22/03/2014 - 08:29

الجولان فداء لبنان../ ساطع نور الدين

لكن السؤال الذي لا يتطلب طرحه الكثير من الخبث هو: لماذا أعطى النظام السوري الضوء الأخضر لتنفيذ هذه العملية في الجولان في هذا الوقت بالذات؟ وما الذي أغضبه في السلوك الإسرائيلي الأخير لكي يقرر إبلاغ العدو أن هذه الجبهة قد فتحت، أو هي على وشك أن تفتح تماما على غرار الجبهة اللبنانية؟

الجولان فداء لبنان../ ساطع نور الدين

أمام عملية الجولان الأخيرة، لا بد من توجيه التحية للمقاومة، ولحزب الله الذي فتح الجبهة السورية مع العدو الإسرائيلي، فصحح بذلك مسارا سياسيا وعسكريا خاطئا وظالماً أدى إلى دمار لبنان وخرابه طوال أكثر من أربعين عاما، وأعاد الأمور إلى نصابها الطبيعي الذي كان النظام السوري يمانعه.

يمكن الجدال في أن قرار فتح تلك الجبهة تأخر كثيرا، وأملته الظروف السورية الداخلية اكثر مما استدعته إستراتيجية المقاومة وخططها للرد على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قوافل الصواريخ الآتية من سوريا.

لكن المهم الآن أنه عمل عسكري نوعي ضد العدو، لم ينطلق من الجنوب اللبناني، ولم يستدرج ردا إسرائيليا على البلدات والقرى الجنوبية أو على المخيمات الفلسطينية في لبنان، على ما كان دأب الجبهة اللبنانية المفتوحة على مصراعيها طوال العقود الأربعة الماضية.. دون سواها من بقية الجبهات العربية.

إزاء هذه العملية المفاجئة، طرح أكثر من سؤال لبناني خبيث: ترى ماذا كان يمكن أن تكون عليه صورة لبنان اليوم لو أن النظام السوري ( الحالي) سمح في منتصف السبعينيات بأن يتحول الجولان إلى جبهة المقاومة الرئيسية مع العدو؟ وهل اكتشفت المقاومة أخيرا أن استمرار العمل العسكري من الجنوب اللبناني بات مكلفاً جداً، وخطيراً جداً، فقررت صرف النظر عن محاولة خرق الخط الأزرق الحدودي وتفادي تعريض لبنان للمزيد من الأذى والضرر، واختارت نقل عملياتها من الآن فصاعدا إلى الجبهة السورية؟

لكن السؤال الذي لا يتطلب طرحه الكثير من الخبث هو: لماذا أعطى النظام السوري الضوء الأخضر لتنفيذ هذه العملية في الجولان في هذا الوقت بالذات؟ وما الذي أغضبه في السلوك الإسرائيلي الأخير لكي يقرر إبلاغ العدو أن هذه الجبهة قد فتحت، أو هي على وشك أن تفتح تماما على غرار الجبهة اللبنانية؟

قبل تلك العملية كان النظام، وربما لا يزال، مطمئنا تمام الاطمئنان إلى أن إسرائيل لا ترغب ولا تتمنى سقوطه، وهي متفاهمة بكليا مع واشنطن على هذا الموقف.. وهو ما أتاح للقوات السورية الجوية والبرية التحرك أكثر من مرة طوال الأعوام الثلاثة الماضية ضد المعارضة السورية في مناطق قريبة من خط الحدود في الجولان، كانت محرّمة وفق اتفاق فصل القوات الموقع بعد حرب تشرين العام 1973. لكن هذه العمليات العسكرية السورية لم تفلح في تغيير موازين القوى مع المعارضين السوريين، الذين تمسكوا بالأرض الخاضعة لسيطرتهم أكثر مما فعل إخوانهم على بقية جبهات الحرب السورية، بل وتمكنوا أخيرا من تحقيق مكاسب مهمة على الجبهة الجنوبية، التي كانت وستبقى واحدة من أهم جبهات الصراع في سوريا، لأنها تختزل جميع عناصره المحلية والعربية والدولية، وتعتبر مؤشرا مهما للأحجام والأدوار والخطط.. فضلا عن كونها مقياسا للموقف الإسرائيلي، ومنفذا لعدد من الاختراقات الإسرائيلية الخطيرة، التي تتعدى فتح الحدود والمستشفيات الإسرائيلية أمام الجرحى السوريين.

يمكن أن تحال العملية أو بالأحرى القرار بفتح جبهة الجولان إلى التحذير الأول الذي وجهه النظام عبر أحد رموزه إلى إسرائيل في بداية الازمة من مغبة المساهمة في إسقاطه. لكن الإسرائيليين، والأميركيين معهم، جددوا التطمينات لدمشق وعبروا عن اعتراض صريح وواضح على الخطط العربية الجدية التي كانت تعد في الآونة الأخيرة لفتح الجبهة الجنوبية أمام المعارضين السوريين وتمكينهم بالسلاح المتقدم من الزحف باتجاه دمشق.

مهما يكن، فإن العملية تستحق الثناء، ويستحق منفذوها التقدير والتشجيع على المضي قدما في استهداف العدو من الجبهة التي كان صمتها المريب، ولوذها بالممانعة بدل المقاومة، علامة من علامات الكارثة اللبنانية المقيمة منذ أكثر من أربعين عاما.
"المدن"

التعليقات