09/06/2014 - 00:53

المسؤولية المجتمعية ووسائل الإعلام المحلية/ علاء محاجنة

أنهكتنا التناقضات، فها نحن في الداخل الفلسطيني، على بعد نيف من العقد السابع، وما زلنا نتحدى ونكافح، لننجح تارةً ونفشل أخرى في البقاء وفي التفاعل وفي الحياة كمجتمع موحد سليم، في ظل واقع تحكمه العقلية الأمنية والبوليسية في التعامل مع كافة المجالات والقضايا، وخصوصًا السياسية منها. ولم تأل المؤسسة الإسرائيلية جهدًا من خلال أذرعها العديدة من أن تقتنص الفرص خلال العقود المتوالية لتوسع الهوة بين هويتنا الواحدة الغنية بالاختلافات العقائدية والثقافية وحتى الطبقية.

المسؤولية المجتمعية ووسائل الإعلام المحلية/ علاء محاجنة

أنهكتنا التناقضات، فها نحن في الداخل الفلسطيني، على بعد نيف من العقد السابع، وما زلنا نتحدى ونكافح، لننجح تارةً ونفشل أخرى في البقاء وفي التفاعل وفي الحياة كمجتمع موحد سليم، في ظل واقع تحكمه العقلية الأمنية والبوليسية في التعامل مع كافة المجالات والقضايا، وخصوصًا السياسية منها. ولم تأل المؤسسة الإسرائيلية جهدًا من خلال أذرعها العديدة من أن تقتنص الفرص خلال العقود المتوالية  لتوسع الهوة بين هويتنا الواحدة الغنية بالاختلافات العقائدية والثقافية وحتى الطبقية.

أرهقتنا التناقضات، فها نحن نمضي وقتنا بجلد الذات والتشكيك بمن نكون، فتارة باسم الدين وأخرى بسيف التخوين والعمالة. ألا يكفي كل ما تقوم به أجهزة الدولة تجاهنا، لنساهم نحن في تشويه وعينا، وكيف وصل بنا الأمر إلى أن نستسهل تحقير كل ما لدينا من قيم وأفكار ورموز. هل هي عقلية المهزوم أم أن في ذلك تعميم شامل على كل المجتمع. وربما أن المشكلة في النخب أو أصحاب وسائل الانتاج المادي والثقافي والسياسي، حتى بتنا نتقبل انتهاك حرمات الآخرين والتحقير من أجل مصلحة  مادية أو ثأر شخصي أو قبلي، أو غير ذلك. أم ذلك ليس سوى عملية جماعية لجلد الذات  الذي تحدثه سيكولوجيتنا الجمعية. كل هذه التناقضات أفقدتنا ما أسمه المسؤولية المجتمعية.

ولربما يكون مجال العمل الإعلامي والصحافي في مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل هو أحد الأمثلة الأوضح عن غياب المسؤولية المجتمعية وتفشي المصالح الضيقة العابرة، وتناقضاتنا المترسخة بين مطرقة نهش السلطات وسندان جلد الذات.

قبل نحو شهر شاركت بمؤتمر الإعلاميين العرب الثالث في الناصرة، و تطرقت في السياق إلى المعيقات والقيود القانونية المفروضة على العمل الصحافي والإعلامي في الواقع الإسرائيلي، ونالت قضية التقييدات التي يفرضها القانون الإسرائيلي، خاصة تلك المتعلقة بالرقابة العسكرية أو  أوامر منع النشر، حيزاً كبيراً من  المداخلة،  لا سيما ونحن نعيش في ظل واقع تحكمه العقلية الأمنية والعسكرية، ومن ضمنها التقييدات على حرية الصحافة. لكن تعمدت في تلك المشاركة التطرق بتوسع إلى المعيقات القانونية المترتبة على العمل الصحافي من خلال استعراض حالات استغل فيها أفراد قانون  القذف والتشهير ليس بهدف الحفاظ على النزاهة المهنية أو تحقيق العدل، وإنما كأداة ملاحقة وتضييق على العاملين في الصحافة وخصوصاً المس في  حرية التعبير السياسي.

يعتبر موضوع القذف والتشهير في القانون الإسرائيلي موضوعًا شائكًا، لا سيما وأنه يضيف تقييداً آخر على حرية التعبير والصحافة. فهو يتيح الإمكانية أمام أي شخص يرى أنه تعرض للاساءة أو الإذلال أوالإحراج أو التحقير بين الناس، أو الإساءة له أو لعمله نتيجة نشر معين، من تقديم دعوى مدنية في المحاكم ضد من قام بالنشر أو من يقف خلفه (من ضمنها وسيلة الاعلام التي تم النشر من خلالها). ويفوض القانون أيضا المحاكم إلزام المدعى عليه بدفع تعويضات حتى 50 ألف شيكل دون إثبات أي ضرر لحق بالمدعي.  طبعا هذا بالاضافة لأي ضرر يتم اثباته من خلال الدعوى. في مداخلتي نوهت إلى الخطورة الكامنة نتيجة استعمال القانون بيد من "تطال يده" كوسيلة للحد من التعبير السياسي وتقييد العمل الصحافي وترهيب وسائل الإعلام من خلال التلويح أو تقديم دعاوى قضائية.

في سياق استعمال قانون القذف والتشهير كوسيلة تهدف لكم الأفواه والحد من التعبير عن الرأي السياسي، وخاصة تلك المواضيع الخلافية مع المؤسسة الإسرائيلية، ذكرت بالقضية التي تقدم بها جبرائيل نداف ضد عدة وسائل إعلام وصحف عربية محلية، والتي أقوم بالتعاون مع مركز إعلام بتمثيلها أمام المحكمة في هذه الأيام. يدعي نداف من خلال هذه القضية أن وسائل الإعلام المدعى عليها "حقرته" و"أضرت باسمه" بين الناس من خلال النشر المتعلق بوقوفه خلف حملة تجنييد الفلسطينيين المسيحيين لجيش الاحتلال الإسرائيلي. تعتبر هذه القضية مثالا حيا على خطورة استعمال القانون بهدف تقييد حرية الرأي والتعبير بالنسبة لمواضيع سياسية مثل قضية تجنييد الفلسطينيين المسيحيين للجيش، وهي حملة ترعاها الحكومة الإسرائيلية بشكل منظم وممنهج من خلال أشخاص بقيادة نداف. تم استغلال قانون القذف والتشهير مع توفر الامكانيات المادية، لرفع قضية ضد وسائل اعلام عربية محلية وضد اعلاميين عرب بارزين لاجبارهم على الامتناع عن نشر رأيهم فيما يتعلق بالمخطط السلطوي لتجنييد الفلسطينيين المسيجيين للجيش وعن دور نداف الفعال بهذا المشروع.

وهنا يكمن التناقض، حيث يستقوي المروجون لخدمة المؤسسة العسكرية بهذا القانون ضد الإعلام العربي الحزبي والوطني، فيما يتم رمي  هذا "السوط" وتجاهله في التعامل مع وسائل الإعلام المملوكة لرؤوس أموال خاصة، أي غير الحزبية،  وذلك لأسباب غير معلنة لكن دوافعها واضحة، وهي إما رضوخ أو تهادن هذه الوسائل مع ضغوطات المؤسسة الحاكمة أو لأنها تتجنب مواجهة هؤلاء من خلال رفض النشر والتحقيق في ممارستهم. لكن ما هو واضح أن التجاهل وانعدام رادع قانوني فعال، يجعل إمكانية التشهير بحق شخصيات ورموز فكرية وسياسية وطنية لقمة سائغة وتخدم أجندات شخصية لصالح مالكي وسائل الإعلام ذاتها.

وإن ما نشره موقع " العرب" موخرا من تصريحات واهية لمحام من الشمال عن الدكتور عزمي بشارة هي خير دليل لهذا الواقع المتناقض، التشهير بالوطنيين وتجنب أزلام السلطة، وهو لا يقل خطورة على العمل الصحافي من تقديم دعاوى ضد وسائل الاعلام العربية بحجة القذف من قبل نداف.    النشر المذكور، وحتى لو كان عن طريق شخص مغمور، ومهاجمة شخصية سياسية وفكرية بارزة من خلال وسيلة إعلام عربية محلية بناء على مواقفها السياسية المعلنة من قضايا خلافية، هو أمر خطير لأنه نابع بالاساس من استغلال عدم قدرة  هذه الشخصية  الدفاع عن نفسها أمام هذا النشر إما لترفعها عن الرد على هذا الاعاءات التي أكثر ما يمكن وصفها به بأنها واهية وعارية عن الصحة، أو لعدم قدرتها القيام بذلك أسباب قسرية فرضها الواقع.

يتعارض هذا النهج الصحافي مع أخلاقيات المهنة وأصولها وهو يضر بشكل كبير بدور الصحافة والإعلام في تمكين والدفاع عن حرية التعبير عن الرأي ويخلق فراغا جديدا في قدرتنا في توفير المسؤولية المجتمعية وصياغة الخطاب المسؤول لمجتمعنا الفلسطيني، نحن بأمس الحاجة إليه في مواجهة كل الضغوطات والتناقضات والتحديات المتفاقمة أمام صمودنا وهويتنا بالداخل.

ولربما يستحضرني نهاية صوت مظفر النواب - أبو عادل:
قتلتنا الردة
قتلتنا ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده
هل عرب انتم؟؟
والله انا في شك من بغداد الى جدة!  

التعليقات