16/07/2014 - 16:32

تل أبيب تعيش الصراع.. / بلال ضاهر

الحديث لم يعد حول إعادة الهدوء إلى جنوب إسرائيل، مثلما كان الوضع في الماضي، وإنما إعادة الهدوء إلى مدن إسرائيل، من إيلات وحتى حيفا

تل أبيب تعيش الصراع.. / بلال ضاهر

تقول القيادة الإسرائيلية، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن موشيه يعلون، وحتى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، إن الهدف من العدوان الحالي على قطاع غزة هو إعادة الهدوء إلى مدن إسرائيل. ويجدر الانتباه إلى أن الحديث لم يعد حول إعادة الهدوء إلى جنوب إسرائيل، مثلما كان الوضع في الماضي، وإنما إعادة الهدوء إلى مدن إسرائيل، من إيلات وحتى حيفا. إذ أن كل هذه المنطقة، التي تسكنها الغالبية الساحقة من الإسرائيليين، أكثر من ستة ملايين نسمة، أصبحت في مدى صواريخ الفصائل. وهذا ليس بالأمر البسيط.

ولا شك في أن إسرائيل تواجه ورطة ليست بسيطة في عدوانها الحالي على غزة. ويجمع المحللون الإسرائيليون على أنه تم جرّها إلى جولة القتال هذه. وربما أن الفصائل في غزة، وفي مقدمتهم حماس، بحسب بعض هؤلاء المحللين، تريد جرّها إلى عملية برية في القطاع أيضا. وتنطلق هذه التحليلات من التقديرات التالية: الفصائل ستجبي ثمنا من القوات الإسرائيلية المتوغلة وتُكبدها خسائر بشرية ومادية؛ اجتياح كهذا سيصل إلى نهايته في مرحلة معينة، لأنه لا مصلحة لإسرائيل باحتلال القطاع والسيطرة على 1.8 مليون فلسطيني، لفترة طويلة على الأقل؛ إسرائيل لن تتمكن من القضاء على الفصائل؛ إسرائيل ستضطر إلى الانسحاب.

ومن الجانب الفلسطيني، فإن هناك عدة أسباب تدفع الفصائل، وفي مقدمتها حماس أيضا، إلى التصعيد. وهذه الأسباب تتلخص بالتالي: الحصار على غزة أصبح خانقا، ولم يعد حصارا إسرائيليا فقط وإنما هو حصار يشارك فيه نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعد أن أغلق معبر رفح وسدّ معظم الأنفاق بين القطاع وسيناء؛ نقص في البضائع والمواد المعيشية، الغذاء والوقود وغيرها، لأن إسرائيل تغلق المعابر بصورة متكررة ومصر أغلقت الأنفاق؛ نقص حاد بالمياه وانقطاع الكهرباء عن مناطق واسعة.

إلى جانب ذلك فإن الأفق السياسي مسدود بالمطلق تقريبا في وجه حماس، حتى بعد اتفاق المصالحة، ومقاطعة من جانب دول عربية؛ حملة الاعتقالات الواسعة في الضفة الغربية، بعد اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة، قبل حوالي الشهر، استهدفت بالأساس قيادة ونشطاء حماس، في خطوة إسرائيلية معلنة بالقضاء على الوجود السياسي لحماس في الضفة؛ حملة الاعتقالات هذه شملت أسرى محررين في إطار صفقة تبادل الأسرى وإعادة العشرات منهم إلى السجون لقضاء فترات حكم طويلة، وبينها أحكام مؤبدة طويلة، ما يعني أن إسرائيل تنتهك تفاهمات مع حماس بوساطة مصر، التي لم تكن تحت حكم نظام السيسي.

وأمام معادلة المصالح هذه، فإنه لم يكن بإمكان حماس والفصائل الأخرى قبول الاقتراح المصري لوقف إطلاق النار. ليس هذا وحسب، بل إن الانطباع الحاصل، هو أن مصر اتفقت بشأن بنود اقتراحها مع إسرائيل من دون الرجوع بأي شكل من الأشكال إلى الفصائل في غزة. ولا يعنينا هنا الحديث عن رغبة السيسي بالانتقام من حماس لتعاونها مع حكم الإخوان المسلمين في مصر، لأن الحاصل هو أن 1.8 مليون فلسطيني في القطاع يعانون من الحصار والعدوان.

ولذلك فإن إطلاق الصواريخ من القطاع باتجاه إسرائيل ليس عبثيا، وإنما هو نابع من محنة إنسانية وسياسية في غزة. وعلى ما يبدو أن رغبة نظام السيسي بالانتقام من حماس تغلبت على الدور المصري التقليدي في الوساطة في الماضي. فبعد العدوان في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009 ("الرصاص المصبوب") وعدوان العام 2012 ("عامود السحاب")، تمكنت حماس والفصائل الأخرى من تحقيق مكاسب، ينبغي وصفها بالمتواضعة، مثل إدخال أنواع طعام كانت إسرائيل تمنع دخولها، بينها المعكرونة(!)، في مطلع العام 2009، وفتح معبر رفح، في نهاية تشرين الثاني من العام 2012. وقد توقف كلا العدوانين بعد محادثات بين نظام حسني مبارك ونظام محمد مرسي وبين حماس والفصائل وبين إسرائيل. أما هذه المرة، فقد أراد نظام السيسي فرض اتفاق وقف إطلاق نار على الجانب الفلسطيني، وبالتنسيق مع إسرائيل فقط.

وعلى الصعيد الإسرائيلي، فإن العدوان الحالي على قطاع غزة زاد الأزمة داخل ائتلاف حكومة نتنياهو، وبرزت الخلافات بين مركباتها حيال سبل التعامل مع غزة. ويبدو، الآن، أن نتنياهو، ومعه يعلون ورئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، ورئيسة حزب "الحركة" تسيبي ليفني، يمتنعون عن اتخاذ قرار بشن عملية عسكرية برية. وفي المقابل، يطالب ليبرمان ورئيس حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، بشن عملية برية واسعة واحتلال غزة. ويعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، أن الجيش جاهز لتنفيذ أية خطوة تطلب منه، لكنه بانتظار قرار حكومي. لكن الجيش الإسرائيلي ليس متسرعا لشن عملية برية، بحسب خبراء إسرائيليين، لأنه في حال "حصول أخطاء وإخفاقات" في اجتياح بري، فإن قيادته لن تسلم من الانتقادات وحتى من دفع ثمن شخصي، مثلما حدث بعد حرب لبنان الثانية عندما اضطر رئيس أركان الجيش، دان حالوتس، إلى الاستقالة وتمت الإطاحة بضباط آخرين. 

وعلى ضوء هذا التشرذم غير المألوف في حكومات إسرائيل في فترات الحروب، لخصت التحليلات الإسرائيلية الوضع في إسرائيل كتالي: ثمة خياران أمام إسرائيل، إما الاتفاق مع حماس أو احتلال غزة؛ حماس تريد جرّ الجيش الإسرائيلي إلى داخل القطاع؛ ائتلاف حكومة نتنياهو على كف عفريت؛ لا توجد قيادة ولا إستراتيجية في إسرائيل؛ قادة إسرائيل يشنون الحرب على غزة وعيونهم تتجه إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبل، التي يتوقع تبكيرها؛ لم يكن بإمكان حماس قبول الاقتراح المصري.

ورغم أنه يصعب توقع مجرى الأمور في الفترة المقبلة، إلا أن أمرا واحدا بات واضحا على خلفية مدى الصواريخ الفلسطينية الذي ازداد طولا، والرسائل التي يتلقاها الإسرائيليون من الخلافات بين قيادتهم، وهو أن سكان تل أبيب ووسط إسرائيل عموما، منطقة العصب الاقتصادي والثقافي، وليس فقط سكان المناطق القريبة من الحدود، أصبحوا يشعرون، بل ويعيشون، الصراع بين الشعبين. فهل ما زالت إسرائيل بحاجة إلى الجدران والحلول العسكرية، أم أنها ستدرك حدود القوة وأهمية الحلول السياسية؟

التعليقات