28/06/2014 - 12:48

هل فقد المونديال قيمته؟../ ماجد عزام*

بدا مونديال البرازيل باهتاً مملاً وفقيراً، واحتفالات وكرنفالات بعض الجماهير كانت بمثابة استثناء يثبت القاعدة السابقة ولا ينفيها، والحقيقة أن ثمة أسبابا رياضية وغير رياضية سياسية اقتصادية اجتماعية إعلامية وفنية شكّلت مجتمعة الصورة الباهتة للمونديال، العبء ليس فقط على البلد المضيف وأهله، وإنما على مشاركين كثر، وعلى متابعين وعشاق أكثر عبر العالم

هل فقد المونديال قيمته؟../ ماجد عزام*

بدا مونديال البرازيل باهتاً مملاً وفقيراً، واحتفالات وكرنفالات بعض الجماهير كانت بمثابة استثناء يثبت القاعدة السابقة ولا ينفيها، والحقيقة أن ثمة أسبابا رياضية وغير رياضية سياسية اقتصادية اجتماعية إعلامية وفنية شكّلت مجتمعة الصورة الباهتة للمونديال، العبء ليس فقط على البلد المضيف وأهله، وإنما على مشاركين كثر، وعلى متابعين وعشاق أكثر عبر العالم.

أول أسباب ضعف المونديال وفقدانه لقيمته رونقه وبهجته يتعلق بردّ فعل أهل وجمهور البلد المضيف، وبعدما كانت استضافة المونديال حلما وهدفا وأملا لشعوب كثيرة وسببا للاحتفال والاحتفاء لمن ينال هذا الشرف بدا الأمر مختلفاً هذه المرة، حيث لم تتوقف التظاهرات والفعاليات المنددّة باستضافة المونديال وتبذير مليارات كثيرة عليه، بينما تحتاجها البلد في مجالات أخرى أهم مثل الصحة، والتعليم، والبنى التحتية، وربما يعود الأمر جزئياً لفشل حكومة البرازيل في إدارة الملف، كما ينبغي، وخلق إجماع أو ما يشبه الإجماع حول استضافة الحدث الكروي الأهم في العام، وربما أيضاً بزيادة وعي الناس وثورة التكنولوجيا وعجز الحكومة - أو الحكومات - عن قمع الرأي العام، ومنعه من التعبير عن نفسه، وربما كل ذلك معاً وفي كل الأحوال نحن أمام مشهد مكتمل المعالم، حيث سوء الإعداد الواضح وتردّي الخدمات والرفض الشعبي الواسع والذي لا يمكن إخفاؤه.

يمكن الحديث كذلك عن بعد اقتصادي، اجتماعي، يتعلق بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة في العالم، بما في ذلك البرازيل طبعاً، وازدياد وعي الرأي العام وقدرته على فرض إرادته أو على الأقل التعبير عن رغباته، طموحاته وأماله. وبدا أن بلدا ناهضا ويعاني أزمات عدة في بناء نفسه، مثل البرازيل لا يملك الترف لاستضافة أحداث رياضية كبرى تحتاج إلى صرف المليارات، وهدر سنوات من الإعداد والاستنزاف. وأعتقد أن الدرس البرازيلي سيترك أثره وتداعياته على بلاد عديدة في العالم، وفي المدى المنظور سيكون من الصعب على بلد نام أو يعاني أزمات اقتصادية أن يستضيف المونديال، وربما يصبح الأمر حكراً على الدول الغنية - وهي باتت قليلة جداً - أو قد يتم اللجوء إلى استضافة المهرجان الكروي من دولتين - كما حدث في العام 2002 - أو حتى من أكثر من دولتين كما كان الأمر في بطولة أوروبا الأخيرة وهو السيناريو الأكثر احتمالا.

على الصعيد الرياضى أو الكروي يمكن الإشارة إلى عدة أسباب ساهمت مجتمعة في الصورة الباهتة للمونديال، ومنها وصول اللاعبين منهكين مستنزفين بعد موسم أو مواسم كروية شاقة، خاصة في الدوريات الأوروبية الكبرى، ومعظم اللاعبين خاصة في المنتخبات الكبرى يلعبون بتلك الدوريات ومع عدم تجاهل عامل الطقس الحار جداً والرطب في البرازيل، إلاّ أن الإنهاك البدني وحتى الذهني هما المسؤولان مباشرة عن المونديال الباهت، وعجز معظم الفرق عن تقديم أداء كروي جميل وممتع كما الحال مع الحدث العالمي في السبعينيات أو الثمانينيات من القرن الماضى، علماً أن المنحنى الباهت تناسب عكسياً مع التطور اللافت في الدوريات الأوربية الكبرى خاصة في اسبانيا وإنجلترا، إيطاليا ثم ألمانيا أخيراً.

على الصعيد الفني أيضاً، بدا دوري أبطال أوروبا وكأنه البطولة الأهم في العالم، والتي تجمع كبار اللاعبين من مختلف القارات والجنسيات والبطولة ذات المستوى الكروي الفني والبدني الرفيع تتطور من عام إلى آخر.

وباتت مصدر دخل كبير جداً للمشاركين فيها، من أندية، لاعبين، وحتى اتحادات وشركات نقل تلفزيوني، وإعلانات، مراهنات وخلافه، وأعتقد أن التنافس العالمي في البطولة بين كبار الأندية ارتد مباشرة وبشكل سلبي على المونديال الذي وصله لاعبو تلك الأندية - وهم نخبة لاعبي العالم - منهكين بدنياً فنياً وذهنياً، وربما مشبعين مالياً وإعلامياً من جهة أخرى.

يمكن الحديث عن سبب آخر ساهم بدوره في الصورة الباهتة للمونديال، ويتعلق بتعدد أو تغير الولاءات ونتيجة لأسباب مالية، إعلانية، إعلامية، وحتى عصرية بات ولاء اللاعبين أكثر للأندية، خاصة الكبرى التي تلعب في أفضل الدوريات، وكما في دوري الأبطال الأوروبي. فالفائدة المالية، المعنوية، والنفسية، وحتى الكبيرة يتم حصدها هناك، ولم يعد اللعب للمنتخب جذاب لعدد كبير من اللاعبين البارزين، خاصة مع تعدد الجنسيات التي يحملونها. فميسي مثلاً أرجنتيني – إسباني، ويقال إن ولاءه الأكبر هو لبرشونة - وربما لمن يدفع أكثر - ومستواه في المنتخب لا يقارن أبداً بأدائه مع ناديه، ونفس الأمر يمكن قوله عن اوغيرو ورونالدو البرتغال، روني إنجلترا، ولاعبين آخرين ظهروا بمستويات هزيلة في المونديال، الباهت عكس الحال مع أنديتهم في البطولات الأوروبية الكبرى.

ثمة سبب إضافي آخر له دور في إخراج المونديال بهذه الصورة الباهتة، ويتمثل بسقوط لاعبين كبار نتيجة الإرهاق البدني، والاستنزاف في البطولات المحلية والقارية، ما أدى لغيابهم عن العرس العالمي، وبالتالي تناقص قيمته الفنية، والجمالية، يمكن الحديث على سبيل المثال لا الحصر عن ريبيري الفرنسي، فالكاو الكولومبي، ريوس الألماني، فالديز الكانترا الإسباني، أيضاً مونتلفيو الإيطالي، والكوت الإنجليزي، وتاونسند الإنجليزي أيضاً.

إذن لأسباب ومعطيات مختلفة جاء المونديال باهتاً، مملاً خاصة مع خروج المنتخبات الكبرى من الأدوار الأولى، وأعتقد أن المنحى الفني سيزداد هبوطاً في الأعوام والدورات القادمة وشيئاً فشيئاً سيصبح دوري الأبطال الأوروبي مع كبار اللاعبين اللاتينيين، هو البطولة الأهم والأعظم في العالم. أما على مستوى الاستضافة، فربما تمر القصة مع روسيا بوتين المتعطشة لفرض نفسها وتحقيق مكاسب سياسية والتي لا تقيم وزناً للرأي العام لديها، كما مع قطر إذا لم يتم سحب البطولة منها - التي لا تعاني أي أزمات مالية، إلا أن الأمر سيزداد صعوبة بعد ذلك، وستعود الاستضافة حكراً على الأغنياء أو بمشاركة دولتين أو أكثر، وباختصار العرس الكروي العالمي، للأسف يفقد قيمته، بهجته ورونقه، وهو ما سيستمر للأسف أيضاً على المدى المنظور أيضاً.

التعليقات