22/11/2013 - 10:19

الحراك الشبابي استئناف على الركود../ عوض عبد الفتاح

إلى حين حصول ذلك، (ولا يجب الانتظار بلا فعل بالطبع) لندع الشباب، أبناءنا وبناتنا، يتحركون مستندين إلى وعيهم وحماسهم المتوقد

الحراك الشبابي استئناف على الركود../ عوض عبد الفتاح

بدأت الحياة تدب مجددًا في شرايين الحراك ضد مخطط برافر الاقتلاعي وكل ما يمثله من ظلم غاشم، بعد موات استمر لثلاثة أشهر تقريبًا. طيلة هذه الفترة انشغل المجتمع العربي أو معظمه في الانتخابات المحلية. هي فترة ليست بقصيرة قياسًا بالوتيرة التي تعمل وفقها ماكينة النظام الإسرائيلي العدواني.

وهذه الانتخابات المحلية ذات أهمية وخطورة كبيرة بالنسبة للفلسطيني داخل الخط الأخضر. فالخدمات والمصالح اليومية تحضر بقوة نظرًا للحرمان الناتج عن كثافة بنية القوانين العنصرية القديمة والجديدة والمتجددة المعتمدة ضد أبناء وبنات هذا الجزء من شعبنا، وهي بنية الحكم الإسرائيلي المركزي (النظام الصهيوني). ولكن في خضم الانهماك والتنافس على رئاسة السلطة المحلية، وهو تنافس عادت الحمولة أو فصائلها الداخلية لتلعب دورًا فاعلاً فيها وفي تقرير النتائج، في خضمه تتوارى القضايا الوطنية الكبيرة كالأرض والهوية، وكل المشاريع الصهيونية الهادفة إلى تجريد الإنسان الفلسطيني مما تبقى من أرض وإلى احتواء الإنجازات الهامة التي حققها على صعيد الانتماء الوطني والارتباط بالقضية الفلسطينية الوطنية.

الآن، يعود المواطن الفلسطيني، وبعد هذه الفترة، ليقف مرة أخرى وجهًا لوجه أمام الواقع السياسي بكل مخاطره وتحدياته. فالبلدوزرات الإسرائيلية المدعومة بمؤسسات الدولة العبرية لم تتوقف عن تنفيذ مهمتها القذرة والإجرامية ولن تتوقف أو حتى تتباطأ دون أن يكون هناك ردٌّ شعبي عارم تستعدّ له إرادة جماعية قومية ومتماسكة ومشحونة بالشجاعة والحكمة.

لقد رأينا في غياب الشجاعة وروح الابتكار عند بعض القوى السياسية، كيف تقتحم الساحة أفواج من الشباب يتحلون بالوعي السياسي وبالروح الوطنية العالية، وبالقدرة على تطوير آليات النهوض بالنضال الشعبي. بالإمكان توجيه النقد للشباب وهذا شرعي، فالشباب سيحتاجون دائمًا إلى تجربة الكبار، ولكن لا يجوز دائمًا فرض الوصاية عليهم والتعامل معهم على أنهم جميعهم مراهقون. يذكرنا ذلك كيف تعاملت السلطة الفلسطينية وأذرعها الأمنية مع الموجة الأولى من الحراك الشبابي في رام الله في الأشهر الأولى من الانتفاضات العربية، بالقمع والاحتواء حتى تم إجهاضه.

لا يصح أن يصعد عدد من المتحدثين إلى منصة الخطابة، أو أثناء اجتماع للجنة المتابعة، ويلقي خطابات نارية تنطلق منها عبارات مثل الاستعداد للموت دفاعًا عن الأرض، ولكن على أرض الواقع يكونون أول من يتصدى لمن يسعى إلى جعل النضال الشعبي ذا فاعلية وذا تأثير حقيقي على الرأي العام. عندها يصبح في نظر هؤلاء، مجرّد تعريض الشباب للاعتقال مغامرة كبرى.

ليس هناك في الدنيا من يُحب أن يتعرض للأذى مهما كان حجمه، وعلينا أن نسعى دائمًا إلى تقليل الأضرار التي تلحق عادة بالمناضلين وبالشعب، ولكن لا يجوز أن يتحول ذلك أي هذا الخوف إلى كابح أمام شوق الناس إلى الحرية والعيش بكرامة لهم ولأبنائهم في الوطن. هل هناك حاجة للتذكير مرة تلو المرة بأن نضال العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل كان ولا زال نضالاً لا عنفيًا، وأنهم كسبوا بذلك جولات هامة على الدولة العبرية التي تستعمل القوة والعنف إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. وهذا النهج النضالي يتفق عليه الجميع.

بإمكاننا نحن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، التحول إلى قوة سياسية وشعبية مؤثرة، تفرض حضورها السياسي والفعلي على الساحة الداخلية والعالمية.. والمساهمة بالتالي في جلب الضغط الخارجي على إسرائيل وإجبارها على التراجع عن مخططاتها الإجرامية. ويمكن البناء على ما تحقق من إنجازات هامة على هذا الصعيد حتى الآن.

إلى حين حصول ذلك، (ولا يجب الانتظار بلا فعل بالطبع) لندع الشباب، أبناءنا وبناتنا، يتحركون مستندين إلى وعيهم وحماسهم المتوقد.

لا يجوز التعامل مع الشباب كحالة رومانسية، ولا يجوز أن يتعامل الواعون فيهم على هذا النحو، بل كفئة عمرية تشكل نسبة كبيرة من الشعب، وترتبط مصلحتها مباشرة بأهداف النضال المتمثلة في العيش بحرية وكرامة، وبالتالي كفئة يجب أن تجتهد بتطوير وعيها ومعرفتها بأسس النضال المعروفة تاريخيًا، وكيفية ابتكار وسائل وآليات تناسب اللحظة، وتناسب المستجدات العصرية. على هذه الفئة، خاصة الواعية منهم، أن تدرك أنها تكمل وتطور مسيرة بدأها سلفهم من قوى سياسية متنوعة داخل مجتمعهم، وأنّ تطور حراكها وتقدمه مشروط بقدرتها على جذب المزيد من الشباب، الفقراء والمستضعفين والعاطلين عن العمل، والتصرف بمسؤولية وإظهار النضوج القيادي. بالتالي لن يكون ذلك بديلاً عن المشاركة الشعبية الواسعة، التي يمكن للحراك أن يكون المحرك والمحفّز لهذه المشاركة.

لقد أعلن الحراك الشبابي عن الثلاثين من الشهر الحالي (30.11) يوم غضب ثالثا.. ضد مخطط برافر الكولونيالي الاقتلاعي، وضد كل ما يمثل هذا المخطط قديمًا وحديثًا من ظلمٍ وعسفٍ ضد المواطنين العرب في الداخل من الجنوب حتى أقاصي شمال الوطن. إنه استئناف ضروري لما بُدئ به من لجنة المتابعة (التي تحتاج إلى إنقاذ من حالتها الرثة) والشباب الوطني المنطلق الصيف الماضي.

إننا أمام مخاطر متجددة كل يوم، ولكننا أيضًا أمام فرصة جديدة لخوض غمار البناء والكفاح على أسس جديدة، بناء المؤسسات القومية كما يجب، وتحويلها إلى قائدة نضال مستمر ومكثف ومؤثر.

التعليقات