ فالمنطق في حده الأدنى يطلب منك أن لا تطالب الآخرين بتغيير نفسك!

التغيير أولا مشروع عمل ونهضة يطلب من أي قائمة (أو قيادي) يرافق حديثها مشروع يعالج القضايا التي تنتقدها. هو مشروع مخطط لكيفية العمل داخل لجان البلدية وتطويرها وتفعيلها، عن الرؤية لمدينة نهشها الفساد الإداري لسنوات طويلة وعن مشاريع اقتصادية - اجتماعية تحتاجها المدينة. هو أن تنتقد بالعمل ما تناقش. هو مسؤولية، وأن لا تخطط للمدى البعيد عندما عليك التنفيذ فورا، وأن لا تحلم بما يجب عليك أن تخطط، وأن لا تنفذ ما يحتاج للتخطيط الجدي أولا، والأهم: أن تكون الأفكار، كل الأفكار عن التغيير، مكملة لنوايا حقيقية تطمح للتغيير لا مناقضة له.

التعليقات