10/04/2014 - 10:52

السيناريو المصري في.. تايلند/ نمر سلطاني

لا يسع القادم إلى بانغكوك من العالم العربي إلا أن يرى التشابه المريب بين المشهد السياسي التايلندي ونظيره المصري. عندما تشاهد عشرات الآلاف من المتظاهرين يهتفون ضد الحكومة التايلندية في نهاية آذار فإن مشاهد الثلاثين من حزيران في مصر العام الماضي تعود الى الذاكرة. وقد تظن لأول وهلة أن هذه المظاهرات مدفوعة بالقيم الديمقراطية. ولكن بعد التمعن تكتشف أنها، في المجمل، مثلها مثل الحالة المصرية، نكوص إلى الوراء بدلا من النهوض إلى الأمام.

السيناريو المصري في.. تايلند/ نمر سلطاني

لا يسع القادم إلى بانغكوك من العالم العربي إلا أن يرى التشابه المريب بين المشهد السياسي التايلندي ونظيره المصري. عندما تشاهد عشرات الآلاف من المتظاهرين يهتفون ضد الحكومة التايلندية في نهاية آذار فإن مشاهد الثلاثين من حزيران في مصر العام الماضي تعود الى الذاكرة. وقد تظن لأول وهلة أن هذه المظاهرات مدفوعة بالقيم الديمقراطية. ولكن بعد التمعن تكتشف أنها، في المجمل، مثلها مثل الحالة المصرية، نكوص إلى الوراء بدلا من النهوض إلى الأمام.

فالمعارضة التايلندية كانت قد قاطعت وشوشت على العملية الانتخابية التي جرت في شباط ٢٠١٤وبعد ذلك لجأت إلى القضاء لإعلانها لاغية. وبذلك كافئ القضاء المعارضة على عرقلة الانتخابات. وأعلنت المعارضة صراحة أنها ضد "الديمقراطية" (أو شرعية الصندوق بالقاموس المصري) وطالبت بهيئة معينة لفترة انتقالية.

وكان القضاء التايلندي قد أفشل في تشرين الثاني العام الماضي محاولة الحكومة والحزب الحاكم دمقرطة البرلمان عبر تعديل دستوري يجعل كل أعضاء البرلمان منتخبين. حيث ينص الدستور الحالي بأن يكون نصفهم معينين من قبل القضاء. وهو دستور تم وضعه بعد الانقلاب العسكري في أيلول ٢٠٠٦. ولكن القضاء التايلندي أعلن التعديل الدستوري الديمقراطي "انقلابا على الديمقراطية"!

ومن المثير أن أسباب الانقلاب المعلنة في عام ٢٠٠٦ مشابهة للأسباب المصرية وهي: الاستقطاب الشديد في المجتمع، وتفتيت وحدة الشعب، والفساد، وإساءة الحكم، والتخطيط لاستعمال العنف، والتدخل في عمل مؤسسات الدولة، وما إلى ذلك. ومثلما نسمع اليوم من بعض المصريين، قال قائد الجيش التايلندي في حينه إن الحالة التايلندية خاصة لا مثيل لها وإن الجيش فعل ذلك من أجل الشعب. وفي الحالتين ألغى النظام الجديد الدستور القائم وعيّن لجنة لوضع دستور جديد على وجه السرعة. وفي الحالتين أقرّ الشعب الدستور في استفتاء عام بعد أن قمع النظام المعارضين.  

ومثل مصر تتداخل العوامل الطبقية والايديولوجية بالمراهنة على تدخل الجيش لصالح أحد الفرقاء بعد أن قام بذلك قبل سنوات قليلة. إذ عاد الى سدة الحكم في العملية الانتخابية حزب يعتمد على أصوات الناخبين الفقراء من الأطراف (خاصة الجنوب). وترأس الحكومة منذ آب ٢٠١١ شقيقة الرئيس المخلوع عام ٢٠٠٦ والذي كان قد فاز أيضا بأصوات هؤلاء الفقراء. معنى ذلك أن الانقلابات العسكرية لا تنجح باقتلاع جزء كبير من المجتمع حتى لو قمعته إلى حين. ومع قيام المعارضة المهزومة انتخابيا بإفشال الحسم الانتخابي في العام الأخير، بعد أن حاولت شلّ المرافق الحكومية في تشرين الثاني في العام الماضي، بات واضحا أن المعارضة تنتظر تدخلا إضافيا من الجيش.

وبذلك فإن "القمصان الصفر" يمثلون ائتلافا معارضا يتكون من الملك والجيش والقضاء والنخب في المركز. ويتهم هؤلاء النخب رئيسة الحكومة الحالية بالفساد على ضوء دعم الحكومة لمزارعي الأرز. ورفضوا التصالح عبر اقتراح قانون يمنح العفو لمشتبهين بالعنف بعد الانقلاب. كما يعتمد هذا الائتلاف على خطاب قومي شوفيني يستثمر فيه الازمة الحدودية مع كمبوديا والنزاع المسلح مع الانفصاليين المالاي في الجنوب لتأجيج المشاعر ضد الحكومة. وكل ذلك يؤدي الى تعزيز الخطاب الأمني.

ومثل نظيرتها المصرية، كانت المؤسسة الأمنية قد قمعت "القمصان الحمر" من مؤيدي الرئيس المخلوع عام ٢٠٠٦ وأغلقت إعلامهم وقد قام هؤلاء بالعديد من أعمال العنف. ومثل مصر قُتل العشرات من المتظاهرين خلال السنوات الأخيرة ولكن لحسن الحظ ما زالت أعداد القتلى في تايلندا أقل بكثير.

ولا شك أن موقف النخب القضائية يذكّر أيضا بما حصل في مصر: حيث كان بعض القضاة مثل المستشارة تهاني الجبالي ينسقون علنا مع الجيش ضد الحكومة المنتخبة. كما ألغت المحكمة الدستورية العليا قانون الانتخاب والبرلمان مما ساهم في تفاقم الأزمة السياسية.

بطبيعة الحال هناك العديد من الفروق بين الدولتين. ولكن هناك من التشابه الكافي لكي نحاول استخلاص بعض العبر. لا يوجد ملائكة وشياطين في مصر وتايلند ولكن توجد ديناميكيات مدمّرة ورهانات خاسرة. لا الحل العسكري ولا اللجوء الى القضاء والوثائق الدستورية سيفضي بالبلدين إلى برّ الأمان. وإذا كان الاستقطاب سببا للإنقلابات والثورات المضادة فإنها لا تؤدي إلا إلى مزيد من الاستقطاب. وإذا كانت تايلند وبعد ثمانية أعوام من الانقلاب العسكري لم تحظ بالاستقرار بعد، فإن المصريين واهمون إذا ظنوا أن نفس الطريق ستؤدي إلى نتائج أفضل.   

التعليقات