07/03/2014 - 10:36

حول تفصيل فستان نسوي ملائم لمعاييرنا../ أفنان إغبارية

ظهرت مؤخرا، وفي سياق انتخابات الناصرة تحديدا، أصوات كثيرة دوِّنت داخل نصوص كثيرة على شبكات التواصل الاجتماعي لنسويات، يستهجنّ مشاركة النائبة حنين زعبي في اجتماع حي جلست به النساء منفصلة عن الرجال!

حول تفصيل فستان نسوي ملائم لمعاييرنا../ أفنان إغبارية

كثيرا ما كتبت الناشطات النسويات في يوم المرأة العالمي، حول الهيمنة الذكورية وحول تقاطع قمع المنظمة الأبوية لنا مع قمع المؤسسة الاستعمارية. وما أكثر ما كتبن حول صورة المجتمع الذي نسعى له.

أكدنا دائما أننا نسعى من أجل بناء مجتمع حر وفرد حر، مجتمع تشترك به النساء مع الرجال في نشاطهم في الحيزين العام والخاص. تناولنا في نصوصنا أهمية وجود النساء في مواقع صنع القرار وفي المشهد العام، رفضنا حجبهن داخل البيوت، رفضنا إقصاءهن عن الحياة السياسية والثقافة والفكرية، والاقصادية.

ولكن،

وبقراءة مراجِعة لأدائنا، وربما لفهم بعض النسويات منا، وأحيانا القياديات منهن، للمشروع النسوي، أرى أنه وكما يبدو فإن بعض النسويات أسأن فهم المشروع او أسأن التعبير عنه وترجمته لنشاط سياسي واجتماعي يشمل كافة النساء. وقد تكون بعض النسويات منا قد تجاوزن الحد، واخترن وبوعي كامل منهن أن يحاولن فرض مشروعهن، ليس فقط على المجتمع وإنما على النساء داخله، ولا أقول فرض النسوية، وإنما فرض قراءتهن المحددة لها. ولذا أراني هذه المرة أكتب منتقدة أنفسنا، وبعض الأصوات النسوية داخلنا.

وكي لا تبقى الجمل مجرد مقولات عامة، أشير إلى ما قرأته وسمعته مؤخرا، حيث تعالت الكثير من الأصوات النسائية والنسوية، مستنكرة مشاركة النسويات في اجتماعات أو مهرجانات أو حتى مظاهرات تسير بها النساء منفصلة عن الرجال! وقد ظهرت مؤخرا، وفي سياق انتخابات الناصرة تحديدا، أصوات كثيرة دوِّنت داخل نصوص كثيرة على شبكات التواصل الاجتماعي لنسويات، يستهجنّ مشاركة النائبة حنين زعبي في اجتماع حي جلست به النساء منفصلة عن الرجال! ولا أقصد باستهجانهن تعبيرهن عن موقف يرى مثلا أهمية رفض المشاركة في اجتماع كهذا، علما بأني اختلف تماما مع هذا الموقف، ولكنه قد يكون موقفا شرعيا. ولكن ما كتب وعند العديد من الناشطات والناشطين المعروفين، كان به استهجان من السلوك، واستهزاء ليس بالنائبة حنين فقط، وإنما بالنساء اللواتي استضفنها في بيوتهن. موقف، برأيي، معيب لمتخذيه ولمتخذاته.

أنا أرى بهذا الموقف إهانة، أولا لنساء مجتمعنا اللواتي اعتدن، وما زالت نسبة كبيرة منهن معتادة على الجلوس منفصلة عن الرجال في المناسبات العامة، سواء كانت سياسية كمهرجانات واجتماعات شعبية، أو اجتماعية كالأفراح والأتراح. وبرأيي هنالك فرق شاسع بين ما نريد وبين كيف نريد، فنحن نعم نريد مجتمعا لا تفصل به الرجال عن النساء في الحيز العام، ولكننا لا نريد هيمنة خطاب واحد يفرض فرضا دون أن يذوّت داخل النفوس. نريد النساء سيدات لأنفسهن ولا نريدهن مسودات منا. علما بأن هذا الخطاب لم ينجح في فرض نفسه أصلا على النساء، ولم ينجح في التأثير عليهن، ولكنه خلق قوقعة صغيرة فرض داخلها هيمنة خطاب واحد وسلوك واحد، لا يمثل إلا حاملاته، اللواتي يصنفن النساء فقط بناء على لباسهن ونوع حراكهن في الحيز العام.

برأيي بدلا من السخرية على النساء، وبدلا من محاولة فرض خطاب وأداء واحد عليهن، وبدلا من تفصيل "فستان نسوي" واحد لجميع النساء، كان حري بهذه الأصوات أن تعمل أصلا على إخراج النساء للحراك الجماهيري، والسياسي والاجتماعي. يعني عندما كانت تلك النساء في بيوتها كان المشهد جميلا، ولكن عندما خرجن خدشن "جمالية المشهد العلماني".

برأيي، النسوية الحقيقية تعمل مع النساء ولا تدّعي تمثيلهن، بل تمكنهن من تمثيل أنفسهن بالطريقة التي يرونها مناسبة. النسوية الحقيقية لا تقيّم النساء بناء على معايير ضيقة، بل تنتظر التقييم منهن. المجتمع هو الذي يحاسب قياداته، ومستهجن أن نرى يعض القياديات النسويات يحاسبن مجتمعنا!

النسوية الحقيقية تسأل الأسئلة الصحيحة، وتبني التحالفات مع جميع النساء. النسوية الحقيقية احتوائية وليست إقصائية وتخاطب اهتمامات واحتياجات جميع النساء. فهل نبارك خروج النساء للمظاهرات وحراكهن، أم نستهين به؟، لو لم تخرج النساء للتضامن مع أصحاب البيوت المهددة للهدم فلن نحاسبهن، ولكنهن لو خرجن منفصلات عن الرجال سوف نستنكر مشاركتهن!. لو شاركت النساء بخيام اعتصام للتضامن مع أسرى الحرية منفصلات عن الرجال سوف نغضب عليهن لأنهن "يشوهن المشهد العلماني"، ولكنهن لو بقين في بيوتهن لكان أفضل، موقف عبثي!

إن الموقف أعلاه ومواقف كثيرة مشابهه، منها مثلا التعامل الفظ والاستعلائي عند بعض النسويات مع غطاء الرأس، هو موقف أقل ما يقال به أنه استعلائي وبعيد عن النساء ويخدم أجندات بعض النسويات على حساب النساء.

النسوية لن تكون نسوية لو كانت مفصلة بناء على مقاييس حيفا والناصرة فقط، وأقصد الناصرة الشارع الرئيسي في الناصرة، لأن نساء أحياء الناصرة لا تسير على الإيقاع النخبوي لبعض النسويات.

وختاما أؤكد أنني أسعى لتبني مجتمعنا للقيم النسوية، ولكني لن أرى نفسي نسوية إلا إذا كنت جزءا من مجتمعي، واحترمت خيارات نسائه وأشركتهن في معركة التغيير، وأصغيت لأصواتهن، وحاورتهن وفتحت لنفسي ولهن إمكانية إقناع إحدانا للأخرى دون وصاية طرف على الآخر.

لا توجد صيغة نسوية واحدة، ولا توجد إجابة واحدة على كل سؤال، إلا عند النسوية الغربية الاستعمارية التي رفضتها نسويات العالم الثالث.

التعليقات