04/12/2013 - 11:23

نظرة على أيام الغضب../ عوض عبد الفتاح

يرسم الشباب بدايات لطريق كفاحي متجدد. وهو مختلف عن المحطات النضالية البطولية التي عرفها شعبنا في داخل منطقة 48 على مدار العقود الماضية..

نظرة على أيام الغضب../ عوض عبد الفتاح

بعد المواجهات في النقب وحيفا وبصورة أقل في عدد من المواقع الأخرى، لم يعد يجوز المغامرة باستبعاد التحليل والتوقع بقرب حصول هزّة أو هزّات شعبية تهز الوضع القائم وتنسف الأوهام حول الهدوء الدائم.

ولكن لا يزال من الصعب استشراف طبيعة وحجم حركة الاحتجاج أو الغضب القادمة الآخذة في التشكل في أتون المواجهة المباشرة مع نظام الأبارتهايد الإسرائيلي. هل نحن مقدمون على انتفاضة شبيهة بانتفاضة الحجارة عام 1987، أم انتفاضة عام 2000 التي اختلف على سبرها ونتائجها الفلسطينيون، وهما مختلفتان من حيث الشكل والأساليب، أم حركة شعبية مختلفة عن الاثنتين؟ وهل تبدأ شرارتها بمبادرة الفلسطينيين حاملي المواطنة الإسرائيلية، الذين ظلوا مجهولين أو متجاهلين من قبل اللاعبين على ساحة الشرق الأوسط، أم من مكان آخر كالقدس ونابلس ومخيمات اللاجئين في الضفة والقطاع؟ وهل ما زال هناك احتمال أن تبدأ هذه الحركة أو هذا الحراك من دول اللجوء، بعد أن قمعت إسرائيل بوحشية حركتهم الشجاعة باتجاه الحدود إلى داخل الوطن المسلوب على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي على مرأى ومسمع من جيوش الأنظمة العربية عام 2011، والتي لم تحرك ساكنا؟

هل أصلا نسمّيها انتفاضة كما تتردد بكثرة في وسائل الإعلام بما فيها الإسرائيلية، أم هبات، أم حركة احتجاجية أم حراك متدرّج؟ ما نقصده هو ما يجري في الآونة الأخيرة من حراك متنام بدأ يأخذ طابعا صداميا ويتمدد وإن بصورة محدودة خارج حدود 1948، كانت قد بدأته القوى السياسية والهيئات التمثيلية العربية ضد مخطط برافر في العامين الماضيين، ثم انتقل إلى أيدي الشباب الذين أطلقوا عليه أيام الغضب، وقرروا الخروج من إسار المظاهرات التقليدية إلى أشكال من التمرد المحدود مثل إغلاق الشوارع وسير المتظاهرين فيها بدون طلب ترخيص لذلك.

لن أحاول الإجابة على هذه الأسئلة، أو طرح اجتهادي. نؤجل ذلك في مقال قادم. غير أني في هذا المقال سأكتفي بعرض ملاحظات سريعة.

الشباب يقتحم المشهد

يرسم الشباب بدايات لطريق كفاحي متجدد. وهو مختلف عن المحطات النضالية البطولية التي عرفها شعبنا في داخل منطقة 48 على مدار العقود الماضية، (مواجهات مباشرة مع قوات القمع) ردًا على إجراءات إسرائيلية معينة داخل الخط الأخضر، أو ردًا على مجزرة أو انتفاضة في الأراضي المحتلة عام 67، فتستمر يومًا أو يومين وتهدأ لتعود إلى المظاهرات والنشاطات التقليدية المرخصة والهادئة.

ولكن الجديد في هذه المرة هو زيادة المؤشرات لإمكانية نهوض فلسطيني شامل مشترك وفي نفس الوقت، بعد أن أغلقت إسرائيل كل أبواب التسويات وأعادت تكريس كل الفلسطينيين بمن فيها عرب ال 48 خطراً أمنياً وديمغرافياً.

ليس سهلاً على البعض، من القوى السياسية التي يتآكل استعدادها النفسي بسبب عقليتها التي تتأقلم وتتكيف مع واقع الهدوء الطويل وإستراتيجية الاستنزاف التي تعتمدها إسرائيل، أن تخرج من هذه الحالة. وتتذرع هذه القوى بعدم استعداد الجماهير أو الناس. وتنسى أن مسؤوليتها هي تهيئة الجماهير. وقد تكون بعض هذه القيادات فعلاً غير قادرة على ذلك إما بسبب المناخ العام أو بسبب افتقار هذه القيادات للروح الكفاحية وللإرادة والمقدرة على التحريك، وهذا يمكن فهمه. ولكن ما لا يمكن فهمه هو إظهارها الانزعاج ممن يسعى إلى تجاوز هذا العجز، والإشارة هنا إلى قوى سياسية حافظت دائمًا على نفس سياسي وأيديولوجي صدامي وبالتالي على تهيؤها النسبي واستعدادها الفعلي للخروج إلى الميدان حين يُتيح الظرف.

وكما هو معروف فقد طالت فترة الركود والمراوحة، وإن تخللتها نشاطات وفعاليات كثيرة ظلّ تأثيرها على الرأي العام العربي المحلي محدودًا وعلى الرأي العام الإسرائيلي معدومًا تقريبًا. وفي هذه الأثناء تواصل التخطيط والتنفيذ لمخططات السلب والتهويد والاقتلاع، وكأن أصحاب الحق غير موجودين في نظر النظام الصهيوني. باختصار لم يرتفع صوت قوي، أو تنتظم بعد حركة شعبية حقيقية تهزّ أركان وكواليس نظام الأبارتهايد الإسرائيلي. وهذا لا يعني أن النشاط الذي نظمته الهيئات التمثيلية في النقب و(لجنة التوجيه) وفي الشمال "لجنة المتابعة"، كان بدون تأثير، بل كان لذلك دورٌ هام في تعميم المعرفة بالمشروع الاقتلاعي، وبل عرّف الأجيال الجديدة في فلسطين كلها بجزء من الوطن بعيد جغرافيًا وغير متواصل مع التجمعات العربية في الشمال، والذي تعرض على مدار العقود الماضية لعملية ملاحقة ومطاردة وسلب وإفقار على مدار الساعة دون أن يحظى بتغطية إعلامية أو بتضامن ومساندة. فقط بعد هذا النشاط، الذي تجدد في السنوات القليلة الماضية وبعد صمود أهالي العراقيب، وفي مقدمتهم الشيخ صياح الطوري الذي قدّم نموذجًا حقيقيًا في التمسك بالأرض، وصلت قضية النقب إلى العديد من المحافل الدولية الشعبية والرسمية. لكن في مرحلة معينة بدأت الأمور تراوح مكانها وتوقفت وتيرة تفاعلات القضية ولوحظ تراجع المزاج الشعبي في النقب، وطغت الخلافات الداخلية وبدأت الأمور تدخل إلى حالة من الشلل.

كنا نحن في التجمع ننادي منذ أكثر من ثلاثة أعوام إلى تصعيد النضال، ورفع وتيرته واعتماد نوع من التمرّد، مثل تنظيم مظاهرات بدون ترخيص وإغلاق شوارع، ومقابلة قوات القمع بالصدور العارية. وهذا لا يخرج عن نهج المقاومة المدنية والشعبية الذي اعتمده الفلسطينيون داخل الخط الأخضر منذ النكبة. والهدف من التصعيد واللجوء إلى أشكال غير تقليدية، هو هزّ الرأي الإسرائيلي والعالمي. لا يُعقل أن تبقى المعاناة من نصيب أهالي النقب الذين يعيشون حالة انتظار وقلق من اللحظة التي يبدأ نظام الأبارتهايد باقتلاعهم، وهم الذين اقتلعوا عدة مرات على مدار العقود الستة من عمر النكبة. ناهيك عن إجبارهم على العيش في ظروف بالغة القسوة لهم ولأطفالهم، وحرمانهم من البنى التحتية، بما فيها شبكات المياه، والبطالة الواسعة.

لحظة تاريخية

والآن حان الوقت لإدراك اللحظة التاريخية الآخذة بالتشكل وفهمها جيدًا، وبعقل راجح وبعواطف قوية أيضًا. لا يمكن تجييش الناس عبر شرح بارد لمخاطر المخطط وكل المخططات التهويدية. هناك حاجة دائمًا لتجييش العواطف وتحريض الناس. نعم لتحريض الناس على العمل والنضال والمشاركة. حين تتحدث أبواق نظام الأبارتهايد عن أن قلة تحرض الأكثرية يجب أن لا نكون في حالة دفاع عن النفس. إن هذا واجب القيادات السياسية، وعليها أن تتقنه. نعم علينا أن نحرّض الناس على النضال، وأن نتقن هذا التحريض، أي أن نبني الأطر التنظيمية والجماهيرية المتماسكة والقوية لهذا الغرض.

هذه هي قواعد ومستلزمات النضال الشعبي وتجنيد الناس في المعارك الشعبية. ودور القيادات هو إدراك الحاجة واللحظة المناسبة لدعوة الناس إلى تجاوز المألوف حتى لو كانت قيادات أخرى قاصرة عن هضم ذلك.. فهي في نهاية المطاف ستتكيف مع حركة الناس وتصبح جزءًا من المجهود الوطني الشامل وهذا هو المطلوب. ويُمكن ملاحظة هذا التطور في الأسابيع الأخيرة، حيث بدأت قيادات تشارك ميدانيًا في الحراك، بعد أن تحفظت ونأت بنفسها عن ذلك لفترة ليست بقصيرة. لكن هناك قيادات أحزاب وحركات لا تزال تعتقد أن مشاريع التطوع والبناء والعمل الخيري، رغم أهميتها وحيويتها، كافية لمجابهة نظام الأبارتهايد وإسقاط المخططات. إن هذا يشكل جهلاً بقواعد النضال السياسي والشعبي في مواجهة أي نظام قهري.. ونخشى أن يكون ترفعًا عن تحمل مشقة النضال.

المرحلة تفرض إستراتيجية نضالية حقيقية

الآن تتجمع الخيوط وتتوافر الفرص لبدء حوار حقيقي، وتداول بشأن إستراتيجية نضالية وخطط عملية تكون مسقوفة برؤية سياسية مشتركة ولو في المرحلة الراهنة.

والقضايا المطروحة؛ هي: تحت أية مظلة نُجدد مسيرتنا الكفاحية؟ لجنة المتابعة، أم لجنة تنسيق بين الأحزاب أم هيئات أخرى، أم من خلال التنسيق بين جميعها؟ ما هو شكل وأساليب النضال؟ وما هي مطالبنا بالتحديد؟ كيف نتوجه للمجتمع الإسرائيلي؟ وبأي لغة وبأي خطاب؟ وهل قمنا بكل ما يلزم تجاه المجتمع الدولي أم أنه ما زال الكثير ما يجب عمله؟

والسؤال الأهم والذي لم يعد بالإمكان تجاهله وهو يحتاج إلى مقال منفصل؛ كيف نحدد ونعرف علاقتنا بالشعب الفلسطيني وبالقضية الفلسطينية عمومًا، وبالتالي ما هي أشكال العلاقة النضالية الفعلية التي يجب أن نعتمدها نحن فلسطينيي الـ48؟

هل يجوز تجاهل النمو المتزايد لعلاقة التشابك العملي بين طرفي الخط الأخضر، ومع نشطاء الجاليات الفلسطينية في أوروبا وأمريكا؟ وكذلك التعاون والتنسيق؟ وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه عرب الـ48 في النضال من أجل تقرير مصير الشعب الفلسطيني من موقعهم؟

ربما لا يُمعن البعض في ظاهرة تجاوب مجموعات فلسطينية شبابية مناضلة خارج الخط الأخضر وخارج فلسطين، مع نداءات الحراك الشبابي داخل الخط الأخضر. أليس في ذلك توجه جديد ومختلف عن المرحلة السابقة حيث استقرت المبادرات في أيدي القيادة الفلسطينية الرسمية التي كرست من خلال أوسلو هامشية فلسطينيي الـ48 على هامش الحركة الوطنية، المهمّشون أصلاً في الدولة العبرية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا؟

لقد كان التجمع أول حزب جدي كجزء من الحركة الوطنية الذي لا يقبل بهذا الواقع، أي التسليم بالهامشية في قيادة الحركة الوطنية التي تحولت إلى قيادة لسلطة الحكم الذاتي.. ورفض أوسلو ومضامينه بخصوص القضية الفلسطينية عمومًا وقضية موقع عرب الداخل خصوصًا. إذ واظب على رفض يهودية الدولة وعلى مواصلة مجابهة ومقارعة الصهيونية باعتبارها أيدلوجية عنصرية إقصائية. ولم يتراجع رغم كل الحملات التحريضية ومحاولات شطبه انتخابيًا، عن هذا التوجه القومي والديمقراطي، وذلك ضمن معادلة مركبة أثبتت فعاليتها. ومع ذلك فإن التجمع منفتح لتطويرها ولتتجاوب مع تطور الفكر السياسي الفلسطيني والانتقال إلى حل ديمقراطي شامل يقوم على نزع الطابع الكولونيالي للمجتمع الإسرائيلي كشرط ومقدمة للعيش المشترك.
 

التعليقات