21/05/2014 - 11:04

النكبة والعودة والجيل القادم../ سليمان أبو إرشيد

جاؤوا ليقولوا من هنا بدأت المشكلة ومن هنا يبدأ الحل، من الـ 48، من الرقم الذي يحمل خمسة ملايين لاجئ هجروا من ديارهم، ومليون ونصف باق يعيشون غرباء في وطنهم. وبدون شك وبعد أن دمرت اسرائيل حل الدولتين، فإن الصراع مع هذا الجيل سيكون مفتوحا وشاملا على كامل مساحة الوطن

النكبة والعودة والجيل القادم../ سليمان أبو إرشيد

غداة توقيع اتفاق أوسلو، الذي أخرجنا رسميا من معادلة حل القضية الفلسطينية وفي ظل أجواء "السلام" المزعوم والمساواة الموهومة التي جلبتها حكومة رابين المدعومة بأصوات أعضاء الكنيست من الكتل العربية، حينها انتشرت، أو عادت الى الظهور بشكل متزايد، ظاهرة رفع أعلام إسرائيل على سيارات المواطنين العرب في ما يسمى بــ"عيد الاستقلال"، وساورنا الخوف من الانزلاق نحو مهاوي الأسرلة، في ظل ما بدا وكأنه صفقة إسرائيلية فلسطينية على مصيرنا، فمنظمة التحرير كانت تريدنا رأس جسر إسرائيلي للسلام الموعود، ورابين أرادنا دعامة لحكومته التي تفتقد إلى الأغلبية البرلمانية، وإسرائيل بمجملها تريد طي ملف الـ 48.

نستذكر ذلك بعد ما يزيد عن 20 عاما على أوسلو على وقع فشل المفاوضات الأخيرة، وعلى مشهد الأعلام الفسطينية التي لوحت بها أيدي أشبال وزهرات من أبناء وبنات شعبنا من نوافذ طابور السيارات الممتد من مفرق مسكنة الى مفرق لوبية المهجرة في يوم استقلالهم الـ 66 الذي هو يوم نكبتنا.

قبل 20 عاما تداعى أطراف الحركة الوطنية في الداخل لمواجهة نتائح أوسلو واسقاطاته على جماهيرنا، من خلال استنباط البرامج والآليات الكفيلة بتحصين جماهيرنا، وتمكينها من تجاوزهذه المرحلة، ودرء مخاطر الأسرلة الداهمة، التي بدت وكأنها الخيار الوحيد بعد إخراجنا من دائرة الفعل والحل الفلسطيني. ومن المفارقات أنه حتى أسرى 48 والذين اعتقلوا قبل أوسلو لم يتم الافراج عنهم ما يعني أن إخراجنا من دائرة الفعل والحل الفلسطيني تم بأثر رجعي.

لقد كان للدكتور عزمي بشارة شرف صياغة المشروع الاعتراضي، الذي وقف في مركزه الغاء يهودية الدولة، والاعتراف بحقوقنا الجماعية، وترجمتها من خلال شكل من أشكال الحكم الذاتي، وهو مشروع توحدت عليه الحركة الوطنية، وسرعان ما انتشر مثل النار في الهشيم، وأصبحت عبارات "دولة كل مواطنيها" والغاء يهودية الدولة تتردد على كل لسان، وتشكل جوابا قاطعا ومقنعا لدعوات الاندماج والأسرلة، حيث شكل هذا المشروع الذي تسلحت به جميع النخب السياسية والثقافية كاسر الأمواج الحصين في وجه تسونامي الأسرلة والاندماج على هامش الدولة الذي أحدثه زلزال أوسلو.

اليوم، بعد عشرين عاما، ترتفع الأعلام الفلسطينية على سيارات الفلسطينين على طرقات البلاد، وهم في طريقهم للاحتفال ليس بعيد الـ"استقلال" بل بذكرى النكبة في مفارقة ومشهد يثلج الصدور، ونرى ونسمع نتنياهو يرفع عقيرته ليطرح مشروع قانون "الدولة القومية اليهودية" في ظل واقع يتعزز فيه الوجود والفعل الوطني الفلسطيني قي الداخل واضعا العديد من علامات السؤال مشروع دولة اليهود الذي يشكل جوهر الفكرة الصهيونية.

الآلاف المؤلفة من الشباب والأطفال والنساء والرجال الذين قدموا إلى لوبية المهجرة ليعيدوها إلى خريطة الذاكرة بعد أن مسحتها العصابات الصهيونية عن الوجود، بحثوا عنها واستدلوا عليها في خريطة "المهجرين" ولم يجدوا إلا بعض آثار غطتها أشجار "الكيرن كييمت"، بيد أنهم جاؤوا من كافة بقاع الوطن معززين بقناعاتهم وروايتهم وهويتهم ورموزهم الوطنية الفلسطينية التي فشلت إسرائيل في تبديدها وطمسها.

              

فلسطين بكامل قامتها حضرت، على حد تعبير شاعرنا محمود درويش، ورفرفت أعلامها عاليا بأيدي أشبال وزهرات أشرعت من طابور السيارات الممتد من مفرق مسكنة الى أراضي لوبية المهجرة، في مشهد لا بد وأنه الرد الأبلغ على مشروع قانون دولة اليهود الذي بادر إليه نتنياهو.

نحن هنا، هنا وجدنا، هنا ولدنا وهنا سنبقى، قالتها الجموع الفلسطينية التي ملأت المكان، لسنا أفرادا ولا أقليات ولا أقلية أصلانية، وفق تعبيرات المجتمع المدني، بل نحن شعب رست جذوره قبل ميلاد الزمان، له خصائصه وأحلامه ورموزه، لسنا مارقين ولا عابري سبيل ولا غرباء تقطعت بنا السبل فوجدنا أنفسنا في هذا المكان، نحن أصحاب الحق وأصحاب الأرض وأصحاب الدار، وعلى الغرباء أن يختاروا بين قبول شروط الضيافة أو أبدية صفة الغرباء.

الآلاف المؤلفة من الفلسطينيين جاؤوا، بعد 66 عاما من النكبة، ليقولوا كلمة واحدة قالها غسان كنفاني قبل أربعين عاما، إذا كان هناك مدافعين فاشلين عن القضية فلا يعني أنه يجب تغيير القضية، جاؤوا مبشرين بجيل جديد من المدافعين، جيل منتصب القامة لا يعرف الخوف ولا المساومة، جيل ما بعد النكبة وما بعد الثورة، فهو متحرر من عقدة الخوف التي تركتها نكبة الجيل الأول، ومن اندفاعة "الشجاعة" التي خلقتها الثورة في نفوس الجيل الثاني، وهو جيل معافى ومعزز بالقيم الوطنية والإنسانية.

جاؤوا ليقولوا من هنا بدأت المشكلة ومن هنا يبدأ الحل، من الـ 48، من الرقم الذي يحمل خمسة ملايين لاجئ هجروا من ديارهم، ومليون ونصف باق يعيشون غرباء في وطنهم. وبدون شك وبعد أن دمرت اسرائيل حل الدولتين، فإن الصراع مع هذا الجيل سيكون مفتوحا وشاملا على كامل مساحة الوطن.
 

التعليقات