11/06/2014 - 13:10

أن تكون تجمعياً في أيامنا../ ممدوح كامل إغبارية

أكد التجمع على هوية قومية نقدية لإخفاقات الحركة القومية العربية، وأصر على المناداة بموقف لا يهادن الأنظمة السلطوية العربية

أن تكون تجمعياً في أيامنا../ ممدوح كامل إغبارية

آمن مؤسسو التجمع الوطني الديمقراطي منذ أوائل التسعينيات وخصوصا بعد منعطف أوسلو الكارثي بأن الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني تمرُّ بتحولات عميقة بفعل عوامل داخلية وخارجية. آمنا خلال مرحلة البناء أن الحركة الوطنية لا تملك ترف الاستغناء عن جهود أحد من أبنائها، ولا تستطيع إهمال رأي فريق منهم. وقلنا مرارا وما زلنا نردد أن اختلافاتنا واختلافنا مكمن قوة للحركة الوطنية التي ستكون حتما أقوى عزما وأعظم شأنا عندما تتضافر وتنتظم جهود أبنائها في مشروع وطني جامع رغم تتعدد اجتهاداتهم وتصوراتهم.

يدفع التجمع عن سبق إصرار ثمن التزامه بخطابه الوطني الديمقراطي، ودفاعه عن مشروعية الهوية القوميه للمجتمع الفلسطيني، وحقه بالتعبير الفعلي عنها إلى جانب نضاله من أجل إحراز مواطنة كاملة ونافية للمشروع الصهيوني وسيطرة الطابع اليهودي على الدولة. للتذكير، اعتمد خطاب التجمع على ركيزتين: هوية قومية ومواطنة كاملة.

أكد التجمع على هوية قومية نقدية لإخفاقات الحركة القومية العربية، وأصر على المناداة بموقف لا يهادن الأنظمة السلطوية العربية. كما أكد على أن إطلاق الحريات العامة وتحقيق الإصلاح السياسي من شأنهما أن يزيدا قوة المجتمعات العربيه في سعيها نحو استحقاقات الحرية والديمقراطية والمواطنة الكريمة، وفي مواجهة محاولات الهيمنة الأجنبية على مقدرات الشعوب والأوطان. آمن التجمع أن إطلاق الحريات يدعم الاستقرار ويحمي المجتمع من التفسخ والشرذمة.

مشروع المواطنة الكاملة هو بوصلة ديمقراطية ومشروع صدامي يفضح عنصرية إسرائيل في الداخل، ويعيد الصراع إلى أصوله الحقيقية الكامنة أساساً في جوهر الفكرة الصهيونية، وهو جوهر لا يتعايش مع المساواة، وبالتالي فإن هذا المشروع هو فعل مناهض للصهيونية من حيث أن دولة اسرائيل هي تجسيد للفكر الصهيوني تتناقض جوهريا ووجوديا مع فكر المواطنة الكاملة الذي يحمل وحمل لواءه التجمع على المستوى المحلي وفي الوطن العربي.

يعيدني الرفاق الذين استقالوا من التجمع لانزياحه عن "الخط القومي"، حسب ادعائهم، إلى البدايات في تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي. نحن فعلا كما تقول القيادات وجاء في مؤتمرات التجمع خلقنا كتيار قومي ديمقراطي من رحم الناصرية، وما زلت ورفاق كثر معي نعلق صور عبد الناصر في غرفنا وفي مواقعنا. لكن ما ميّز التجمع الوطني الديمقراطي أنه نزع حالة التقديس عن ماضي التيار القومي، واستطاع بشجاعة أن ينتقد في الوطن العربي ذلك التعارض الجلي بين فهمين أو ثقافتين؛ ثقافة الدولة والمؤسسات التي تتطلب عملاً ديمقراطيا منظماً وجماعياً بمشاركة الجميع ولصالح الجميع، وثقافة البطولات الفردية الخارقة، حيث ينتظر الجميع مجيء ذلك "المستبد العادل" والمخلص –المنقذ بصورة "بشار الأسد" أو "السيسي"من أجل رفع الجور والظلم عن العباد والبلاد.

لم تستسغ كوادر التجمع الوطني الديمقراطي موقف يسار قومي ديمقراطي يدافع عن الديكتاتوريات العسكرية في مصر وسوريا ضد رغبة الشعوب بالديمقراطية باسم "الخوف من التدخل الأجنبي" و"العدو الامريكي" و" أصابع الكيان الصهيوني". ولا يستطيع أحد أن يحرف التجمع عن رؤيته الإنسانية، إذ ليس من تسام أعلى من الدفاع عن وجود البشر، ولا يجوز بأي شكل ولا من أي مبرر أن يقتل الناس لأنهم يرفضون السلطة السياسية ويريدون تغييرها. هذا وقد عبر مؤسس التجمع د.عزمي بشارة في أكثر من مناسبة عما يجيش في صدور كوادر التجمع التي تربت على القومية المنفتحة، مشددا على ضرورة تطبيق الديمقراطية بمعناها العميق واعتماد مبادئ المواطنة الحديثة والقائمة على أولوية احترام حقوق الإنسان والمجموعات وتبني التعددية والإقرار بمبدأ تداول السلطة وليس احتكارها وتوريثها. محليا، أكدت قيادات الحزب على أن التجمع وكوادره فعلا يتطلعون لرؤية تغيير ديمقراطي حقيقي في العالم العربي (مش انتخابات مفبركة تقام على دم الشهداء). وأوضحت في أكثر من موقف أن التجمع يشارك كل القوى الثورية الديمقراطية في الوطن العربي التطلع لأنظمة سياسية ديموقراطيه وعادلة.

رحب رفاقنا الذين استقالوا من التجمع معنا بالثورات العربية التي شهدتها بداية تونس ومصر، واعتبرتها ضربة للتيار "المتأمرك" في المنطقة. لكنهم أي الرفاق، ارتأوا أن يدافعوا عن السلطة في سوريا، ومن ثم الوقوف مع السيسي في انقلابه ضد السلطة الشرعية للإخوان في مصر، وفي هذا من المفيد التذكير بموقف التجمع النقدي تجاه ممارسات الإخوان وفكرهم. الأهم ، اعتبر رفاقنا الذين استقالوا من التجمع كل ما يجري على الساحة العربية من تفاعلات عميقة مؤامرة كبيرة . قد يكونون على حق، ولكن الأحق أن ينحازوا دون أي تردد أو التباس إلى جانب الموقف المبدئي والأخلاقي الرافض للدم والمعادي للاستبداد والمناصر لحركة الشعوب نحو الحرية والكرامة الإنسانية. الموضوع ليس سياسيا بقدر ما هو موقف أخلاقي ينتصر للناس في تطلعهم لحياة أفضل. استقال رفاقنا رغم الجهود التوفيقية التي بذلتها قيادة الحزب. استقالوا منتصرين لقيم ومبادئ يؤمنون بها، في ذلك هم مبدئيون حتى النخاع وهم صادقون حتى النهاية. لكن في النهاية، هل القيم المجردة أهم من الناس أنفسهم؟ هل "المؤامرة" مبرر كاف لدعم الجلاد على حساب الضحية؟ وهل التبرير أهم من التدمير؟

لا نقول لرفاقنا المستقيلين وداعا، بل إلى اللقاء. مهما اختلفنا لنا "تجمع" على فلسطين يجمعنا.
 

التعليقات