06/06/2014 - 21:56

الانتخابات والمصالحة: خطوتا حماس إلى الوراء../ عباد يحيى

ولذلك تبدو سياسة حماس الداخلية اليوم تخدم رؤيتها وسعيها إلى تحقيق مقصدها الأهم من مشاركتها في انتخابات 2006، أي الحفاظ على السلاح، عبر اتفاق المصالحة، حتى لا يضيرها إجراء الانتخابات بعد ذلك، ولا يؤثر على مكتسباتها البنيوية في قطاع غزة حجم التمثيل الذي ستحظى به في المجلس التشريعي أو تشكيلة الحكومة، مع ترسّخ واقع موضوعي تقرّ به فتح على الأقل مرحليا، يجعل من السلطة في غزة سلطة حمساوية (بمصالحها كتنظيم ومؤسسات) بصرف النظر عن نتائج الانتخابات، أو ولاءات الحكومات القادمة وتشكيلاته

الانتخابات والمصالحة: خطوتا حماس إلى الوراء../ عباد يحيى

منذ توقيع اتفاق المصالحة الأخير في مخيم الشاطئ وحتى أداء حكومة الوفاق الوطني لليمين الدستورية في مقر المقاطعة في رام الله، انشغلت المقاربات والتحليلات التي تناولت اتفاق المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس في البحث عن الأسباب التي جعلت هذا الاتفاق ممكنا في هذه الفترة بخلاف المحاولات العديدة لإنجازه في الماضي، واحتل النقاش حول المآزق التي يعيشها طرفا المصالحة مؤخرا، ودورها في الدفع نحو توقيع اتفاق يخفف من وطأة المآزق المستحكمة مجمل تناول المصالحة وتوقيتها، وكانت صورة "مصالحة المضطرين" هي الغالبة.

ومع وجاهة التحليلات التي رأت أن حماس ومع الإطاحة بحكم الإخوان في مصر والتضييق على مصادرها المالية أو تقلّص بعضها بسبب مواقفها السياسية في الفترة الأخيرة وتشديد الحصار على القطاع؛ باتت بحاجة لتقاسم العبء المعيشي والمالي في غزة مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح في الضفة، وأن فتح وقيادة السلطة في ظل تحوّل المفوضات إلى دوامة دون توفر ولو بوادر تقدم أو ضغط أمريكي على إسرائيل، باتت بحاجة للتحرك داخليا في سبيل تدعيم مواقفها وشرعيتها شعبيا والضغط بطريقة أو بأخرى على الإدارة الأمريكية وإسرائيل، إلا أن الوصول لتوقيع اتفاق المصلحة بحد ذاته ارتبط بتغير أو زحزحة في مواقف حماس من إجراء الانتخابات وموقف فتح من سلاح حماس في غزة.

إن محاولة النظر إلى المصالحة من داخلها، وفي ضوء تاريخ جولاتها الطويل المتعثر، يظهر أن الاختلاف في هذه المرة كان بسبب تغير موقف حماس من إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بعد أن كانت حماس ترفض إصرار فتح على إجراء الانتخابات كبند أول في أي اتفاق مصالحة، ولعل النظر إلى مسار السنوات الماضية مع التركيز على العام 2006 واللحظة الراهنة، قد يفصح عن الكثير من التغير في رؤية حماس للانتخابات على وقع متغيرات داخلية وإقليمية، ويمكن القول إن الحركة ترجع إلى الخلف بضع خطوات لتقييم موقعها وموقفها.

2006 انتخابات لحفظ المكتسبات.. والسلاح

في عام 2006 حين قررت حماس خوض الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، استحوذت قضايا محددة على النقاش الداخلي في الحركة وخارجها، وكان محورها التساؤل عن الأسباب التي دفعت حماس لخوض الانتخابات بعد أن قاطعت نسختها الأولى، واعتبرتها قائمة تحت سقف اتفاقية أوسلو التي ترفضها حماس، وبلغ الأمر في حالات متفرقة لإطلاق فتاوى بتحريم المشاركة في الانتخابات واعتبار أي انتخابات تحت الاحتلال باطلة وغيرها من مبررات مقاطعة الانتخابات ورفضها.

وعلى الرغم من أن حماس ساقت الكثير من تبريرات المشاركة في انتخابات 2006 إلا أن قضية "الحفاظ على سلاح المقاومة" كانت مادة رئيسية في خطاب حماس لجمهورها، وكان الطرح حينها يقول إن حماس ستشارك في الانتخابات حتى لا يمرر المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب في حال عدم مشاركتها، أي قوانين أو قرارات تتصادم مع مشروع المقاومة أو تهدد سلاحه. وبلغة أخرى كانت حماس تريد أن تضفي على سلاحها شرعية انتخابية إلى جانب شرعيته النضالية. ويمكن بسهولة التقاط كيف كان منطق حزب الله يجري في الدعاية الانتخابية لحماس، ويبدو نموذج مشاركته السياسية هو الصورة التي تغزل حماس على منوالها في انتخابات 2006.

إلا أن نتائج الانتخابات حققت نجاحا يؤهل حماس لما يتجاوز مجرد تعطيل أي دور مناهض لسلاح حماس ومشروعها المقاوم قد يقوم به المجلس التشريعي المنتخب، وكان اكتساحها لمقاعد المجلس التشريعي مربكا إلى حد بعيد، لا سيما في ظل اقتناع فتح أن خسارتها جاءت في جزء كبير منها لأنها كانت هي السلطة في واقع متعثر، فدعت حماسُ لتشكيل حكومة وطنية مستجيبة للكثير من الآراء التي رأت في استفرادها بتشكيل الحكومة فاتحة لمآزق عديدة لن تستطيع حماس مواجهتها وحيدة، إلا أن الفصائل لم تستجب لدعوات حماس وأرادت فتح أن تمضي حماس إلى تشكيل حكومتها وحيدة، وأعدت فتح نفسها وقواعدها لضغط شعبي على حماس التي شكلت الحكومة من خلال إضرابات واسعة ومظاهرات واحتجاجات على انقطاع الرواتب.

وكما هو معروف عانت حماس من حصار مالي خانق وتوقف كامل للمساعدات بسبب موقفها الرافض لما سمي حينها "الاعتراف بإسرائيل" ما جعلها غير قادرة على إدارة الحكومة، رافق ذلك تناوش بين حماس والأجهزة الأمنية التي ظلت تتحرك بمعزل عن الحكومة ووزير الداخلية، ما قاد إلى فصل المواجهة المفتوحة بين الوحدات الأمنية التي استحدثتها حماس والأجهزة الأمنية، ثم تفجرت الأوضاع الميدانية وصولا إلى السيطرة على القطاع وإقالة أبو مازن لحكومة حماس. ومما لا شك فيه أن أحد أهم الاستخلاصات التي خرجت بها حماس من تلك المرحلة أن تشكيلها للحكومة منفردة كان خاطئا، في حين اعتبرت حماية سلاحها خطا أحمر دفعت في سبيله الكثير وصولا إلى إحكام السيطرة على القطاع بأي ثمن.

في المرحلة بين 2006 وحتى اندلاع الربيع العربي، كانت حماس تدفع وتندفع إلى خيارات متطرفة تجاه تعزيز مواقعها ومكتسباتها في قطاع غزة في ظل تأكيد على شرعيتها الانتخابية التي لم تكن مجسدة على الأرض في الضفة في ظل وجود حكومة للضفة، واعتقال إسرائيل للغالبية العظمى من نوابها ووزرائها، وبدت في تلك الفترة حالة الانقسام مستحكمة ولا بوادر لتغييرها في ظل اكتفاء حكومة فتح بتسيير أمور الضفة وانشغال حكومة حماس بتسيير أمور غزة.

مآل التعويل على الشرعية الانتخابية

مع اندلاع الربيع العربي ولا سيما في مصر، بدأت المنطقة العربية مفتوحة على تغيرات عدة وموازين قوى مختلفة، وهذا ما دفع الطرفين إلى تأجيل ملف المصالحة حتى تتضح خريطة القوى المحيطة، وفي حين انحازت السلطة بقيادة أبو مازن للنظم القائمة، أبدت حماس ترقبا ممزوجا بتفاؤل حيال القادم، وشكّل وصول الإخوان إلى الحكم في تونس ومصر بعد فوزهم في الانتخابات البرلمانية وفوز مرسي بالرئاسة المصرية دافعا قويا لحماس لطرح شروطها والتشدد في مواقفها تجاه بنود المصالحة، كونها تعيش مرحلة تقدم غير مسبوق لحلفائها، وارتفعت صوت حماس مطالبا بإنهاء الانقسام ولكن دون أي اختراق في الملفات المختلف عليها.

ومع فوز الإخوان في الانتخابات المصرية كررت أصوات مختلفة داخل التنظيم وحوله دعوة الإخوان لدراسة تجربة حماس في الحكم، إلا أن الإخوان في مصر، كما حماس في 2006، كانوا مدفوعين بالفوز الذي حققوه، وسارعوا إلى تشكيل حكومة عانت من تبعات شبيهة لتسلم حماس الحكومة بعد فوزها، وتجسد الأمر في مؤسسات دولة عميقة غير متجاوبة من تصورات وبرامج الحكومة، ووزارة داخلية تعمل بمعزل عن الحكومة والرئاسة. بالإضافة إلى ضغط شعبي عنوانه الأوضاع المعيشية المزرية (انقطاع الكهرباء مثلا)، هذا بمعزل عن الاضطراب الأمني والسياسي في مرحلة التغير الثوري في مصر، ما قاد في نهاية المطاف إلى إطاحة قوى الثورة المضادة بأول رئيس مدني منتخب بعد الثورة، وشن حملات واسعة من تقويض حركة الإخوان وصلت حد إعلانها جماعة إرهابية.

المصالحة كمخرج طوارئ

ويمكن القول إن ما حدث بعد الانقلاب على حكم الإخوان في مصر شكّل الفصل الثاني من تجربة حماس في المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وقاد إلى ترسخ القناعة لدى قيادة حماس أن ممارسة السلطة عبر الشرعية الانتخابية ليست هي الحل الأمثل لتعزيز المكتسبات أو الحفاظ عليها، خاصة ضمن شروط موضوعية تفيد بسيطرة "الخصوم" على مؤسسات السلطة والحكم والأذرع الأمنية التنفيذية.

وعلى الرغم من عدم توفر مراجعات سياسية معلنة تقول صراحة بتغيّر في تقدير حماس لطبيعة مشاركتها السياسية إلا أن الوصول إلى اتفاق المصالحة في هذه المرحلة، وتشكيل الحكومة بصبغة فتحاوية، وسيطرة واضحة لمحمود عباس عليها ودون أي تشدد في حيثيات تشكيلها؛ يعبر بوضوح عن حصول تلك المراجعات أو إعادة التموضع بتعبير آخر، أو على الأقل إعادة النظر في التمسك بالسلطة كجسم إداري متضخّم بموارد مالية شحيحة وشبه منعدمة.

ولذلك تبدو سياسة حماس الداخلية اليوم تخدم رؤيتها وسعيها إلى تحقيق مقصدها الأهم من مشاركتها في انتخابات 2006، أي الحفاظ على السلاح، عبر اتفاق المصالحة، حتى لا يضيرها إجراء الانتخابات بعد ذلك، ولا يؤثر على مكتسباتها البنيوية في قطاع غزة حجم التمثيل الذي ستحظى به في المجلس التشريعي أو تشكيلة الحكومة، مع ترسّخ واقع موضوعي تقرّ به فتح على الأقل مرحليا، يجعل من السلطة في غزة سلطة حمساوية (بمصالحها كتنظيم ومؤسسات) بصرف النظر عن نتائج الانتخابات، أو ولاءات الحكومات القادمة وتشكيلاتها.
 

التعليقات