21/04/2014 - 11:40

أحزاب فلسطينيي الـ48 ومواجهة الأسرلة../ نزار السهلي

منذ مؤتمر مدريد، تستهدف المخططات الصهيونية لاقتلاع قضية فلسطينيي الداخل، وطمسها في برامج الاحتواء والتهميش الصهيوني، قضية الشعب الفلسطيني ككل، في حين يرى أصحاب السلطة الناشئة بعد "أوسلو" أن قضية عرب ال48 تخص الجانب الإسرائيلي الذي يرى أن الخطر المهدد "لدولته اليهودية" ينبع من السلة الفلسطينية، المكونة لكل الشعب الفلسطيني فوق أرضه، بإبقاء سيف التهم موجهاً لكل فلسطيني، باستنفار "النزعة المعادية لليهود" أمام القضاء الاستعماري

أحزاب فلسطينيي الـ48 ومواجهة الأسرلة../ نزار السهلي

على الرغم من الجدل الدائر والمستمر على طاولة المشرع "الإسرائيلي" لقضية سكان البلاد الأصليين في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، وتطلق عليهم الدوائر الصهيونية مسمى "الأقلية العربية"، فإن هذه القضية التي شكلت لب الصراع مع المشروع الصهيوني تبقى غائبة عن أجندات المفاوض والسياسي الفلسطيني، سوى في بياناتٍ رسمية واحتفاليةٍ، متصلة مع إحياء ذكرى كل من النكبة ويوم الأرض ومناسبات مماثلة. وليبقي التجاذب واضحاً وجلياً، فإن أحزاباً عربية في الداخل الفلسطيني تحاول التماهي مع سياسات السلطة الوطنية، وتشجعها على التفاوض مع إسرائيل بلا سقف زمني.

ومن المشكلات التي واجهت الأحزاب العربية داخل الخط الأخضر مسألة تحديد مضامين المفاهيم والمصطلحات، المستخدمة في إنتاج معرفة موضوعيةٍ بواقعها المعقد، عقب النكبة عام 1948 وقيام الدولة العبرية إلى نكسة حزيران 1967 التي مثلت جرس اليقظة لسكان/ أهل البلاد الأصليين، بالبحث عن سبل التصدي للواقع المفروض عليهم، وهو واقعٌ قام، أساساً، على رفض وجودهم، والعمل على تهميشهم وإلحاقهم بمن تم تشريده في النكبة الفلسطينية الكبرى. وتمثل الوجه الآخر لهذه السياسة في محاولة استثمار حقهم في الانتخاب، وتوجيه تصويتهم بما يخدم هيمنة الأحزاب الصهيونية على الهرم الحزبي السياسي الإسرائيلي. ومن أساليب اتبعت لتحقيق هذا الغرض العمل على تقسيمات الاحتلال المجتمع الفلسطيني، درزي، بدوي، مسيحي، وأحمدي، وبهائي، لمحو الشخصية العربية الفلسطينية. وقد أسهم، فيما بعد، حزب التجمع الوطني الديمقراطي وحركة أبناء البلد في دفن هذه التعريفات.

وقد نجمت عن التباين في مواقف الأحزاب العربية في المناطق المحتلة عام 48 اختلافات معينة في التعامل مع سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والتي عملت على إنتاج أزماتٍ مركبةٍ ومضاعفة، تستهدف وجودهم وهويتهم الوطنية والقومية، ودفعتهم إلى اتجاه مغاير، يناقض المشروع الصهيوني، ليثبتوا عقوداً عمق انتمائهم بالتصدي لمحاولات الطمس والتهميش والإذابة.

منذ مؤتمر مدريد، تستهدف المخططات الصهيونية لاقتلاع قضية فلسطينيي الداخل، وطمسها في برامج الاحتواء والتهميش الصهيوني، قضية الشعب الفلسطيني ككل، في حين يرى أصحاب السلطة الناشئة بعد "أوسلو" أن قضية عرب ال48 تخص الجانب الإسرائيلي الذي يرى أن الخطر المهدد "لدولته اليهودية" ينبع من السلة الفلسطينية، المكونة لكل الشعب الفلسطيني فوق أرضه، بإبقاء سيف التهم موجهاً لكل فلسطيني، باستنفار "النزعة المعادية لليهود" أمام القضاء الاستعماري.

وحملت مضامين هذه الخصوصية لعرب ال48 تناقضاً كبيراً مع المشروع الصهيوني،  والذي أفرزت إجراءاته القمعية تركيبةً اجتماعيةً معقدة، ظهر منها أفراد وأحزاب تحمل دعوات "الاندماج" و"الأسرلة" و "المساواة" داخل "المجتمع الإسرائيلي". ولعبت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الشيوعي الإسرائيلي دوراً كبيراً في إحداث تأثير على الوسط العربي في هذا المجال، من خلال تمحور برامجها الحزبية حول القضايا المطلبية اليومية والمعيشية، إلا أن الأغلبية الساحقة من فلسطينيي ال48 بقيت متمسكة بهويتها وانتمائها. وتلفت الانتباه، هنا، مواقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والتي كانت تتظاهر بالرفض إزاء ما يطلق عليها "الأقلية العربية" داخل الخط الأخضر، بالنسبة لقضية "المساواة"، لكنها، في الواقع، كانت تشجع تيارات داعية له، في إطار مخطط الاحتواء (كأقليات وليس ككتلة قومية)، مع مباركة وجود أحزاب ترفع شعارات مطلبية تتبع الأحزاب الصهيونية.

مبكراً، طرح حزب التجمع الوطني الديمقراطي مفهومه ورؤيته للمجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر، مغرداً خارج سرب الأحزاب التقليدية، وتلك الثنائية اليهودية العربية، ليكشف زيف الادعاء الصهيوني عن الديمقراطية والمساواة، وليفضح سياساته الرامية إلى إقامة " الدولة اليهودية". وقد ساهمت هذه العوامل في تقديم التيار الوطني الديمقراطي وحركة أبناء البلد مع القوى الأخرى، القريبة منه، أطروحات تميزت بالشجاعة، حاول بها، بصورةٍ جدية، رفع سقف النضال الوطني، بالانتقال من طرح القضايا المطلبية إلى محاولة تحقيق الذات القومية، من خلال نضاله لانتزاع اعتراف بالجماهير الفلسطينية داخل الخط الأخضر، كأقلية قومية في مواجهة الأسرلة.

برافر وبينت وليبرمان ونتنياهو معبرون صريحون عن مكنونات الفكر الصهيوني، في محاولات محاصرة الفكر الوطني الفلسطيني، رافض الأسرلة وتهميش الهوية الوطنية للفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وتقديمهم لقمةً سائغةً نحو الاندماج المشوه والهامشية، لكن هذه الاندفاعة لم تكن ذراعاً إسرائيلية فقط، بل وازتها سياسةٌ رسميةٌ فلسطينيةٌ وعربيةٌ ودوليةٌ، تحولت إلى مادة دعائية لتسويق "المفاوضات والسلام"، وكذلك تبدلات اجتماعية واقتصادية، طرأت على المجتمع الفلسطيني، مع ظهور طبقة وسطى تطالب بالتأقلم والاندماج مع الإسرائيلي، انطلاقا من مصلحتها.

ساهمت هذه العوامل في تقديم التيار الوطني الديمقراطي مع الأحزاب الأخرى، المنفلتة من عقال الأسرلة، طروحات تميزت بالشجاعة، واعتبرتها تمسيخاً لقضيتها الوطنية، وإخراجاً لها من دائرة الصراع، ما يفسر الهجمة الشرسة للمؤسسة الصهيونية في عشرات القوانين ضد عرب الداخل، وتظهيره نضالاً أبعد من المواطنة، ومؤسسات تقفز عن المساواة.
 

التعليقات