17/04/2014 - 13:37

التغريبة السورية بعيون فلسطينية../ أحمد عيساوي*

لا زال اليوم قسم من الفلسطينيين في الداخل والشتات على السواء (ليسوا بقلة) يصرّ على تمسّكه في بقاء النظام السوري، ويعيد هؤلاء تكرار رواية "النظام العربي الوحيد" و"اتفاقيات السلام" و"دعم المقاومة" و..و..أكثر من ذلك أصبح هؤلاء- في في صياغتهم لهذا المركّب الخطابي الفارغ المضمون يضيفون عبارات "محاربة الإرهاب"- يتقاطعون مع كلام مسؤولين غربيين وصنّاع قرار في دوائر حكومية اتخذت قرارت حرب مشينة باسم "محاربة الإرهاب" والدفاع عن القيم الحضارية والإنسانية

التغريبة السورية بعيون فلسطينية../ أحمد عيساوي*

في ما كانت قذائف الطائرات الحربية تضرب مخيم اليرموك في قلب دمشق الجنوبي في منتصف العام الماضي، كان هتاف "يلا ارحل يا بشار" يخترق مدينة رام الله. المدينة التي يطبق عليها الاحتلال الإسرائيلي عبر أجهزة السلطة الفلسطينية أبشع أنواع الحكم الأمني الذاتي سجّلت موقفا مؤيدا لحقوق الشعب السوري في الإنتفاضة بوجه النظام الحاكم، وسجّلت علاوة على ذلك موقفا مساندا للاجئين الفلسطينيين في اليرموك وحمص ودرعا وحلب. على الجانب الآخر كان فلسطينيون آخرون يستغلون مناسبات دينية وغير دينية لتمرير رسائل دعم واضحة لنظام الأسد، معبّرين عن وقوفهم الكامل مع السيادة السورية في وجه الإمبريالية والمشاريع الأميركية والصهيونية، التي تهدف إلى النيل من عروبة سوريا وممانعتها ومساندتها للمقاومة.

المشهد أعلاه يختصر الجدال في الشارع الفلسطيني، ولئن اختلفت حدّة الإنقسام بين مؤيدين فلسطينيين ومعارضين للنظام يبقى واضحا غياب أسلوب المحاججة عند الطرف المؤيد، فعدا عن لجوئه المستمر إلى التدليل على أهمية الحليف السوري من أجل استكمال معركة التحرير، يبدو جليًا غياب الإنسجام بين السردية الفلسطينية التاريخية وبين واقع القصة السورية التي تكاد لا تختلف عن سابقتها من حيث الفعل والنتيجة والهدف.

مع اندلاع الأحداث في سوريا، كان وسام أمين الغول من مخيم درعا أول شهيد فلسطيني يسقط في الثورة السورية في مارس 2011، برصاص الأمن أثناء نقله لاثنين من الجرحى السوريين إلى المستشفى، كذلك الشهيد موسي الطفورى من مخيم درعا وهو ثامن شهيد فلسطيني في الثورة السورية، سقط في 30 إبريل 2011 برصاص القناصة أثناء نقله لبعض المواد الغذائية والأدوية على دراجته النارية من المخيم إلى أهالي مدينة درعا أثناء حصارها من قبل قوات الأمن. منذ اليوم الأول كان شعار "فلسطيني وسوري واحد" يدوّي في كل مخيم في الشام حتى ولم يكن فلسطينيو المخيمات متحمسين لفكرة الإنتفاضة السورية، كان المدلول التاريخي كافيا لحث الذاكرة ودفعها نحو التعاضد مع المعاش السوري.

تعامل النظام مع الفلسطينيين كما تعامل مع الأقليات السورية وأوقعهم بين خيارين: إمّا ان تكونوا معنا، أو تتعرضون لنفس مصير السوريين الذي خرجوا يطالبون بالحرية.تجاهل النظام كثيرا أنّ الفلسطيني لم يخرج بملء ارادته من وطنه، فقد عمد أبناء المخيمات لسنوات خلت على التأكيد على أنّ قضية العودة حاضرة بقوة عبر إحياء ذكرى يوم الأرض ويوم النكبة والتذكير بقادتهم الشهداء والذي كان لمخيم اليرموك النصيب الأكبر في احتضانهم.

أحسّ الفلسطيني يوما بعد يوم أنّ ما تشهده سوريا المنتفضة لا يمثّل إلا طوق نجاة وفاتحة أمل ضيقة في زمن تشتّت به الاحلام وتقلّصت الأماني. وكان على الفلسطيني أن يسأل دوما "لماذا يلاحقنا الموت أينما حللنا؟ " . رأى أبناء المخيمات شعباً آخر يخرج من وطنه مرغماً، وشاهدوا عصابات تقتل وتذبح وتهجّر مواطنين عزّل رفعوا الورود وأغصان الزيتون لستة أشهر متتالية.

كانت الأحداث الممسرحة في سوريا الثائرة أكثر مماثلة، بالنسبة للفلسطينيين، مع ما عايشوه منذ ستة عقود وغدت الملحمة التي يكتبها السوريون تصويراً مستحدثا لواقع أليم لاحق اللاجئ الفلسطيني في كل أرض عربية.

لا زال اليوم قسم من الفلسطينيين في الداخل والشتات على السواء (ليسوا بقلة) يصرّ على تمسّكه في بقاء النظام السوري، ويعيد هؤلاء تكرار رواية "النظام العربي الوحيد" و"اتفاقيات السلام" و"دعم المقاومة" و..و..أكثر من ذلك أصبح هؤلاء- في في صياغتهم لهذا المركّب الخطابي الفارغ المضمون يضيفون عبارات "محاربة الإرهاب"- يتقاطعون مع كلام مسؤولين غربيين وصنّاع قرار في دوائر حكومية اتخذت قرارت حرب مشينة  باسم "محاربة الإرهاب" والدفاع عن القيم الحضارية والإنسانية.

ألا يخطر في بال هؤلاء من يساريين وعروبيين وقوميين ومهجوسي الأقليات السؤال عن قراءة مفيدة للعنصر البشري الموجود في الحكاية السورية ؟ هل يعرف هؤلاء أنّ "البرملة" التي انتهجها الصهاينة في سعيهم لإحتلال حيفا وصفد وبعض قرى الجليل يعاد تكرارها بشكل أقسى وأشدة ايلاما في حلب وادلب ودرعا؟

هل يجول في بال هؤلاء أنّ القياس الكميّ للإحتلال في سيطرته على الأرض (بعد طرد سكانها) وتجذّره يوميا عبر بناء المستوطنات، لا يختلف بتاتا عن خطة التهجير الطائفي التي تحصل في حمص بالقتل والتجويع والحصار والجدران البشرية التي تخرج لتمنع الإغاثة من الوصول إلى أحياء محاصرة؟

ألا يستحي فلسطينيو 48 ممن يستميتون بشكل غريب في الدفاع عن نظام الأسد من كونهم مواطنين عاديين يتمتعون بحق التصويت والتعلم والإستشفاء تحت سلطة محتلة غاصبة للأرض، بينما يرزح سوريون تحت القصف ويساق قسم كبير منهم ليقضي في سجون القتل والتعذيب كعقاب لمطالبتهم بالحصول على ما يتمتّع به هؤلاء من حقوق عادية في دولة المواطنة ؟

كيف ينظر الفلسطيني الذي فقد واحدا من أفراد عائلته أو أصدقائه- في حصار مخيمات لبنان أو في عمليات التصفية اليومية التي كانت تحصل تارة بحجة تجاوز الخطوط الحمراء وطورا باسم "العرفاتية"- إلى تجربة مكرورة في حاضر فلسطيني وسوري يتعرّض للإغتيال الإجتماعي في أقبية المخابرات؟

ألا يخجل الفلسطيني الذي يضع صورة أحمد سعدات أو مروان البرغوثي كصورة شخصية له على الفايسبوك من أن يقف متفرجا على استمرار اعتقال قلم فلسطيني حر ديمقراطي كعلي الشهابي ؟ ألا تهزّهم صور خالد بكراوي وأحمد كوسا وعمر عزيز وحسام الظفري وآخرين ممن قضوا تحت التعذيب ؟

بات من المستحيل اليوم فتح النقاش على مصراعيه في الشارع الفلسطيني، فبإصرار أصوات فلسطينية على تجويف المعنى الدلالي للقضية السورية كقضية إنسانية قبل كل شيء وردّها إلى معركة متقدمة في الصراع مع اسرائيل، وبالإصرار على التعامي عن تماثل التغريبة السورية مع الحالة الفلسطينية، أقلّه من حيث الثمن الذي تدفعه جرحى وشهداء ومعتقلين وأرضا محروقة مسلوبة من تاريخها وناسها،، يعود هؤلاء إلى إصابة القضية الفلسطينية بمقتل الحقيقة ويتم إنكار كل قيمة إنسانية حملتها بعيدا عن الحقل الهوياتي للعرق والدين والطائفة والقومية.

ما خبره الفلسطينيون لسنوات طويلة من قمم عربية فارغة واجتماعات عالمية شكلية وتباكي "المجتمع الدولي" وكذب منمّق لخطابات تعد بالحرية والكرامة والديقراطية وتخلف قيادة سياسية عقيمة عن شارعها وشعبها المنتفض، يعيد السوريون اليوم اختباره كشريط موثّق لماض مستعاد ويتّضح يوما بعد يوم أنّ القضية السورية -- بتعريتها لبنى وأشكال وتيارات قامت على ذاكرة مغموسة بالدماء لم تحمل يوما من القضية سوى "فرع فلسطين" ومذابح بحق أحفاد "أحمد الزعتر"- ستكون ميزان العدل الوحيد في حسابات الفلسطينيين قبل سواهم.

التعليقات