15/09/2014 - 19:00

"داعش" الداء والدواء/ أمجد ناصر

خلط الأوراق في المنطقة يجري على قدم وساق. أراهن على أن أكبر كومبيوتر في العالم لا يستطيع أن يحلّل ويفرز ما يجري في العالم العربي، ووضعه في خانات قابلة للفهم.

خلط الأوراق في المنطقة يجري على قدم وساق. أراهن على أن أكبر كومبيوتر في العالم لا يستطيع أن يحلّل ويفرز ما يجري في العالم العربي، ووضعه في خانات قابلة للفهم. لنرجع إلى الوراء، أشهراً فقط: كانت البؤرة المشتعلة في مسرح "الشرق الأوسط" سورية. كان هناك انشغال، ولو شكلي، بما يجري فيها، ومحاولة إيجاد حلول سياسية لهذه المأساة الأكبر في الحياة العربية منذ نكبة فلسطين، وفجأة تبخَّرت محاولات الحل السياسي. كان العراق مجرد ساحة خلفية لما يجري في سورية، وليبيا تواصل تفككها العادي، ما بعد القذافي، وغزة على موعدٍ مع جولة دموية جديدة مع إسرائيل، فيما لبنان يتلقى الانعكاسات المتوقعة للحرب في سورية. أما سورية نفسها، البؤرة المشتعلة، فكانت قوى المعارضة المسلحة، بما فيها "النصرة" (فرع القاعدة السوري) تخوض معركتين متلازمتين: ضد النظام و"داعش" التي لم تكن تشكل، في أي تحليل سياسي، خطراً يتجاوز إلهاء المعارضة المسلحة عن معركتها "المركزية" ضد النظام، بل، بالعكس، جاءت لحظة كادت أن تطرد فيها "داعش" من معظم المناطق التي انتزعتها من قوى المعارضة السورية المسلحة، فصرنا نراها تولّي الأدبار في اتجاه المناطق السورية الشرقية، ومنها إلى العراق. ثم فجأة تغيَّر كل شيء، وحصل ما يشبه الانقلاب في موازين القوى. عمدت "داعش" المطرودة، تقريباً، من الشمال السوري، وغيره من المناطق، إلى اجتياح المناطق العراقية الغربية واحتلال الموصل، المدينة الثانية في البلاد، في أقل من شهر. انهار الجيش العراقي الذي "أنفق" عليه المالكي، دفترياً، مليارات الدولارات، تسليحاً وإعداداً، فشلح ثيابه العسكرية، وهرب من المعركة بالملابس الداخلية. 
 
ما سبق مجرد تخطيط سريع (كروكيه)  لما يجري. والسؤال الآن: كيف أمكن لبضعة آلاف داعشي (أكثر من نصفهم غير عراقيين) أن يحتلوا نصف العراق، ويبسطوا سيطرتهم على حقول نفط وسدود ونقاط عبور دولية، ويرتدوا إلى سورية، فيعيدون السيطرة على ما فقدوه من مناطق، بل يتوسعون أكثر.
 
كيف حصل هذا؟ بأي دعم؟ بأية أضواء خضراء؟ ومن بيده أزرار هذه الأضواء الخضراء؟ لست، هنا، في معرض تحليل الظاهرة الداعشية، وكيف استوت على الصورة التي نراها، بل للتساؤل عما حصل، وما تلاه. ما حصل نعرفه، أما ما تلاه فيتكشف لنا، الآن، فصولاً.
ملاحظاتي على هذا المشهد الملتبس هي:
 
-واشنطن لم تتحرك عندما كانت "داعش" تنتشر كالفطر السام في سورية، دع جانباً عدم تحركها، على أيّ نحو، ضد الجرائم التي ارتكبها (ولا يزال) نظام بشار الأسد، بما في ذلك الخط الأحمر الذي لوّحت به على الملأ: الكيماوي.
- ولكن، عندما اقتربت "داعش" من أربيل وبغداد تحرَّكت، ولكن ليس قبل إعلان الكلفة المالية (من سيدفعها؟ العرب طبعاً) والكلام عن حلفٍ يضم دول المنطقة.
-إيران تقاتل مع واشنطن في العراق، وضد خطابها المعلن (الخطاب فقط) في سورية.
-التحرك السريع للحلف الغربي (والعربي) الذي كان وراء احتلال العراق. ولكن، "دفاعاً" عن كردستان هذه المرة.
-"الاحتفاء" العجيب بفيديوهات "داعش" لقطع الرؤوس، والتركيز عليها لصنع انقباض شديد في أمعاء الرأي العام العالمي، ودفعه إلى التقيؤ.
-الكلام الذي لم يعد خجولاً ألبتة عن التعاون مع نظام الأسد في مواجهة "داعش" التي أطاحت أحد صانعيها (المالكي، وهذا مطلوب)، وربما يأتي الدور على بشار الأسد الذي رباها في سجونه وغذاها.
-كل ما تقدَّم يجعل عودة أميركا إلى المنطقة ليست مطلباً، بل أمنية وصلاة.
 
***
أبعد من هذه الملاحظات السريعة التي تمكن مضاعفتها، يُطرح السؤال: هل هناك ترابط بين ما يجري بدءاً من ليبيا وصولاً إلى كردستان العراق، مروراً بغزة ولبنان وسورية واليمن؟ هل الهدف واحد؟ ليس لدي جواب. ولكني أظن أنَّ كل ما نراه في حياتنا العامة، ما بعد الربيع العربي، يعملُ، بالدرجة الأولى، على تحويل الاستبداد، الذي ثرنا عليه، إلى مطلب شعبي ووطني.. هكذا تكون "داعش" (وأخواتها)، التي صُنِّعت جيداً في أقبية المخابرات، هي الداء الذي ينخرُ.. والدواء الذي يُشْفي!

التعليقات