22/02/2014 - 16:00

ملاحظات عن الناصرة../ د. باسل غطاس

أنتظر انتهاء هذه المعركة بفارغ الصبر لكي نقرع على جدران البونكر، وندعو الإخوة والأخوات في الجبهة إلى الخروج من الخزان، وإلى إجراء مراجعة جدية وصريحة وقاسية مع النفس، وذلك كمقدمة ضرورية لاستعادة علاقات الثقة والاحترام مع القوى السياسية الأخرى، وأقصد العربية طبعا، فهناك الكثير من القضايا الكبرى والمشاريع الحكومية الصهيونية التي تنتظر من القوى السياسية العربية العمل المشترك والوثيق لمواجهتها

ملاحظات عن الناصرة../ د. باسل غطاس

 

1)  الانتخابات المعادة، بقرار من المحكمة العليا، لرئاسة بلدية الناصرة هي ليست مفاضلة بين شخصين تقدما بطلب وظيفة وقدما السيرة الذاتية لكليهما. عرض الموضوع بهذا الشكل هو تذاك من قبل من يظن نفسه يملك كفاءات أعلى ومهارات أكبر، وممن يحاول أن يغطي الشمس بعباءة شهاداته. الانتخابات ستقرر هل سيجري تغيير في الناصرة لإدارة وحكم  مطلق استمر منذ عام 1975 أم لا. الواجب الأخلاقي لكل من تنافس في الجولة الأولى من منطلق ضرورة تغيير رامز جرايسي وحكم الجبهة أن يواظب على موقفه، وأن يدعم التغيير وإلا فستفسر منافسته في الجولة الأولى على أنها كانت لمنطلقات ومصالح شخصية.

2) لن أخوض في السؤال لماذا كان التغيير ضروريا، فعلى هذا الموضوع خاضت القوائم انتخابات طويلة وشاقة، وفيها طرحت مرشحة القائمة الأهلية النائبة حنين زعبي رؤية بلدية بديلة مهنية وشاملة، وهذا هو الدور الأبرز الذي قام به التجمع وحنين زعبي حصريا في هذه الانتخابات. حين تدخل المجتمعات في أفق مسدود ويصبح التغيير ضرورة حتمية لا يكون الخيار دائما بين الواقع المأزوم والفاشل وبين البديل المثالي فالمجتمعات بمركباتها الإنسانية المعقدة ليست آلة تعمل على برمجة حاسوبية وعندما تحتد الإرادة المجتمعية بالتغيير يصبح كل سيناريو محتمل الحدوث، والحكم على نتيجة التغيير لا يكون في المدى القصير وإنما بمنظور زمني أطول. واضح أن الحراك الحاصل الآن في الناصرة هو حراك  صحي أتى بقوى اجتماعية جديدة، وأخص بالذكر "ناصرتي" و"الأهلية" و"شباب التغيير"، وكسر ثنائية الجبهة والإسلامية التي تحكمت في الناصرة وفي نتائج انتخاباتها لصالح رامزجرايسي والجبهة  طيلة عقد ونصف من الزمن.

ومن نتائج الانتخابات الأخيرة المهمة التي حصلت هو الاختفاء شبه الكلي للقائمة الموحدة التي كانت تحصل على نصف المقاعد تقريبا. مهما حاول من له مصلحة في ذلك في استعادة هذه الثنائية سواء على أساس طائفي أو "حضاري" يعني طبقيا فإنه سيفشل بسبب هدا الحراك الاجتماعي الصحي، والذي يثبت أن المجتمع النصراوي بألف خير، وأن نبوءات المنذرين بالشر وعرافي السوء لن تتحقق، وإنما هي وقود لتغذية التعصب وفرض طريقة تفكير وحسم على أساس ذلك التقطب الوهمي الذي يريدونه لأنه يصب في صالح مرشحهم انتخابيا ليس أكثر. لكننا لن نغفر لمن يضرب ويمزق النسيج الاجتماعي ويشيطن أبناء شعبه من أجل استعادة السلطة في البلدية، ثم يتهم كل من لا يدعمهم بالخيانة الوطنية وبالسقوط الأخلاقي وغيرها من التهم. إن اتهام ناصرتي والتجمع بأنهم مع نداف ومشروع التجنيد لمجرد أن قام نداف بزيارة علي سلام للتهنئة أو التلويح بمقابلة غابسو مع "صنارة" الجبهة لتخوين الطرف الذي يشكل 60% من البلد هو دلائل إفلاس وهستيريا وانفلات من كل الكوابح الأخلاقية والضوابط المجتمعية والتقليدية التي كنا نريد أن تبقى تحكم العلاقات بين الأحزاب ومركبات المجتمع. 

هذه التهم والإساءات مردودة على أصحابها، وبدون فتح أي ملف لأي أحد نقول لسنا بحاجة لشهادات في الوطنية والعطاء والحرص على مصالح وحقوق شعبنا الفلسطيني وعلى هويته وانتمائه من أحد وخاصة منكم.

3) موقف التجمع والأهلية

لم يتردد التجمع في موقفه للحظة من ضرورة المضي قدما من أجل تحقيق التغيير، ومع ذلك كان هناك نقاش داخلي داخل المكتب السياسي للحزب وفي فرعيي الحزب والقائمة الأهلية حول طبيعة العلاقة مع المرشح علي سلام، وحدود الدعم الذي يقدم له. وبعد توضيح القضايا الأساسية التي طلبها التجمع، وهي بمجملها قضايا سياسية مرتبطة بالموقف الوطني والمجتمعي والعلاقة مع الهيئات التمثيلية والرسمية قرر فرع التجمع والقائمة الأهلية إعلان الدعم لعلي سلام. وكان هذا القرار بالإجماع أو بأكثرية كبيرة جدا مما يعني أن كوادر الحزب والأهلية وهم المخولون دستوريا باتخاذ القرار أنهم أخذوا القرار الصحيح.

ليس سرا أن التجمع عبر ممثله الرفيق عوني بنا قد خاض معارك قاسية ضد الإدارة السابقة للبلدية، وشكل طيلة سنتين المعارضة الحقيقية الوحيدة في البلدية. وقد كشف عوني بمهنية ومثابرة لاقت الاحترام والإعجاب عند جماهير الناصرة العريضة التي لم تعد تطيق حكم الجبهة وسيطرتها المطلقة والمستبدة ملفات الفساد والخلل الاداري الكبرى، وكان هذا النشاط من العوامل الأساسية للتغيير الذي حصل والذي سيتوج في 11 آذار بإعادة انتخاب علي سلام رئيسا للبلدية. لقد تعرض عوني إلى المضايقات والاستفزاز، واعتدي على بيته، ولكنه صمد وببطولة حين كان لوحده تقريبا، وهاهو الآن في الإئتلاف الجديد سيكون في موقع نائب الرئيس لكي يطبق  الرؤية والبرنامج اللتين قام عليها الائتلاف الجديد، وهي من صلب برنامج الأهلية. لكن عوني لن يتمسك بالكرسي إذا لم يحقق الائتلاف الجديد برنامجه وإذا جرى الإخلال بالتفاهمات.  

4)  مأزق الجبهة التاريخي

التغيير قادم لا محالة في الناصرة، ومحاولات تسعير المعركة كما ذكرت لا تسمن ولا تغني عن جوع، وعلى الجبهة تقبل النتيجة منذ الآن، والتفكير في كيفية العمل في البلدية ليس كمعارضة إقصائية تخوينية، وإنما كمعارضة بناءة وإجراء حساب عسير مع النفس، ليس فقط بشأن سلوكها السياسي والبلدي في الناصرة، وإنما بشكل عام.

وأولا يجب أن يبدأ هذا الحساب من قرار إعادة ترشيح رامز جرايسي فيما يشبه عملية الإجبار القسري، وتحميل الرجل ما لم يرد ولم يطق، وبدل احترام إرادته  وحفظ كرامته تم تفضيل المصلحة الحزبية الآنية بسبب نتائج استطلاعات الرأي على عملية إعادة البناء والتجدد والانفتاح على القوى الأخرى والاستعداد لتشكيل ائتلافات وشراكات جديدة لقيادة البلد حيث كان للجبهة فرصة حقيقية في الانخراط في الحراك الشعبي الجديد والتنازل عن احتكارها المطلق للسلطة. عنزة ولو طارت هذا ما يلخص ضيق الأفق والتحجر الجبهوي والتعنت والتزمت والتمترس في الخندق (قل البونكر) الفئوي الملوث بالطائفية، وهذا هو بعينه التخلف وهو أسوأ نوع من البلطجية الفكرية والسياسية. وهو ما يؤدي بهؤلاء إلى الإمعان في محاولة  "حلب التيس"  وإلى  تطبيق شعار "رامز حتى لو بتحترق البلد"، ثم اتهام الآخرين بما يمارسون هم على أرض الواقع.

أدرك أن في الجبهة كوادر من الوطنيين والناس الطيبين المخلصين لشعبهم ولقضاياه نلتقيهم في المظاهرات والنضالات ونحن وإياكم شركاء في الكثير، ولكن في موقف الجبهة وقبلها الحزب الشيوعي من القوى السياسية العربية الأخرى على الساحات المحلية والقطرية وخاصة تلك العلمانية  يوجد خطيئة  كبرى تاريخية. لن أستعيد هنا تاريخ علاقاتها مع حركة الأرض والحركة التقدمية، فقط التنويه أن موقفها وممارساتها مع التجمع الوطني الديموقراطي وقياداته منذ تأسيسه هي مسلسل لا ينتهي من العداوة والكره، وعمل كل شيء لإسقاط التجمع في 3 انتخابات كنيست متتالية، وكانت الذروة في موقف قيادة الجبهة ومحمد بركة تحديدا من قضية المنفى القسري لرئيس التجمع الوطني عزمي بشارة، ذلك الموقف الذي أقل ما يقال فيه أنه تماهى مع المؤامرة الأمنية الحكومية الاسرائيلية التي أرادت رأس بشارة ليس أقل من ذلك..

ما حدث مؤخرا بعد انتخابات الكنيست تحديدا هو نجاح لقيادة الجبهة بتفادي النقاش والصراع الداخلي بفتح جبهة على الأخرين وخاصة على التجمع (كيف لا؟!) بإطلاق فرية المال السياسي وتحويل شعب كامل إلى قطعان من المرتشين بينما الأصوات النظيفة الوحيدة هي تلك التي حصلت عليها الجبهة. ها هو نجاح القيادة أمام أعيننا.. "عقلية البونكر" تسيطر على الجبهويين في كل مكان لا صوت واحدا خارج عن صوت المعركة، والكل في حالة دفاع عن النفس وكأن القضية قضية حياة أو موت وكلها مع كل الاحترام معركة انتخابات محلية وكرسي رئاسة بلدية مع الاحترام للناصرة وأهميتها.

أنتظر انتهاء هذه المعركة بفارغ الصبر لكي نقرع على جدران البونكر، وندعو الإخوة والأخوات في الجبهة إلى الخروج من الخزان، وإلى إجراء مراجعة جدية وصريحة وقاسية مع النفس، وذلك كمقدمة ضرورية لاستعادة علاقات الثقة والاحترام مع القوى السياسية الأخرى، وأقصد العربية طبعا، فهناك الكثير من القضايا الكبرى والمشاريع الحكومية الصهيونية التي تنتظر من القوى السياسية العربية العمل المشترك والوثيق لمواجهتها.
 

التعليقات