11/06/2014 - 13:27

جمهوريّة العار../ أحمد دراوشة

والسيسي المصرُّ على تشبيه نفسه بجمال عبد الناصر، لا يشبه أحدا، أخذ من ناصر أسوأ ما في عهده "إعلام النكسة"

جمهوريّة العار../ أحمد دراوشة

لو نَهَضَ شهداء ثورة يناير لأنكروا ما يحدث في ميدان التحرير اليوم. وميدان التحرير أيّام الثورة العظيمة كان عاصمة الأحرار وقبلتهم لـثمانية عشر يومًا، كانت زاهرةً بالفنِّ والأدبِ والنضال غير اليائسِ أو الميؤوس منه لخلع رئيسٍ جثم على العباد والبلاد لأكثرَ من ثلاثين عامًا فقدت مصر خلالها هيبتها بين الأمم، من أمة ودولة قائدة الى وكيل مسجّل بإسم الولايات المتحدة الأميركيّة.

ولو خطر ببال الستِّ أن تشدو 'مصرَ التي في خاطري وفي دمي' لقضّ مضجعها فنُّ مصرَ الحديث، وَلَطُرِدَت من ميدان التحرير ومبنى الإذاعة والتلفزيون، ففن أم كلثوم لا يليق بمصر 'عبد الفتّاح السيسي'، حيث عنوان الحضارة الجديدة أن لا كلمات ولا نغم ولا ثقافة في الأناشيد فما يهم فقط 'هز الخصر' أمام اللجان الانتخابي،ة وفي الأزقة والشوارع، حتى أضحت مصر أشبه بكابريه مفتوح أمام الناظرين، فلا غرابةَ، إذا ما قورنَ الرقص بالانبطاح الفجّ لرجالات مصر أمام جمال وجاذبية السيسي 'الدكر' كما تصفه صحفيّات مصريات متيمات.

ويلاحظ المتابع للصحف المصريّة مدى تدنّي المستوى الأخلاقي لصحف مصر الرائدة، فإني حين أقرأ صحيفةَ الأهرام مثلًا، أتساءَل بحسرة، هل هذه حقًا الصحف التي كتب بها العقّاد والشقيقان أمين ونشرت قصائدَ أمير الشعراء أحمد شوقي، هل هذا تلفزيون 'الريادة الإعلاميّة'؟ أهذه هي الإذاعات التي كانت توحّد العرب عند رأس الساعة وعند نشرات الأخبار، ليسمع العرب خطابات ناصر الثوريّة ودبّه للأمل في عقول وقلوب العرب قاطبةً، جنودًا، ثوّارًا ومواطنين، وهم يخوضون أسمى حروب العصر الحديث نحو التخلص من الاستبداد والاستعمار، حينما كانت سُفن العرب آنذاك تنخر عباب البحر، بسم الله مجراها ومرساها؟

والسيسي المصرُّ على تشبيه نفسه بجمال عبد الناصر، لا يشبه أحدا، أخذ من ناصر أسوأ ما في عهده 'إعلام النكسة' بيد أن ناصرًا كان رجلا ذي هدفٍ وغايةٍ وطموح شفعوا له حينما خانه الأقربون والأبعدون، فما للسيسي في جعبته؟ لا هدف ولا غاية ولا برنامج ولا أسلوب كلام ولا أيديولوجيا ولا فكر، بل أن أسلوبه أقرب لـ هاني شاكر منه إلى أي زعيم سياسي، وجلّ أحاديثه هي للتسوّل وطلب المال وزيادة جشع وسيطرة العسكر على مصر. اختلف عزيزي القارئ مع عبد الناصر ما شئت لكن لا يمكنك نكران أن ناصر مات وفي جيبه ثلاثة جنيهات لا غير.

والسيسي أيضًا أخذ من السادات أسوأ ما فيه وهو الانبطاح الأعمى أمام الغرب، واستباحة الأوطان وفتحها أمام الغرب بلا مواربة. وأخذ أيضًا من نظام مبارك كل ما فيه فلا خير في نظام مبارك يُذكر، بل زد على ذلك، استفتاح عبد الفتّاح عصره بـ 'القدس الشرقيّة' عاصمةً لفلسطين، وهو ما لم يعطه حتّى مبارك! فباختصار، نظام السيسي مسخ لكافّة سيئات من حكم المحروسة.

لو رأيتم ما رأيت في شريط الإغتصاب الطويل (مدته 10 دقائق) لوليتم رعبًا وقرفًا وألمًا. بعض من الشباب يغتصب فتاةً اغتصابًا كاملًا ويعريها من ملابسها، والجمع ملتئم يصوّر بمحموله ولا نيّة لأحدٍ بالتدخل! أهذه هي مصر؟ لا هذه ليست مصرَ، ولا يليق ما حدث بمكانة مصر، ولا ميدان التحرير، ولا يليق بعروبتنا وتاريخنا، ولا بإنسانيّتنا، فالمرأة لا تباع ولا تشرى ولا تغتصب ولا يتحرش بها، فهي ليست أنعامًا، وما حصل لا يحصل عند الأنعام والبهائم حتّى.

ماذا حلَّ بمصرَ حتّى عَدِمت ثقافتها وأدبها وسيطرتها، لتتسوّل المليارات والملابس من السعودية والإمارات؟ ولا تستغرب أن مصر كانت حتى منتصف القرن العشرين هي كاسية الكعبة المشرفّة، وكانت البعثة الطبيّة المصرية محط أنظار جميع الحجيج لتفوقها، وكان علماء مصر هامات كبيرة في العالم، وكانت لمصر صولة وجولة، وكان العرب ولا زالوا يعتقدون أن مصر هي واسطة عقد العرب، فهي آخر ما يجمعنا، فإن ذهبت مصرَ ذهبت ريح العرب معها، لكن مصر الحقيقة لا مصر هذي، فهذه ليست بمصر التي نعرف!

التعليقات