12/04/2014 - 15:12

الأمر بالمنع والنهي عن الفن../ عامر حليحل

نحن لن نصمت، فردة فعلنا ستكون مشابهة لفعلهم. سيمنعوننا، سنمنعهم. سيرفضوننا، سنرفضهم. سيكفروننا، سنكفّرهم. لن نسمح لهم بسلب حريتنا في التعبير والفن والثقافة والاختلاف مهما كلّف الثمن، سنحارب على أنفسنا وفننا وثقافتنا وأدبنا دون أي مهاودة وجبن. لن نقبل، لن نقبل، ولن نقبل، إنها حرب على الحياة والكرامة والحرية، وسنخوضها حتى لو بقينا وحدنا فيها

الأمر بالمنع والنهي عن الفن../ عامر حليحل

صدمنا الأسبوع الفائت خبران لا يمكن المرور عليهما مر الكرام، الأول هو تصدّي ثلّة من التكفيرين لعرض فرقة "وطن على وتر" في عكا ومنع الجمهور من دخول القاعة بحجّة أن العرض يسيء الى الإسلام لأن لدى الفرقة مقطعًا على اليوتيوب يعبّر عن خوف الشارع الفلسطيني من سيطرة الإخوان المسلمين على حياتنا. أما الخبر الثاني فهو منع عرض فيلم "المخلّص" الذي يروي سيرة حياة "المسيح" في سخنين تقريباً بنفس الحجة وهي أن الفيلم مخالف للرواية الإسلامية في هذا الموضوع.

لنعود إلى "وطن على وتر"، ولنفرض أن به إساءة، فمن قرر أن الإساءة للإخوان المسلمين والمتطرفين دينياً هي إساءة للإسلام؟ ومن قرر أن رجال الدين المسلمين، والذين يجرّدهم الإسلام نفسه من أي صفة تقديس أو رفعة عن باقي الناس، من قرر أنهم معصومون عن النقد؟ ولنفرض أن ما قدمه فريق "وطن على وتر" غير مقبول وغير منصف وغير محق، هل في هذا ما يكفي بأن تمنع عرضًا بالقوة وتجبر الناس على الرجوع الى بيوتهم وتصرخ في وجوههم أن "من يشاهد هذا العرض فهو خارج عن طاعة محمد"؟ هكذا! ببساطة!! خارج عن طاعة محمد! تخيفون الناس كي يتبعوكم، هذا ما تفعلونه، وهذا ما يقوله "وطن على وتر" بالحرف، إذاً لماذا الغضب؟ على ماذا تعترضون؟ أين الإساءة وأنتم تمارسون ما يدعونه عليكم، لتكذيب ما يدعونه؟ عجيب!

بالنسبة لفيلم "المخلّص"، لدي سؤال واحد فقط، ماذا لو جاء ثلّة عنصريين مسيحيين في أوروبا ومنعوا خطبة جمعة لأحد الشيوخ بحجة أنها منافية لتعاليمهم وروايتهم؟ كنتم أقمتم الدنيا ولم تقعدوها، كنتم لعبتم دور الضحية، وأن الحقد والكراهية تملآن قلوب الكفّار ضد المسلمين والإسلام.. هل أنتم على استعداد تقبّل مثل هذا الادعاء ضدكم بفعلتكم هذه؟

كنت سأحترمكم وأحترم موقفكم لو أنكم وقفتم خارج قاعات العرض، وأقمتم مظاهرة احتجاجية سلمية تشرحون بها للعالم قضيتكم دون أن تعطّلوا سير أحداث تختلفون معها. لكنكم لم تتركوا مكاناً للإحترام.

ما حصل في عكا وسخنين ومن قبلهما في باقة الغربية وغيرها من البلدان يتطلّب موقفاً فعلياً لا كلامياً من الأحزاب والحركات السياسية التي تعتبر نفسها ديمقراطية وتدافع عن الحريات. الحرية هي ليست فقط حرية الأرض والإنسان، إنما الأهم من ذلك حرية الفكر والتعبير. إذ ما الحكمة من تحرير البلاد ونحن مسجونون في أفكار ظلامية تعود بنا 500 عام الى الوراء؟ ما الحكمة أن تحرر أسيرًا فتخرجه الى عالم لا يستطيع أن يفكّر فيه بحريّة؟

لذا على الأحزاب أن تحمي الفن والثقافة، ليس هذا فقط، بل عليها أن تحمي حرية الفن والثقافة مهما كانت قاسية وغير مرضية لأي طرف كان، وهذا يبدأ بأن نرى قيادات هذا المجتمع في العروض التي تقام على مسارحنا دون أن يكون العرض مربوطاً بحدث وطني، إنما الحضور الى العروض من أجل العروض من أجل الفن. كما نريدكم أن تكونوا هناك لصد أي محاولة اعتداء على أي فنان أو إنسان يريد أن يمارس حياته بالشكل الذي يريده. والا فكل مشروعكم السياسي هو هباء. اذا كنتم تريدوننا في مهرجاناتكم السياسية وأمسياتكم الوطنية، نريدكم أن تحموا فكرنا، لا لأننا ضحايا، انما لأننا وجه هذا الشعب وصورته ومرآته ولسنا في خلفيته، نريد منكم أن تثبتوا صدق ادعاءاتكم.

ما حصل في عكا وسخنين وطرعان خطير، خطير بمعناه وفحواه وشكله، خطير لأن بعض الأشخاص يتخذون لأنفسهم موقع السلطة والآمر الناهي فقط لأنهم قرروا ذلك، خطير لأنه من السهولة أن يصبح عادة، خطير لأن السكوت عليه سيعزّزه ويثبته، خطير لأن من الآن فصاعداً يستطيع أي أحد إيقاف أي عرض أو فعالية لأنه قرر أن العرض مسيء لشيء ما أو لأحد ما، خطير لأنه يضعنا كشعب أمام واقع لا يقبل التعددية والإختلاف.

نحن لن نصمت، فردة فعلنا ستكون مشابهة لفعلهم. سيمنعوننا، سنمنعهم. سيرفضوننا، سنرفضهم. سيكفروننا، سنكفّرهم. لن نسمح لهم بسلب حريتنا في التعبير والفن والثقافة والاختلاف مهما كلّف الثمن، سنحارب على أنفسنا وفننا وثقافتنا وأدبنا دون أي مهاودة وجبن. لن نقبل، لن نقبل، ولن نقبل، إنها حرب على الحياة والكرامة والحرية، وسنخوضها حتى لو بقينا وحدنا فيها.
 

التعليقات