19/06/2014 - 16:34

المونديال، خارج جدران الملعب/ رازي النابلسي

وكأن ما نراه من على هذه الشاشة الصغيرة، مهما كان حجمها، يبقى محدوداً بجدران الاحتفال، فالكاميرات بعدساتها المُبرمجة تصول وتجول داخل حدود المال والحاسوب، ممنوعة هي من الارتفاع فوق المحدود للتصوير من زوايا أبعد، ولعل نوعية الكاميرات الالكترونية هذه ممنوعة خارج نطاق الملعب وجدرانه. ولعل كاميرات الحقيقة خارج ما نراه من على هذه الشاشات تُهمة قد يُعاقِب عليها القانون، تلك الكاميرات الفقيرة التي تتحرك بأيادِ مغبَّرة ترتعش على البيت، المسكن والأطفال.

المونديال، خارج جدران الملعب/ رازي النابلسي
وكأن ما نراه من على هذه الشاشة الصغيرة، مهما كان حجمها، يبقى محدوداً بجدران الاحتفال، فالكاميرات بعدساتها المُبرمجة تصول وتجول داخل حدود المال والحاسوب، ممنوعة هي من الارتفاع فوق المحدود للتصوير من زوايا أبعد، ولعل نوعية الكاميرات الالكترونية هذه ممنوعة خارج نطاق الملعب وجدرانه. ولعل كاميرات الحقيقة خارج ما نراه من على هذه الشاشات تُهمة قد يُعاقِب عليها القانون، تلك الكاميرات الفقيرة التي تتحرك بأيادِ مغبَّرة ترتعش على البيت، المسكن والأطفال. 
 
منذ عام وأكثر، تتواصل الاحتجاجات في البرازيل، لتشمل في بعض الأحيان أيضاً الجاليات البرازيلية في الدول المُختلفة، وتتسع دائرة النقد على هذا المونديال، لتصل كل حانة، مقهى وبيت، خصوصًا بعد موجة الصور والمقالات والغرافيتي البرازيلي التي انتشرت وبشدّة على مواقع التواصل الاجتماعي لتصرخ في وجه العالم، وتُراسل، ليرى ما يحصل جراء هذه الإحتفالية والتحضير لها. فمنذ عام وأكثر، يصرخ البرازيليون ويرفضون، بمظاهرات، احتجاجات وضحايا على تحويل ما يحق لهم من رعاية صحية، وخدمات اجتماعية وأموال نحو بناء وتحضير المونديال، إذ ينطوي التحضير للمونديال على ما يُعادل ٨.٢ مليار يورو تقريباً من تحضيرات وإعداد للملاعب وبنى تحتية تستقبل الوافدين لحضور المباريات. 
 
ومع اقتراب الموعد المنشود لإنطلاقة الألعاب أخذت الإحتجاجات بالتوسّع، وبالمقابل زاد بطش قوات الأمن البرازيلية لقمع الاحتجاجات والمظاهرات لتصل في ذروتها لاستدعاء ما يُقارب ١٠ آلاف رجل أمن لقمع هذه الإحتجاجات، فطالب البرازيليون بمشفى لا ملعب، ومدرسة لا حديقة. وكتب أحدهم على أحد الجدران قائلاً "السياح لا يمرضون، لدينا ملعب لكن ليس لدينا مشفى"، ولعل هذه المقولة المنشورة على حائط في ريو دي جانيرو قادرة على وصف الوضع القائم في البرازيل، فنعم الشعب أولى بالمشفى من ذلك السائح الأبيض بمقعد أكثر راحة في مدّرج قد بُني على تهجير فقراء المدينة. 
 
أما بالنسبة لمدخول المونديال من الوافدين للمشاركة والحضور فحال البرازيل من ناحية الإقتصاد قد يكون الدليل، حيث يترتب الإقتصاد البرازيلي بحسب البنك الدوليّ في المكان السابع من حيث الحجم. بينما، تقع البرازيل في المراتب الأخيرة دولياً من حيث المساواة، مما يُعد مؤشر للوضع العام على توزيع الموارد والمدخولات. فتتركز عائدات المونديال والضرائب في يد طبقة لا تزيد عن ١٠ في المئة من المواطنين، أما من ينتمون لنا في الفقر والجوع والإضطهاد، لا ينالون إلّا قسطاً أجمل، من هراوات الشرطة. 
 
تَعالت الأصوات التي تدعو لمقاطعة المونديال في البرازيل، وتعالت أصوات أُخرى تدحض المقاطعة بذريعة ان العمل الفرديّ لا يؤثر على مجرى الأمور الكبرى. كموقف إنسانيّ بحت، رافض لما يجري في بلد تُعد كرة القدم فيها اللعبة الشعبية رقم ١، لتصبح في هذه الأيام، ومنذ عام ونصف نقمة الطبقة الشعبية في البرازيل. فأحياء تامّة قد تمت إبادتها في البرازيل بحجة الوجه الحضاري للمدينة، حيث يتراوح عدد المهجّرين في المدن التي ستُقام بها الألعاب ما بين ١٧٠ الف حتى ٢٥٠ الف إنسان يملك بيت ولو كان هذا البيت خيمة. 
 
المونديال كما لم نراه من قبل، المونديال خارج حدود الملعب والذي قد يكون مونديال لاعبيه تتراوح أعمارهم ما بين طفل مريض ونظام رأس ماليّ حقير. 
 
تبقى مقاطعة المونديال موقفًا قد لا يعود بالفائدة على طبقات البرازيل المسحوقة، ولا يضر بالألعاب التي راح ضحيتها الكثير من المواطنين، ولكنها تبقى موقفا تضامنيًا قد يؤثر على معنويات من يحاربون بشكل مُباشر في الجانب الآخر من هذا العالم، وعلينا كشعوب نتشارك المعاناة، والتهجير باسم التحضر والوجه الحضاريّ للمُدن والسياح. 
 
أما على الجانب البرلماني فالنظام القائم في البرازيل آخذ بشرعنة القمع قانونياً، فأصدر في الآونة الأخيرة قراراً يضع كل من يحتّج في خانة الإرهاب، وهذا ما يُسهّل على قوات الأمن قمع المُظاهرات، فنكن شريكين من جديد. 
 
لا يغيب منظر المُتضامنين مع غزة، مظاهرات برافر وتهجير النقب مهما كانت أعدادهم قليلة، فمهما كان تأثيرهم ضئيلًا على مجرى الأحداث في الأراضي الفلسطينية، إلا أن تأثيرهم لا يُقدَّر، على أرواح المُتظاهرين ومعنوياتهم. فالإحساس بالإمتداد والتضامن بلا حدود له معنى خاص، ورسالة. 
 
أما على صعيد كرة القدم، فقال أحدهم "ماتت كرة القدم منذ أصبحت حلماً جمياَ للفقراء بتغيير واقعهم، بالشهرة والنجومية" ولعل هذه الجملة التي كتبها الصحافي طارق العربيّ وصف ممتاز لما آلت إليه هذه اللعبة. 

التعليقات