05/09/2014 - 18:52

الأردن والعدوان على غزة.. الإغاثة والحركة في محور الاعتدال/ خالد وليد محمود

كانت جهود السياسة الأردنية أقرب ما تكون إلى "الصليب الأحمر"، حيث ركزت على نداءاتها الإغاثية بمساعدة المدنيين، والدعوة لوقف إطلاق النار، والمساعدات الطبية من خلال المستشفى الميداني الأردني في غزة،

الأردن والعدوان على غزة.. الإغاثة والحركة في محور الاعتدال/ خالد وليد محمود
اتصف الموقف الرسمي الأردني عند بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بحالة من الفتور والحذر، واللعب على خيط رفيع من التوازنات الدقيقة بين الضغوط المتداخلة، داخليًا وخارجيًا. وظل الخطاب الأردني يراوح مكانه على الرغم من ارتفاع وتيرة الشجب والإدانة والتنديد، من دون أن ينعكس ذلك على العلاقات الدبلوماسية بين عمّان وتل أبيب. وبقي الأردن، في الأيام الأولى للحرب على غزة، مكتفيًا بموقف "المحايد"، إلى أن انخرط في جهود وقف العدوان، حين شعر صانع القرار أن الحرب الإسرائيلية ذاهبة نحو عملية برية، وما قد يترتب عليه من تداعيات سلبية. 
 
وكانت جهود السياسة الأردنية أقرب ما تكون إلى "الصليب الأحمر"، حيث ركزت على نداءاتها الإغاثية بمساعدة المدنيين، والدعوة لوقف إطلاق النار، والمساعدات الطبية من خلال المستشفى الميداني الأردني في غزة، والسماح لتنفيس الشارع الأردني بالمسيرات، والعمل على الصعيد الدولي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف العدوان.
 
لوحظ، لاحقاً، تغير في لهجة صانع القرار الأردني، بسبب ارتفاع حدة منسوب الانتقادات الشعبية تجاه ضعف الموقف الرسمي، وبدا ذلك جليًا في وصف رئيس الوزراء، عبد الله النسور، إسرائيل بالعدو، وما جرى في قطاع غزة بأنه "هجوم بربري غاشم وغير عادل وغير متكافئ وغير مسبوق، ولم ير مثيلًا له"، معربًا عن "خجل الأمة العربية مما يحدث في القطاع" وهو وصف لم يعتد الأردنيون سماعه من رئيس وزراء في منصبه، منذ توقيع معاهدة وادي عربة للسلام عام 1994.
 
الملاحظ أن التوصيف الرسمي لحرب إسرائيل على غزة بأنها "عدوان"، كما جاء في تصريح رئيس الوزراء لم يصدر إلا قبيل إطلاق المبادرة المصرية، أي بعيد انتهاء المرحلة الأولى للعدوان، وبدء المبادرة المصرية التي أعلنت عمّان دعماً كاملاً لها، بعد أن رفضتها فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس. قبل تلك الفترة، اقتصر الخطاب الرسمي على التركيز على خطورة الجانبين، الإنساني والأمني، مع ضرورة تجنيب المدنيين والأبرياء تداعِـيات الحرب، من دون الإعراب عن موقف مُعادٍ لإسرائيل، أو داعم للمقاومة. 
عند قراءة الموقف الرسمي الأردني تجاه العدوان الإسرائيلي، يبدو أن صانع القرار بلور مواقفه وفق المعطيات التالية:
 
1.الجانب الإنساني، ارتكاز الخطاب الرسمي الأردني على الجهود الانسانية جزءاً أساسياً لحل الأزمة. وكمحاولة مقايضة الجهد الإنساني بالجهد السياسي. إذ لم يكن يرتقي الخطاب الرسمي إلى طموح المعارضة أو مزاجها، ولا الشارع الأردني، مما أوجد فجوة واسعة بينهما، تجلت في سقف السياسة الرسمية التي وقفت عند حدود إدانة العدوان، والعمل على وقفه دبلوماسياً مع تقديم الدعم الإنساني، بينما تجاوز موقف الشارع إلى المطالبة بدعم المقاومة وطرد السفير الإسرائيلي، وإلغاء معاهدة السلام التي بررت الحكومة الإبقاء عليها من أجل تقديم المساعدة الإنسانية للفلسطينيين. ودافع النسور عن عدم سحب السفير، معتبرًا أن الأردن والشعب الفلسطيني هما الخاسران، وسرد الأسباب قائلاً: "سفيرنا موجود لخدمة مصالح أبناء الضفة الغربية الذين تمر طريقهم فقط من الأردن، وكذلك الأمر بالنسبة لبضائعهم ودوائهم وسفرهم ورحلاتهم إلى العمرة والحج، والأمر ينطبق، أيضاً، على أبناء عرب الـ48 وقطاع غزة".
 
ويشكل الجانب الإنساني جزءًا أصيلًا من الدبلوماسية الأردنية، ومواقفها في مواقع معقدة ومتعددة، مثل سورية والعراق. وتمثل جانب المساعدات بتبرع الملك عبد الله الثاني بالدم لصالح الجرحى في قطاع غزة، في بادرة تضامن إنساني، ومن خلال تسيير قوافل مساعدات إنسانية وطبية وغذائية، فضلاً عن تسهيل إيصال مساعدات عربية وأخرى من هيئات إغاثة دولية ومدنية، وتقديم العناية الطبية عبر نقل جرحى إلى عمّان، أو ما يقدمه المستشفى الميداني الأردني في القطاع.
 
2.الجهد الدبلوماسي، حاول الخطاب الرسمي الأردني الذي يتمتع بمكانة مقبولة دوليًا استثمار الجهد الدبلوماسي والعلاقات السياسية لبحث وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وتمكنت عمّان من إقناع مجلس الأمن الدولي بإصدار بيان رئاسي بالإجماع بشأن غزة، تضمن دعوة موحدة لوقف إطلاق نار فوري وغير مشروط لأغراض إنسانية، بهدف تقديم المساعدة اللازمة والعاجلة للفلسطينيين في غزة، إضافة إلى دعم المبادرة المصرية. وحث "جميع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بدعم تلك الجهود الهادفة إلى التهدئة".
 
3.الالتزام بموقف معسكر دول "الاعتدال"، حاولت الدبلوماسية الأردنية ضبط إيقاع حركتها، التي تميزت "بالمحافظة السياسية"، بما يتناغم مع مواقف كل من مصر والسعودية والإمارات والتي تمثل (دول الاعتدال)، وكان الاختلاف الوحيد مع تلك الدول عدم اتخاذ الأردن موقفًا يدين حركة حماس. وقد لقي صانع القرار الأردني في دعم الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والتنسيق المباشر معه، مخرجًا وتحايلًا على مواقف دول الاعتدال التي اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، والاتهامات التي سيقت لها في مصر. وهنا، حاولت الدبلوماسية الأردنية استبدال مواقفها السياسية بهذا الجانب، من خلال الموقف الإنساني، والتركيز على دعم أبو مازن، وذلك بسبب حساسية موقف حركة حماس، وموضوع ارتباطها بالحركة الإسلامية الأردنية، وما يسبب ذلك من حرج لأي قرار رسمي أردني بهذا الموضوع، وبالتالي، استفزاز الشارع الأردني. وفي الوقت نفسه، تجنب صانع القرار الرسمي التصريح بأي خطابٍ، يعبّر عن مواقف سياسية، تعطي دعمًا معنويًا، أو رمزيًّا لحركة حماس أو للمقاومة الفلسطينية، أو الاصطفاف المباشر معها، بشكلٍ يتماهى مع مواقف المحور السابق الإشارة إليه.
 
ما يمكن إيجازه بناء على ذلك أن الاتجاه العام للسياسة الأردنية من العدوان على قطاع غزة تمثل بما يلي:
 
1.التناغم مع التوجه الدولي المساند للسلطة الفلسطينية، القائم على دعم عودة السلطة إلى غزة مسلحة باتفاقية 2005، وبنزعة الاعتراف بالاتفاقيات الدولية السابقة، وهي أقرب لتوجهات تحجيم القدرة التفاوضية لحركة حماس وغيرها من تنظيمات المقاومة.
 
2. تماهي هامش المناورة الدبلوماسية لصانع القرار الأردني مع محور الاعتدال، بمعنى الموازنة بين توجهات الأردن السياسية والاحتياجات الاقتصادية الخانقة (بين قطر من ناحية وبقية دول الخليج من ناحية أخرى، الإمارات والسعودية خصوصاً)، وهذا بدا واضحًا في عدم إعلانها أي موقف سلبي تجاه حركة حماس، والمقاومة بشكل عام، وفي الوقت نفسه، تبني المبادرة المصرية.
 
3.عدم استفزاز الإخوان المسلمين في الأردن، في ظل الهواجس من "داعش"، مع المحافظة على التوازنات المحلية، ولا سيما مع تنامي الصورة الإيجابية لحماس والمقاومة داخل المجتمع الأردني، من دون "مدح"، أو الاعتراف بإنجازات المقاومة على أرض الواقع، حتى لا ينعكس ذلك "إيجابيًا" على الحركة الإسلامية في الأردن.
 
السؤال بناء على ما تقدم، هل هذا كل ما جاد به الخطاب الرسمي الأردني وفق المحددات أعلاه؟ وهل هذه المساحة وحدها التي يمكن للدبلوماسية الأردنية أن تناور بها؟ الإجابة: لا. فالدبلوماسية الأردنية، وما تتمتع به من سمعة وعلاقات طيبة عربياً وعالمياً، وبسبب وجود مقعد للأردن في مجلس الأمن، مع توفر موقف شعبي مساند للسياسة الأردنية في اتجاه خدمة القضية الفلسطينية، مع الأخذ بالاعتبار الخصوصية بين "الأردن وفلسطين"، من حيث الوضع الجغرافي والديموغرافي، والوصاية الأردنية عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. بسبب كل هذه المعطيات وغيرها، كان في وسع الأردن استثمار دبلوماسيته الدولية، وصوغ موقف سياسي مؤثر، وأكثر فعالية مما بدا في فترة العدوان الإسرائيلي على غزة؛ وبما يرتكز وينسجم ويلتحم مع الموقف الشعبي والحزبي الداخلي، وبشكل يستطيع فيه مخاطبة القوى الحرة والحية في العالم، لتسليط الضوء على الحدث في غزة، بطريقة ذكية ومؤثرة، ترتقي بسقف الدور، سياسيًا وأدبيًاً.
 
فالإغاثة على أهميتها، كما يرى مراقبون عديدون لا يمكن أن تكون بديلاً، أو تعويضاً عن الموقف السياسي.

التعليقات