05/10/2014 - 13:59

هبة القدس والأقصى وانطفاء جذوة الحدث المفصلي../ توفيق عبد الفتاح

تساءل الكثيرون حول عزوف الجماهير الوطنية لدى عرب الداخل عن المشاركة في إحياء هبة القدس والأقصى الرابعة عشرة، يوم الأربعاء الماضي، تخليدا لذكرى شهدائها واحتراما لجرحاها ومعتقليها، وتراوحت الاجتهادات بين إلقاء اللوم على القيادة السياسية وبين إدانة الجماهير باللامبالاة وعدم الاكتراث

 هبة القدس والأقصى وانطفاء جذوة الحدث المفصلي../ توفيق عبد الفتاح

 تساءل الكثيرون حول عزوف الجماهير الوطنية لدى عرب الداخل عن المشاركة في إحياء هبة القدس والأقصى الرابعة عشرة، يوم الأربعاء الماضي، تخليدا لذكرى شهدائها واحتراما لجرحاها ومعتقليها، وتراوحت الاجتهادات بين إلقاء اللوم على القيادة السياسية وبين إدانة الجماهير باللامبالاة وعدم الاكتراث.

لا شك، وبمنطق الإجماع التحليلي، أن هبة القدس والاقصى شكلت علامة فارقة ومحطة مفصلية في وضعية عرب الداخل السياسية الاقتصادية والاجتماعية والسيكيولوجية وسلوكهم السياسي وعلاقتهم مع الدولة العبرية والعلاقة الداخلية فيما بينهم.

وبعيدا عن الكلام المجوج وبمنأى عن ابتذال الكلام وإعفاء الذات من تحمل المسؤوليات وأعباء المهمة واستحقاقات الريادة بأن الجميع يتحمل المسؤولية، وأساسا قيادات العمل السياسي والمؤسسات المحلية بعيوبها البنيوية. ولا نسوق هذا الكلام مزايدة على أحد أو نكاية بغيره، بل في مسعى متواضع لوضع النقاط على حروف المسيرة لفهم السيرورة ووضع الأمور في نصابها الأصح ليتسنى لبعض من تاهت طرقهم وتعثرت رؤاهم وبصرهم لتصحيح البصيرة وتقويم المسيرة.

ونعتقد أنه عندما ننظر بعين ناقدة لرؤية عيوب الآخرين وشوائب الخصوم أو المنافسين يجب أن نوجه العين الأخرى لننظر لدواخلنا ولذواتنا الفردية والجماعية والتحلي بالجرأة لقمع النرجسية والذات المتضخمة في نفوسنا والتحلي بالشجاعة لفهم أنفسنا كمقدمة للفهم الصحيح لواقعنا لنقول لقد ولى عهد الفهلوية، وهذا ما لم تفعله "القيادات" والمؤسسات، البعيد عن ثقافتنا وعن المسلك العام.

هبة القدس والأقصى وبصرف النظر عن السبب المباشر لاندلاعها أو التراكمات الجمة لغير المباشر منها اندلعت الانتفاضة بعلامتها الفارقة لعرب 48 في زمن كان هو الزمن الذي يقتضي الانفجار بوجه العنجهية والجبروت الذي استقوى على أقلية أصلانية وسلبه أرضه ومقومات عيشه الكريم، وسلبه الإرادة الوطنية والإنسانية وكل شروط الحياة الآدمية لأناس استمرأت بغالبيتها ولزمن معين الاضطهاد والاستعباد، وانساقت لهذه الدونية بدافع الجهل أو الخوف أو الاثنين معا تحت تأثير سيكيولوجيا وممارسات المحتل القامع بعد أن سدت كل الطرق.

ولا خلاف إذا كانت طرق المعيشة وشروط الحياة المدنية وضيق الحال بضياع وتهديد الهوية القومية والاغتراب هي الأسباب المتراكمة التي فجرت هذا الغضب أو هي قضية الانتماء والهوية الجماعية، علما أن هذه الأخيرة كانت باعتقادي هي الحقيقة المتراكمة وليست المباشرة وبالتالي فإن قراءة سلوك عرب الداخل في ظل واقعهم المركب يحتاج إلى مئات الأبحاث في مختلف الميادين الإنسانية لفهم هذا السلوك المرتبك والمتحول، وربما غير السوي بالمفهوم السيكيولوجي. لكن مع كل ذلك فإن ما نستطيع الجزم به هو أن انفجار هبة العام 2000 الذي ارتاد بطولته جيل جديد من الشباب جاء ليرسم ملامح مرحلة جديدة يجب أن نحسن استثماره بما يتناسب وحجم التضجيات ومدى التحديات بما تقتضيه مرحلة تحدد مرة أخرى وجهتنا في ظل استشراس النزوع العنصري.

وإذا كانت لذلك دلالة فإنها وضعت الكرة في ملعب القيادات والمسؤولين ممن تغيبوا فعليا عن هذا الحدث المفصلي والفارق في سلوك وإرادة عرب الداخل إلا باستثناءات قليلة، مما يعني أنه عندما تسبق الجماهير قيادتها وتتقدم الصفوف الأمامية، وتدفع ما دفعت من أثمان فكان على الكثير من هذه القيادات، واحتراما للذات، أن تتنحى جانبا لتحترم الشهداء ومئات الجرحى الذين لا تعرف عنهم هذه القيادات شيئا حتى يومنا هذا، ناهيك عن المعتقلين.

وللتذكير أيضا فإن هذه الجماهير وعزوف الغالبية منها عن المشاركة في مثل هذا اليوم الفارق لن تنسى أن غالبية القيادات التي لم تكن حاضرة بميدان الاستشهاد والمواجهة في الهبة الفاصلة لحسم الهوية، وهرولت، وقبل أن تجف دماء الشهداء والجرحى إلى مكتب إيهود باراك رئيس الحكومة المجرمة، في حينه، للمساومة على دماء أبنائنا من الشهداء، الأمر الذي أسقط نهائيا ورقة التوت عن عوراتهم، ورأت الجماهير الغاضبة والقطاعات الوطنية في ذلك التصرف استخفافا سافرا بعقولها وإرادتها التي صنعت المجد بدماء أبنائها، وبالتالي فإن أي خطاب لهؤلاء ممن لازالوا في مواقع "قيادية" حتى اليوم، بل هم متمترسون ومتشبثون بمواقعهم فهو باطل بعد الامتحان الراسب بكل المقاييس الوطنية والإنسانية والأخلاقية. ولو كان هناك محكمة ثورة وحتى ثورة سلمية لكان مكانهم السجن، ولذلك فإن أي تساؤل لهؤلاء حول عزوف الجماهير عن المشاركة في "إحياء الذكريات" بمنطق هؤلاء- فإن الجواب سيعطيه مسلكهم المشين والفاضح، وهذا بالطبع لا يلغي إشكاليات مجتمعية وثقافية ومسلكية نعاني منها كمجتمع وكأقلية مقهورة تعيش واقعا مركبا، وتعتمد التبرير والاتكالية والأنانية منهج حياة، ويغيب عنها منطق العقل النقدي الجريء والشجاع في سبيل تصويب المسار واستعادة البوصلة، واستعادة الإرادة الجامعة، وإقصاء من تآكل على هامش الزمن لاستحضار روح وإرادة انسانية وسياسية حية ودماء جديدة.

التعليقات