02/06/2014 - 13:55

المستقبل بيد الرئيس../ مصطفى إبراهيم*

فهو الملهم، ومن يفكر ويفصل ويقرر بدلا عنا، ويفعل ما يريد، ويدعنا نقول ما نريد، هو أدرى بفريقه ومستشاريه ووزرائه منا، فالرئيس لا يسمع نبض الشارع، ولا يقرأ الصحف ولا تقارير الأجهزة الأمنية التي تكتب له عن دبة النملة، أصر على أن يبقى رياض المالكي بجواره، وبقي وكأنه كاتم أسرار الملك

المستقبل بيد الرئيس../ مصطفى إبراهيم*

نحن لا نختار مستقبلنا، الموضوع أبسط من ذلك، لأن المستقبل لا نشارك في صناعته، المستقبل في يد الرئيس، فهو الملهم، ومن يفكر ويفصل ويقرر بدلا عنا، ويفعل ما يريد، ويدعنا نقول ما نريد، هو أدرى بفريقه ومستشاريه ووزرائه منا، فالرئيس لا يسمع نبض الشارع، ولا يقرأ الصحف ولا تقارير الأجهزة الأمنية التي تكتب له عن دبة النملة، أصر على أن يبقى رياض المالكي بجواره، وبقي وكأنه كاتم أسرار الملك.

الموضوع ببساطة ليس المالكي أو غيره، هو نظام قائم، فالرئيس يمنح العطايا للمقربين منه، والناس تعلم من هم هؤلاء فلا يخفى على الناس شيء، وإن صمتوا فذاكرتهم ما زالت حية، لا ينسوا وزراء عمروا في حكومة الانقسام واغتنوا، والرئيس مصر أن يبقي عليهم، ما يجري هو إهانة للناس وللقضية، والرئيس يناور للخروج من أزمته أمام إسرائيل، وقناعته المطلقة بالانتخابات والتنسيق الأمني المقدس.

والحكومة التي صاحبتها التسريبات والشائعات كانت مفاجأة المفاجآت، ولا علاقة لها بالتوافق الوطني كما يشاع ولا اجماع عليها، والشعب الفلسطيني لديه من الشخصيات والقدرات والكفاءات العالية التي تؤهل كثيرين ليكونوا وزراء، وتشكيلة الحكومة وتركيبتها جاءت بعد أن خضعت للتمحيص والتدقيق من اكثر من جهة عربية ودولية، حتى إلغاء وزارة الأسرى جاء بقرار من الخارج.

وببساطة فإن النتيجة الفشل لهذه الحكومة، فولادتها متعسرة لأن الاتفاق كان ودياً وإن بدا عدم التوافق على بعض الوزراء، وكأننا نشاهد مباراة كرة قدم ودية بين فريقين اتفقا على النتيجة مسبقا، والحكم تغاضى عن الأخطاء، وإن تدارك فريق أنها مباراة ودية فالمباراة كانت نتيجتها محسومة. الحديث لا يدور عن الهدف إنما عن الطريق وسرعة المضي نحو المستقبل، لذلك فإن المستقبل غامض، وقضيتنا ليست تشكيل حكومة فقط بل إعادة الاعتبار للقضية والمشروع الوطني، وإعادة بناء منظمة التحرير كي تكون قادرة على تمثيل الكل الفلسطيني.

الزمن يتغير ويتطور، ونحن كما نحن مكانك سر، والادعاء بتحقيق إنجازات هو قفز في الهواء، بالنسبة لي ولغيري كنت، وما زلت، اعتبر أن السلطة جاءت لتكون بديلا عن منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وأنها ليست مؤسسة فارغة المضمون يتم استغلالها والاستفراد فيها، وأنها ليست ملكية للرئيس وتنظيمه بل هي ملك للشعب، وبنيت بتضحيات ودماء الشهداء والأسرى المنسيين الآن.

لا مجال إذًا للمزايدات وللمواقف السياسية، ومشاحنات إعلامية تخلط الأمور، فعندما يطالب الناس بإتمام المصالحة وتشكيل الحكومة فيهم يطالبون بإنهاء الانقسام بكل أشكاله، نطالب بإعادة بناء منظمة التحرير لتكون ممثلا حقيقيا للشعب الفلسطيني، وبناء إستراتيجية وطنية يشارك فيها الكل الفلسطيني، بعيداً عن الاستفراد هذا يعني انتصارا للقضية والوطن وتحديد المفاهيم والأولويات، وأن تكون منظمة التحرير ومؤسساتها خالية من الفساد والمحسوبية في التعيينات، والعاملون فيها يكونون أكثر تدريبا وتأهيلاً وتطوراً، وارتباطا بأحدث المفاهيم في التعامل مع العالم، من خلال تركيزها في البعثات الدبلوماسية، وفهم طبيعة المرحلة.

من المحزن التضحية بمنظمة التحرير لأجل سلطة بائسة، الغرض منها حماية إسرائيل ومصالح حفنة من المسؤولين فيها، الرئيس وبدلا من أن يلتقي الصحافيين الفلسطينيين ويسمع منهم ويقول لهم ما يدور، يخصص لقاء منفرداُ مع صحافي يعمل في موقع إلكتروني، و بدل أن يدير نقاشا مع الشعب الفلسطيني يدير نقاشا مع مجموعات من الإسرائيليين لا يؤثرون ولا يتأثرون، ويأتون الى رام لله للنزهة و التصوير والثرثرة.

كنت أتمنى أن يقوم الرئيس بدوره كقائد للشعب يحترم إرادته ويسمع انتقاداته، ويعمل على إنهاء الانقسام وليس فقط تشكيل حكومة لإدارة الانقسام، ومن دون أن يشوه صورة نضالنا وتضحياتنا، الصورة التي وصل إليها باعتباره رئيساً لمنظمة التحرير وقائدا للثورة الفلسطينية ولأعدل قضية في الكون، يسمع الناس ويحترم إرادتهم.

ضجيج الحكومة والهروب من الأزمة بخلق أزمات جديدة يعمق الانقسام، وعدم الإجابة على الأسئلة يزيد الهوة، وطبيعة موجات الدعاية التي كانت سائدة وما زالت عادة ما تسيطر على أي تفكير عقلاني، فالكل مشغول بالحكومة وحساب المواقف بطريقة حادة، لكن في كل الأحوال يجب ألا نعالج الخطأ بخطيئة.

المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، ويستحيل أن ينجزها الرئيس وحده، لأننا أمام مشروع وطني واحتلال عنصري يفرض كل يوم وقائع على الأرض ويتنكر لحقوقنا، مشروعنا يحتاج إلى كل القوى وإلى كل المنابر، وآلية للتواصل بين الناس وصناع القرار، بحيث لا نعود مجددا إلى فخ الانقسام والانقلابات والأبواب المغلقة، أو نستسهل لغة و سياسة التحريض، وتبقى الوصاية على الشعب وكأنه قاصر ومن دون ممثلين شرعيين فهذه ستكون وصمة تلاحقنا.

لذلك يبقى السؤال: كيف يمكن أن نحافظ على قضيتنا، وأن نوفر الكرامة والعيش الكريم للناس في ظل الاحتلال والحصار والفقر والبطالة؟ كيف يمكن أن نتحرر من لعنة الاستفراد والمحاصصة وغياب الشراكة، ونحن بين فكي المستقبل والاحتلال والأمر الواقع؟

إننا لن نتحرر من كل ذلك، إلا إذا تجاوزنا المحاصصة وإدارة الانقسام بدلا من إنهائه بشكل جذري وحقيقي، وعدنا إلى التخاطب بلغة العقل والحوار بين الكل الفلسطيني، وروح التوافق، من دون أن نسمح لأحد بالوصاية علينا، ونحن نستطيع إذا أدركنا أن الاحتلال ما زال جاثماً وترعبه فكرة إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة.
 

التعليقات