14/11/2013 - 23:19

في التحديات الماثلة بعد الانتخابات المحلية../ عوض عبد الفتاح

ما يشكو منه أبناء الحركة الوطنية المنظمون، والمثقفون الطامحون إلى مجتمع مستقل بأفراده، هو تزايد العودة إلى البنى التقليدية لمجتمعنا.. وتزايد تأثير عامل المصلحة الشخصية على نتائج الانتخابات. يُذكر أن هذه الظاهرة تجددت، واتخذت وتيرة متسارعة بعد اتفاق أوسلو عام 1993. يعود ذلك إلى حالة الاغتراب عن الدولة التي يحملون مواطنتها وإلى غياب قيادة عربية وطنية موحدة وذات سلطة معنوية وسياسية قوية

في التحديات الماثلة بعد الانتخابات المحلية../ عوض عبد الفتاح

 تفاوتت، ولا زالت، ردود الفعل على نتائج الانتخابات المحلية للسلطات المحلية العربية داخل الخط الأخضر، وعلى آثار هذه النتائج البعيدة بالنسبة لوجهة مجتمعنا. الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجميع تقريباً هو أهمية وخطورة هذه الانتخابات بالنسبة لحياة المواطن الفلسطيني الي يحمل المواطنة الإسرائيلية.

ليس علمياً ولا سياسياً الاكتفاء بالقول إن المسألة ليست إلا تنافساً بين عائلات أو أشخاص على رئاسة السلطة المحلية لتعزيز مكانهم ونفوذهم، وإن كان صحيحاً القول أن ذلك من حوافز الدخول إلى معترك هذا التنافس، وهذا وجه واحد فقط، وهو الوجه الحالك لهذه المعركة الانتخابية الهامة.

على أثر تجدد الحركة الوطنية في الداخل وقرارها في التعامل مع المواطنة بصورة جدية، وعبر تحديها الجوهر اليهودي- الصهيوني لدولة إسرائيل، وضعت قيادة هذه الحركة شروطاً لمشاركتها في انتخابات الكنيست والسلطات المحلية. بخصوص المؤسسة الصهيونية الأولى، أدخل التيار القومي بُعد التحدي للجوهر اليهودي- الصهيوني للدولة العبرية. وهو ما ساهم في رفع مستوى الوعي السياسي- الفكري لدى النخب، والوعي السياسي لدى المواطن العادي.

وبخصوص المؤسسة الثانية، أي السلطة المحلية العربية، والخاضعة لقوانين الدولة وضوابطها، فقد أدخل في قرار المشاركة في شرط تسييس المعركة الانتخابية، والابتعاد عن العائلية والطائفية ولكن عبر الاعتراف بالواقع الاجتماعي القائم وضرورة التعرف عليه كشرط لتغييره.

الانتخابات التي يمارسها أبناء وبنات القرى العربية لانتخاب مرشحيهم للسلطات المحلية ليست ممارسة ديمقراطية أنتجها المجتمع العربي الفلسطيني بل هي ديمقراطية إسرائيلية. ولكن وعلى خلاف ما كان سائداً في السنين الأولى بعد النكبة، فإن المواطن العربي يستطيع اختيار مرشحه بمعزل عن الإملاءات الإسرائيلية وجو الإرهاب الذي ظل سائداً في حقبة الحكم العسكري.

ما يشكو منه أبناء الحركة الوطنية المنظمون، والمثقفون الطامحون إلى مجتمع مستقل بأفراده، هو تزايد العودة إلى البنى التقليدية لمجتمعنا.. وتزايد تأثير عامل المصلحة الشخصية على نتائج الانتخابات. يُذكر أن هذه الظاهرة تجددت، واتخذت وتيرة متسارعة بعد اتفاق أوسلو عام 1993. يعود ذلك إلى حالة الاغتراب عن الدولة التي يحملون مواطنتها وإلى غياب قيادة عربية وطنية موحدة وذات سلطة معنوية وسياسية قوية.

إن طغيان هذه العوامل تكاد تضفي حالة من الشرعية الشعبية عليها، وكأن من كان ينادي بالتغيير الجذري استسلم تحت تأثير هذا الطوفان، فعاد يقارب مسألة انتخابات السلطات المحلية، من باب البنى التقليدية واستخدامها إلى حدٍّ كبير في الوصول إلى مواقع التأثير، وأصبح يكتفي بالتشديد على الإدارة السليمة وحتى تطوير البلد في كافة مناحي الحياة وهي أمور في غاية الأهمية. ويستند هؤلاء على حقيقة توفر المهارات والقدرات الكثيرة في مجتمعنا التي يمكن توفيرها لرئيس غير مؤهل وصل بفضل دعم حمولته الكبيرة أو تحالفات مع عدد من الحمائل الأصغر.

وهذا أمر لم يكن موجوداً قبل 40 عاماً عندما كانت شخصيات تقليدية، غير متعلمة، أو شخصيات متعلمة بدون خبرة، وبدون وعي سياسي وإدارة سياسية تصل إلى السلطة المحلية، وتتبوأ رئاسة السلطة المحلية. طبعاً ما بعد فترة يوم الأرض، ارتقى الأداء السياسي للسلطات المحلية بفضل النهوض الوطني العام الذي شهدناه بعد انتفاضة يوم الأرض.

في العقد الأخير، شهدت أوضاع السلطات المحلية تراجعاً إضافياً، وكذلك أوضاع مجتمعنا الذي اشتدت فيه مظاهرالفردانية والانتهازية.

المفارقة أن الحسّ الوطني خاصة بعد ظهور التجمع الوطني الديمقراطي بخطابه الجديد، واتساع النخب المثقفة الواعية، لم يترجم بصورة جدية على أداء السلطات المحلية ولا على الأداء القيادي للهيئات التمثيلية للجماهير العربية. أي أنه لم يجر تحويله إلى وعي وطني أو سياسي شامل أو إلى مؤسسات قومية منتخبة.

برأينا إن هذا العجز والقصور يعودان أولاً: إلى استمرار نفوذ القوى السياسية التقليدية داخل السلطات المحلية واللجنة القطرية حتى الانتخابات الأخيرة، وهي قوى حزبية عجزت عن تجديد نفسها فأصبحت عقبة أمام التطور، وهي القوى التي تهاوى نفوذها في السلطات المحلية في الدورة الأخيرة. الأمر الثاني: هو الحملة المعادية التي شنتها الدولة العبرية منذ هبة القدس والأقصى في محاولة لإحباط مفاعيل هذه الهبة بين عرب الداخل. وكانت السلطات المحلية العربية من أهداف هذه الحملة إذ حاصرتها مالياً واقتصادياً مستفيدة في كثير من الأحيان من فساد وعجز وجبن العديد من رؤساء السلطات المحلية الذين افتقدوا الروح الكفاحية وكذلك المقدرة والكفاءة والرؤية البعيدة. أما الرؤساء الآخرون الذين أبدوا تجاوباً مع رياح النهوض الوطني في البدايات فقد مرّوا بحالة من التآكل في إرادتهم السياسية تحت ضغط التراجع العام وثقل الهجمة العنصرية المكثفة.

كل ذلك يندرج ضمن مخطط احتجاز تطور الجماهير العربية وطنياً وسياسياً وإبقائهم تحت السيطرة، ضعفاء، بدون أي نوع من الاعتماد على الذات، مادياً وتعليمياً، لأن توجهاً كهذا يُقرّب المواطن العربي من تحقيق حقوقه القومية- المساواة في الحقوق الجماعية التي تشمل الأرض والثقافة وفي مجال العالقة مع قضية شعبه الوطنية.

ما العمل

يُخطئ من يظن أن نتائج الانتخابات المحلية وآثارها أصبحت من ورائنا. ولا يجوز أن يبقى الانشغال في هذه النتائج وآثارها من اختصاص حفنة من الباحثين والأكاديميين الذين تناولوا بالأساس السلوك الاجتماعي للمواطن الفرد في اختيار مرشحيه في البلدات العربية، ويربطون بين هذا السلوك وبين طبيعة القيادات التي أفرزتها هذه الانتخابات. وقد اختصر بعض هؤلاء مجمل العملية في مقولة أن العائلات تفوقت على الأحزاب. طبعاً على المستوى الظاهر هذا جزئياً صحيح، ولكن الأمر أكثر عمقاً وأكثر تعقيداً من ذلك. وللسياسي والناشط في الحقل له أولوياته وله رؤيته في إحداث التغيير من خلال معاينته القريبة والميدانية لواقعنا الاجتماعي. وعلينا هنا أن نفرق بين انتهازي أو انتهازيين يسعون إلى الوصول إلى السلطة المحلية بأي ثمن وبين وطنيين أو شخصيات اجتماعية مقبولة وأكاديمية مدعومة بقوى وطنية وأهلية لها رؤية نهضوية شاملة تسعى إلى أخذ دورها في عملية قيادة التغيير.

إن المنتقدين لاستمرار التركيبة الاجتماعية التقليدية وما تفرزه منها على المستوى قيادة السلطات المحلية متأثرون من النظرة الأوروبية والغربية إلى طبيعة المجتمع المطلوب بحيث يكون فيه الفرد مستقلاً في خياراته ويكون معيار اختياره لقيادته المقدرة والكفاءة والاستقامة وليس أي معيار آخر. مع أن هذا الأمر ليس دقيقاً فيمكن أيضاً للفرد المستقل أن يقع اختياره على قيادة كارثية وذلك لاعتبارات حزبية وتحت تأثير أجهزة الدعاية ورأس المال.

كل متنور وديمقراطي يسعى إلى مجتمع عربي حرّ قوي، اقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً، تحترم فيه حقوق الفرد وتلبى حاجاته الأساسية.

لم يمر المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل بعملية تحديث طبيعية ( تصنيع وغيره). فقد أخضعته الدولة العبرية بسياساتها العنصرية والإقصائية والاحتوائية إلى حالة من التشوه والإعاقة منذ اليوم الأول بعد النكبة. ووضعت خطوط التطور لهذا المجتمع بإقدامها على تدمير البنية الاجتماعية- الاقتصادية والقضاء على مقومات النهوض الذاتي (سلب الأرض والقضاء على الزراعة وتحويل المواطن الفلسطيني إلى عامل على هامش الاقتصاد الإسرائيلي). ومع ذلك نقول إن مجتمعنا الفلسطيني، بفضل القوى الذاتية للأفراد، وبسبب نشاط ودور القوى الوطنية، بلور ذاته كمجموعة قومية لا تسعى إلى الثبات في وطنها فحسب بل إلى تحدي كل المخططات التي تستهدفه.

المراجعة حاجة ملحة

هناك مكان بل ضرورة لمراجعة حالة هذا المجتمع وما يمرّ به من تحولات خطيرة، والآن لدينا فرصة للقيام بذلك خاصة بعد الدورة الأخيرة للسلطات المحلية.

أولاً: البدء بإعادة تنظيم اللجنة القطرية للسلطات المحلية وانتخاب رئيس جديد لها، وتشكيل طاقم مهني يواكب هذه اللجنة يكون بمثابة إطار توجيهي وتخطيطي يمتلك رؤية وطنية شاملة كبديل عن ظاهرة المحلوية ( أي كل رئيس يسعى إلى حل مشاكل سلطته مع وزارة الداخلية بمفرده). علينا أن نتصرف كمجتمع موحد، في مواجهة الاضطهاد القومي الواقع علينا لأن في ذلك قوة وتأثير سواء في العلاقة داخل مركز السلطات المحلية العام في إسرائيل أو في العلاقة مع مجتمعنا العربي.

ثانياً: تنظيم لجنة المتابعة؛ تطوير وتفعيل الهيكلية التي تم التوصل إليها في السنوات السابقة والتي لا زالت تراوح مكانها، والهدف هو تحويل هذه الهيئة العربية العليا إلى قُوة سياسية مؤثرة موحدة، وإلى عنوان قومي ووطني لعموم عرب الداخل، وعنوان في العلاقات مع شعبنا الفلسطيني، والهيئات الصديقة.

ثالثاً: توطيد العلاقة بين اللجنة القطرية ولجنة المتابعة، بحيث تترسخ الصيغة المتمثلة في كون لجنة المتابعة الهيئة التمثيلية القيادية العليا للجماهير الفلسطيني داخل إسرائيل. وحتى تستطيع رفع وتيرة النضال الشعبي والسياسي ضد مخططات الاقتلاع والترانسفير والنهب والتي لا تزال تشكل التحدي الأكبر أمام جماهيرنا.

رابعاً: تعزيز التنسيق بين الأحزاب بشكل خاص، وجميع قوى المجتمع المدني بخصوص عملية إعادة تنظيم هيئاتنا التمثيلية القومية. وتعود أهمية هذا التنسيق إلى الدور الذي يمكن أن، أو يجب أن، يلعبه في تخفيف حالة التوتر والتقاطب التي تتعمق بعد كل انتخابات داخل مجتمع القرية أو المدينة. يجب إعادة الاعتبار للثقافة السياسية والاجتماعية المنفتحة والمتسامحة.. وفرملة مسار الانحدار في هذه الثقافة والتي يروح ضحيتها وعي الأجيال الشابة.

التعليقات