04/04/2014 - 23:36

أبرز قائد للحركة الوطنية في اليوبيل الأخير../ منيب طربيه*

لم تستطع الديموقراطية الإسرائيلية أن تحتوي شخصا بحجم فكر وقيمة عزمي بشارة، لأنه خرج عن المعهود وطالب بما لم يطالب به أحد ممن سبقه، وقد عرّاها أمام العالم، وكشف عن غطرسة ما يسمونه الديمقراطية الإسرائيلية المحدودة اثنيا، كما وجرد المؤسسة الإسرائيلية من مساحيق التجميل التي استعملتها لتظهر بشكل مغاير لحقيقتها أمام العالم الديمقراطي

أبرز قائد للحركة الوطنية في اليوبيل الأخير../ منيب طربيه*

منذ توحيد الحركات الوطنية في التسعينيات وبروزها في ميادين النضال، ازداد التأييد الجماهيري لها ولدورها الفعال في المحافظة على حقوق المستضعفين والصمود أمام جرف تيارات تشويه الهويه في هذه البلاد.

ومع مرور الوقت بدأت تظهر جليّا مظاهر العروبة ومركزية الحركة الوطنية ومشروعها القومي، وبدا واضحا للعيان أن الحركة الوطنية أخذت دور البوصلة، واستطاعت تخطي الأزمة التي كان قد عانى منها العرب في السابق، خاصة بعد أن امتزجت بالأسرلة المتملقة التي قادها بعض المتقنعين من أبناء جلدتنا أو طمست تحت عناوين سطحية أو شعارات رنانة تسوّق الحزب المناوب في رأس الحربة أي السلطة مثل التعايش أو التعايش المشترك الذي لم يدم طويلا بعد أن تجلّت غاياته الهشة الواهنة والتي لم تكن عادلة أصلا.

وفي ظل هذه الحالة الشعبية وازدياد الوعي القومي الذي تمثل باقتناع المقموع بحقوقه المدنية والوطنية في كافة أرجاء البلاد وبوجوب تحركه وفعله على كل الأصعدة، لمع نجم شخص لم تع قيمته ولم تدركها سابقا لا المؤسسة الإسرائيلية ولا أبناء جلدته، شق طريقه نحو القمة سريعا، خاصة أنه لم يستوحش طريق الحق لقلة السائرين فيه، الأمر الذي أدخل المؤسسة في بلبلة وحالة من التخبط والهستيريا أخرجتها عن سيطرتها المعهودة، وعلى غير المتوقَّع لم يكن بإمكانها احتواء وتهميش مفكر بقيمته، أو أقلها تجميد انتشار فكره بين المواطنين الذين تعطشوا لقائد بمواصفاته يقول كلمته غير عابئ بتداعياتها، إنه القائد والمفكر الدكتور عزمي بشارة، خاصة بعد أن تربَّع على صدورهم مطالبا بصورة لبقة وصارمة لا لبس فيها ودون أي تردّد بحقوق العرب الكاملة، الأمر الذي كان يُعدّ سابقة في حينه، وقد تعودت السلطة على من يغازلها غزلا ناعما يشد ثم يرخي، وكأن الأمر يدور حول شعرة معاوية.

لقد نهض عزمي بشارة بمشروعه الوطني وذلك بإدخال معايير جديدة للعربي الجيد، غير المألوفة والمتعارف عليها في السابق، فالعربي الجيد الحديث والذي ظهر بقوة مع بروز الحركة الوطنية، هو نقيض العربي الجيد الذي عهدناه حتى ذلك الحين، فقد استطاع بإصراره وحكمته وصدقه وتفانيه أن يبين النموذج الصادق الشريف الحر للإنسان العربي عامة، والفلسطيني بشكل خاص.

لم تستطع الديموقراطية الإسرائيلية أن تحتوي شخصا بحجم فكر وقيمة عزمي بشارة، لأنه خرج عن المعهود وطالب بما لم يطالب به أحد ممن سبقه، وقد عرّاها أمام العالم، وكشف عن غطرسة ما يسمونه الديمقراطية الإسرائيلية المحدودة اثنيا، كما وجرد المؤسسة الإسرائيلية من مساحيق التجميل التي استعملتها لتظهر بشكل مغاير لحقيقتها أمام العالم الديمقراطي.

كان الدكتور عزمى بشارة خلال سيرته السياسية واعيا وحريصا جدا للكشف عن الفجوات بين طبقات المجتمع بغض النظر عن الانتماء العرقي أو والانتماء الديني، كما وقام بالكشف عن الخروقات التي مارستها المؤسسه للحد من حقوق المستضعفين في هذه البلاد تحت عناوين وامتيازات بشروط واهية مصطنعة وهزيلة.

حينها بدأت المؤسسة بالترويج للمساواة ضمن برامج هزيلة لستر عورتها وذلك بتسريع تنفيذ بعض المشاريع لتقليص الفجوات بشروط معينة، ومع الوقت وجدت المؤسسة نفسها أمام جرف من الخروقات والتجاوزات والتي لم يكن بإمكانها تنفيذها لأنها تتناقض مع المشروع الصهيوني، لم تجد لنفسها حلا إلا ملاحقة الدكتور لِكمِّ فيه لمنعه من الكشف عن القادم من العورات والتي تضع المؤسسة الإسرائيلية أمام وضع لا تحسد عليه.

والمحزن المبكي هو المتسلقين من أبناء جلدتنا وخاصة المتقنعون منهم بقناع الوطنية، وبأمر من أسيادهم الذين لم يتوانوا عن إرضاء أسيادهم بالانقضاض على كل ما هو جديد. ولأنهم يعدمون الوسائل لمناقشة الفكر يشتمون. ولو كانت بيدهم سلطة لقتلوا واستبدوا وأقصوا ومنعوا مثل أنظمة الاستبداد التي تلاحق الفكر  الجديد.

وهم لم يعتادوا على مفكر بحجم بشارة يدخل العمل الوطني. وقد كان بإمكانه تجنب اتخاذ المواقف السياسية القيمية وإرضاء الجميع، والاكتفاء بنجومية في عالم الفكر بلا نضال. لقد ربط الرجل الفكر بالموقف والممارسة والتنظيم.

إن أكثر ما يؤلمهم اكتشاف حقائقهم مبكرا، فلم يتوقعوا أن تظهر شخصية تكشف أوراقهم وتعرّيهم أمام الملأ، فكانت أسهل طريقه للقضاء على أي شخصية وطنيه أخذ دور الجلّاد، وهذا ما يفعله الكثير من أبناء جلدتنا المتواطئين.

أما الدكتور عزمي بشارة، أطال الله بعمره وأمده، فهو غائب حاضر فحتى لو أجّجوا المكاتب بالنيران ولاحقوا المفكرين في شمال البلاد وجنوبها وشرقه وغربها لن يفلحوا في طمس فكره ومشروعه، وسيبقى حيا في قلوب الناس رغم أنوف الكثيرين ممن باعوا ضمائرهم، فمن نطق بالحق وما خشي في فكرة مشروعه لومة لائم حي لا يموت، ونحن من ترعرعنا على نضاله وتشرّبنا فكره وتعلّمنا من صموده، أدمنّا حب الوطن مثله، وتعلمنا الوقوف إلى جانب المستضعفين والمقهورين اينما كانوا نشدّ أزرهم ونشاركهم همومهم، وقد أخذنا على عاتقنا ألا نتوانى عن الاستمرار بإيصال رسالته السامية ما حيينا متمسكين بأرضنا وحريتنا وعروبتنا وفكرنا لا نكلّ ولا نملّ حتي نحقق آمالنا المرجوَّة كشعب يفرض نفسه على خارطة الحياة.
 

التعليقات