17/01/2014 - 21:49

حماية الناصرة الآن، هي حماية لشعبنا كله/ حنين زعبي

نحن في التجمع، ممثلين بالقائمة الأهلية، نحمل لمدينتنا الحبيبة التزامًا واضحًا، بأن تكون الكلمة الحسم في هذه الإنتخابات الطويلة، للناخب النصراوي، الذي نحترمه، مهما اختلفنا معه في خياراته. ثم نحمل لها التزاما واضحًا وجديًا بتجنيبها، العنف والمهاترات والزعرنات الصبيانية منها وغير الصبيانية، مهما كلفنا الأمر، ودون اعتبار لمناصب أو مواقع، فالحفاظ على المدينة ونسيجها الوطني، واليقظة لمن يتربص لنا من مخططات تجنيد وانسلاخ عن شعبنا، هو شرط وجودنا. وأخيرًا، نحمل لها التزاما جديا ومكلفا، بأن نساهم، عبر الائتلاف الحالي، أو من خارج أي ائتلاف، ومن خارج المجلس البلدي، في دفع الناصرة للمسار السياسي-الاجتماعي الذي نؤمن به.

حماية الناصرة الآن، هي حماية لشعبنا كله/ حنين زعبي

دخل التجمع الوطني الديمقراطي في الناصرة انتخابات البلدية قبل أشهر، خائضا المنافسة بكل ما لديه من قوة وأدوات، بما فيها مرشحة الرئاسة -حيث لأول مرة يقوم عضو كنيست عربي بخوض رئاسة سلطة محلية- ايمانا منه بضرورة تغيير تعاطينا السياسي- الاجتماعي مع سلطاتنا المحلية، من سلطة تناحرية، انتهازية، هزيلة بمفاهيم البناء المجتمعي، تعنى بمكاسب السلطة، إلى منبر ووسيلة من أجل تحقيق رؤية سياسية اجتماعية لأقلية مستضعفة، ومن أجل ممارسة الربط بين اليومي والخدماتي وبين القومي والنضالي.

وخاضها من جهة ثانية، أيمانا منه أنه كقوة أثبتت نقاءها وقوتها في إنتاج معارضة لم تعرفها الناصرة خلال الأربعين سنة على سيطرة الجبهة، يستطيع المساهمة بشكل كبير في إنهاء هيمنة الجبهة، التي تحولت لمنظومة منفعية، متسلطة اقتصاديا، ومرتبطة برؤوس أموال، وببعض العائلات، وبالتالي منتجة للفساد الاقتصادي والسياسي والإداري. لقد انفصلت الجبهة في الناصرة عن معركتها السياسية الفكرية منذ سنوات طويلة، وتحديدا منذ بدأت في التعامل مع الناصرة كموارد للاقتطاع والتوزيع، ومع البلدية كوظائف، وبدأت في خصخصة ممتلكات البلدية والخدمات لشركات خارجية وأهملت الطبقات الشعبية والأحياء الفقيرة على أطراف المدينة لتصبح أحياء هامشية، خارجة عن الناصرة، وأضيف لكل هذا فساد وطني، عندما توانت بلدية الناصرة عن محاربة الخدمة المدنية، ولم تقف بعناد لصدها.

عرف التجمع عند دخوله، أن الناصرة تحتاج لخطاب يحمل رؤية للناصرة كمدينة، وأن 70% من النصراويين والنصراويات يريدون تغيير سلطة الجبهة، ولا يخافون من هذا التغيير مهما كانت اتجاهاته. وقد كسر التجمع بدخوله للانتخابات -ضمن رؤية وخطاب وطني، رافضا للأسرلة، والطائفية، والفساد والعصبيات القبلية على أنواعها- معادلات طائفية-فئوية- نفعية اعتادت عليها الناصرة وخضعت لها. 

وقد شدد التجمع- الأهلية، طيلة الحملة الانتخابية، أننا ندخل هذه المعركة ليس على أساس التعريف الضيق للنجاح والفشل، الذي يقتصر عادة على النجاح باستلام سلطة أو عدم استلامها، بل على أساس أحداث تغيير في تأثير التجمع كلاعب سياسي داخل الناصرة، في أحداث تغيير في مفهوم المعركة الانتخابية في الناصرة، ونقله من سؤال من يحمي قطاع من قطاع داخل الناصرة، إلى سؤال من يحمي الناصرة وطنيا ويتقدم بها، وفي منع الاستقطاب الطائفي، المدمر للنسيج الوطني، والمخلد لهيمنة الجبهة.

لقد حرصنا طيلة الحملة الانتخابية، على تطبيق قيم وأخلاقيات وملامح التجمع، في الخطاب، وفي استقطاب الناس. وربما كانت انتخابات الناصرة، الأقرب " للنموذج" الذي يدعو له التجمع، محاربة واجتناب كاملين لكل ممارسة أو خطاب طائفي أو عائلي أو نفعي، محاربة واجتناب كاملين لممارسة الوعودات أو الإغراءات أو الترهيب، وتبني كامل لخطاب عقلاني، واضح، جريء، وطني، لا شعبوي، لا شعاراتي.

لكن اتضح ومع مرور الحملة الانتخابية، أن سؤال الناصرة الأول، خلال الانتخابات، لم يكن من هو الأفضل للناصرة، بل كان من هو الأقدر على إنهاء حكم جرايسي-الجبهة، مما أدى أن تحصد "ناصرتي" امتعاض الناس من الجبهة، ورغبتهم في التخلص منها، وقدم "علي سلام" نموذجا شعبويا، أدى إلى استقطاب الفئات المنهكة في المدينة إليه. ويتضح أن  المد الجماهيري  من الفئات الشعبية والبسيطة الذي راكمته الجبهة، مؤسسا لقوتها التنظيمية هو ذات المدّ الذي يحاول إسقاطها منذ عام 1998، إلا أن تحالفها مع علي سلّام، والمدّ الطائفي التي سكتت عليه وتماشت معه وبعض الشيوعيين الكلاسيكيين وعائلاتهم أنقذوها من هزيمة مؤجلة.

صناعة الخوف من التغيير

وإن لم تفز الجبهة بأغلبية الأصوات، إلا أن النتيجة لم تحسم إلا ببضعة أصوات، وهي نسبة أقل بكثير من الاستياء الفعلي من الجبهة. وسبب ذلك لا يعود إلى تأييد فعلي لل 30% الذين صوتوا للجبهةـ إلا أنه يعود إلى "الخوف من التغيير" الذي ربته الجبهة في نفوس النصراويين طوال الخمسة عشر سنة السابقة. صناعة الخوف هذه كانت الإستراتيجية المثالية التي طورتها الجبهة، إزاء استياء ونقد متزايد لأدائها، فكانت تجلب أكثر من 50% من الأصوات بطريقة "صوتوا لنا ليس لأننا صالحون، بل لأن عواقب عدم التصويت لنا وخيمة". و" عواقب عدم التصويت لنا ستكون وخيمة"، حملت خطابا طائفيا مباشرا، أو ايحاءات طائفية مبطنة لكن مفهومة جيدا، ومغروسة عميقا في نفوس قطاع غير هامشي من النصراويين، لدرجة أن انهيار الموحدة، لم يعن للنصراويين انهيار "الخطاب/الخطر الطائفي".

ضمن تلك الأجواء، اخترنا دخول الائتلاف، وتحولنا من حركة تطرح بديلا شاملا، إلى حركة تعرف أن أمامها دورا ومسؤولية تجاه بلد كامل، وأنها لا تستطيع أن تترك الناصرة لنفس القوى التي أدخلتها في أزمة. فالناصرة تحتاجنا، كصوت وكرؤية وكحكمة وكسياسة، غير موجودة في باقي مركبات الائتلاف، ولأن الدخول في الائتلاف يكمل ما قررناه استراتيجيا من أن التجمع لن يعود لاعبا ثانويا في الناصرة، في حدود بوصلة مشروعنا.

إصرار الجبهة على عدم قبول خيار الناصرة، وعلى شق المجتمع إلى استقطابات

لكن الذي حدث أن الجبهة أبت التسليم بالنتيجة المعلنة رسميا، وأصرت على الاحتكام للمحكمة، استنادا إلى صندوق تعرف تماما، أن "إرادة مصوتيه" زورت تماما، وقد وقف التجمع الأهلية، ضد الاحتكام للمحكمة ورأى في الاحتكام لها، أمرا إشكاليا، أولا لأن الأزمة التي تعيشها الناصرة، أزمة سياسية، وليست قانونية، هي سياسية محضة، بأسبابها وتداعياتها وتعبيراتها، وحلها الأنجع يكمن في اتفاق سياسي وليس في حسم قانوني. وثانيا، لأن المحكمة تنظر في "إعادة فرز" صندوق، يعلم الجميع أنه تم "تزويره"، وأن الجبهة تعاملت مع " محدودي الحركة"، "كمحدودي الإرادة". كما أن النصراويين، يعلمون تاريخ تزويرات الجبهة، أم التزوير، ولن تقنع المحكمة أحدا، في أنها عدلت النتيجة من نتيجة "مزورة"، لنتيجة "غير مزورة". ففي نظر الناس، تغيير النتيجة هو التزوير لإرادة الناس. وثالثا، لأنه يتضح أيضا، أن وزارة الداخلية قررت فجأة تغيير موقفها، من المركزية للإستئناف، بدعم موقف رامز جرايسي القاضي بفتح الصندوق، ونحن نعرف أن موقف الوزارة من أهم عوامل التأثير على قرار المحكمة.

بالتالي طرحنا في التجمع –الأهلية حلا سياسيا حكيما وعادلا في نفس الوقت، ألا وهو إعادة الانتخابات، واضعين نصب أعيننا أن الهدف هو ليس فقط الحسم العادل لإرادة الناس، بل تجنيب الناصرة متاهات وأزمة ثقة وزعرنات وولدنات، لا تصلح لمجتمع ولا لمدينة يبحث عن أفق. لكن، الجبهة أبت التسليم بمدينة نزعت منها ثقتها بها، وأصرت منذ الإعلان عن نتيجة الانتخابات، قبل 3 أشهر على التصرف، ببلطجية، وعنجهية، ومزاودة، منقطعة النظير.

إن بلطجية السلطة، تختلف عن بلطجية المعارضة، فما كان من الجبهة إلا أن أستعملت تربية كوادرها على خطاب العداء والكراهية للتجمع، ولكل من هو ليس معهم، فبرز على شكل اعتداءات وتخوينات في شبكات التواصل الاجتماعي، وأكملت استدعاء خطاب طائفي بغيض، عملت على تجييره طيلة سنوات، لمكاسب بقائها في السلطة، والآن تستدعيه بهدف عودتها للسلطة، وتسويقها بدور الضحية، أو العلمانية، مصورة من لا يريدها في السلطة، على أنهم محور البرابرة- الأصوليين. وفي هذا تثبت الجبهة، ما هو نقيض الجامع القومي والنسيج الوطني، بإصرارها في انتخابات البلدية كما في انتخابات الكنيست، على شق الهوية الوطنية للمجتمع. ففي انتخابات الكنيست لا وحدة، لأننا معسكرات، العلماني مقابل الأصولي، وفي انتخابات البلدية، يتم تصوير المجتمع، أيضا على أنه مكون من معسكرات (علماني-تقدمي، مقابل بربري-أصولي)، وليس من اختلافات وتنافسات سياسية.

وفي الحالتين يشرع المعسكر "العلماني-التقدمي"، لنفسه، استعمال كافة أدوات البلطجة، والاعتداءات بالعصي والشتائم والتخوين والتهديدات، وترهيب الناس بفصلهن عن وظائفهن، وترغيبهم بنماذج الكهرباء ورخص العمار. أكثر من هذا، تقف أمام رامز جرايسي، في الداخلية، ومنذ حوالي السنتين، ملفات فساد، تحوله، من شخصية وصفت بالقيادية ونظيفة الأيدي، والمتمتعة بإجماع شعبي وجماهيري، إلى شخصية متهمة بالفساد الإداري، ومجمع على وصفها بالشخصية المستغلة، التعبانة، والضعيفة، التي تحتاج إلى حماية من أهل بلدها.

نحن نعتبر، أن العنف الأكبر، ليس ما يحدث الآن، من اعتداءات الصغار، هنا وهناك، بل من قوانين لعبة الكبار، التي وضعها كبار الجبهة ومتنفذوها لهذه المدينة، منذ أكثر من عقد. أن العنف الكلامي الأشرس، والذي ينتج ثقافة عنيفة تتغلغل في وعي ونفوس الناس وقيمها، هو أخطر بكثير من الاعتداء على ممتلكات، لآنه يهدم أجيالا، ويربيها على خطاب الكراهية لشعبها، ويهدم حصانتها الوطنية، ويفقدها توازنها السياسي، وقدرتها على التمييز بين الاختلاف والعداء، وهو نتاج حصري لتربية كوادر الجبهة.  لقد عودتنا الجبهة، أن تحمل خطاب العنف الأكبر والأخطر، لأنه مؤدلج ومبرر سياسيا و"وطنيا". لكنها تعود وتحمي نفسها من وزر عنفها، مقسمة المجتمع إلى محوري الخير والشر، "التقدمي-العلماني"، مقابل "البربري-الأصولي".

نحن في التجمع، ممثلين بالقائمة الأهلية، نحمل لمدينتنا الحبيبة التزاما واضحا، بأن نكون رأس حربة ضد الطائفية وضد العنف، مهما كلفنا الأمر، ودون اعتبار لمناصب أو مواقع، فالحفاظ على المدنية ونسيجها الوطني، واليقظة لمن يتربص لنا من مخططات تجنيد وانسلاخ عن شعبنا، هو شرط وجودنا. كما نلتزم أمامها بأن نعمل ما في جهدنا على أن تكون الكلمة الحسم في هذه الانتخابات الطويلة، للناخب النصراوي، الذي نحترمه، مهما اختلفنا معه في خياراته. وأخيرا، نلتزم بأن نساهم، عبر الائتلاف الحالي، أو من خارج أي ائتلاف، ومن خارج المجلس البلدي، في دفع الناصرة للمسار السياسي-الاجتماعي الذي نؤمن به.

لقد اختار التجمع ألا يهرب من محطات حاسمة في تاريخ الناصرة، حيث لا يمكنها العودة منه إلى الوراء، وأن يلعب دورا وطنيا مسؤولا منذ اللحظة الأولى للحملة الانتخابية، ودفعنا ثمن هذا الدور، لكننا كسبنا به أنفسنا، وكسبنا ثقة الناس، من صوت لنا ومن لم يصوت، والذين يعرفون الآن، أن التجمع –الأهلية، تصرف وما زال، بمسؤولية وحكمة في مرحلة نصراوية حرجة وتاريخية.
 

التعليقات