09/10/2014 - 09:04

غزة ومستقبل الربيع العربي../ عادل سليمان

ستبقى جذوة الثورة في الوجدان الشعبي حية، فسلام وتحية لغزة، وأهل غزة، ومقاومة غزة، فقد أسهموا في بقاء شعلة الثورة مشتعلة في وجدان الشعوب. وحتماً، الشعوب ستنتصر.

غزة ومستقبل الربيع العربي../ عادل سليمان

 واحد وخمسون يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، استخدم فيها العدو آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا نظم التسليح والتدمير، جواً وبراً وبحراً، هجوماً ودفاعاً، ناهيك عن الحرب النفسية الشرسة.

والأدهى والأكثر مرارة التواطؤ والتخاذل العربي العام من قِبَل النظم وإعلامها، والذي انعكس بدرجاتٍ متفاوتةٍ على ردود الفعل الشعبية التي تراوحت ما بين الصمت والترقب، وبين الغضب المكتوم، والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، وأقصى ما وصلت إليه كانت مسيرات متواضعة في عواصم عربية، كان ما شهدته بعض عواصم الغرب أكثر منها تفاعلاً مع الحدث، ورفضاً للعدوان.

نعم واحد وخمسون يوماً من الصمود الأسطوري، وقبول التضحية بالأرواح، أرواح الآباء والأبناء، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، جلهم من المدنيين العزل، بالآلاف! والدمار والخراب لكل مظاهر الحياة من منشآت حيوية، وحتى دور العبادة والمستشفيات، ولم تسلم المنشآت الدولية من التدمير. وأيضاً واحد وخمسون يوماً من المقاومة البطولية النادرة، على الرغم من الفجوة الهائلة في العتاد والسلاح وكل الإمكانات العسكرية.

واحد وخمسون يوماً، لم تتوقف فيها صواريخ المقاومة "التي أطلق عليها المرجفون حقداً: العبثية"، والتي وصلت إلى قلب العدو وحتى آخر أرض عربية، يحتلها في القدس وتل أبيب وحيفا وعسقلان، واستمرت حتى الدقائق الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق النار. واحد وخمسون يوماً من العمليات الفدائية النوعية الاحترافية، في البر والبحر، والتي وصلت إلى عمق العدو.

كل ذلك ولم تستسلم المقاومة ولم تتراجع ولم ترضخ. صمود شعب أسطوري، وبسالة مقاومة نادرة. وتم رد العدوان، وهز كل نظريات العدو في الأمن والأمان، تحت مظلة الاحتلال والعدوان والحصار. وتوقف العدوان من دون أن تقدم المقاومة أي تنازلات، بل أصرت، ولا زالت، على موقفها ومطالبها المشروعة. وبدا المشهد وكأن روحاً جديدة بدأت تسري في الجسد العربي الذي كاد الإحباط واليأس أن يجهزا عليه، خصوصاً بعد كبوات تعرّضت لها ثورات الربيع العربي التي أتت بها رياح يناير المنعشة في مصر، وتحاول عواصف يوليو الحارة أن تجهز عليها. ولكن، يبدو أن كل الثورات المضادة ضد ثورات الربيع العربي الشعبية قد تنبهت لهذا الخطر القادم لبث الروح من جديد في الناس البسطاء، متخذين من أبناء غزة البسطاء، أيضاً، النموذج والقدوة والمثل، فكانت الحركة السريعة على محاور متعددة.

بدأت بالأبواق المسماة إعلاماً، وما هي بإعلام، لتسفه من انتصار شعب غزة، وتقلل من قيمة المقاومة، بل وتتهمها بدفع الشعب الفلسطيني إلى الهلاك. ثم ولعدم جدوى تلك الأساليب، كانت الخطوة التالية إسدال ستائر الصمت المطبق على الموضوع، وكأن عدواناً إسرائيلياً لم يقع؟ وكأن شعباً فلسطينياً في غزة لم يصمد، ويتقبل التضحيات؟ وكأن مقاومةً لم تقاتل ببسالة، وتفرض على العدو حالة من توازن الرعب، لأول مرة في تاريخ الصراع؟ وأيضاً، كأن شهداءَ لم يسقطوا وجرحى لم يصابوا؟ ومدناً لم تهدّم؟ صمت تام على كل المستويات، وأخبار متوارية في صفحات داخلية، لا تذكر مقاومةً أو صموداً أو تضحيات، إنما فقط حديث مقتضب عن إعادة إعمار خجولة.

ثم جاءت الخطوة الكبرى لتأخذ المنطقة كلها، بل والعالم، إلى منحى آخر، هو الإرهاب وداعش، الذي طفا على سطح الأحداث فجأة، وكأنه "عفريت العلبة". لا صوت يعلو فوق صوت الحرب على الإرهاب، ولا تحالف غير التحالف ضد الإرهاب، ولا ثورات غير الثورة على الإرهاب، ولا مشاهد غير مشهد واحد مكرر لشخص أوروبي جالس على مقعد، يرتدي ملابس برتقالية، وحوله مجموعة مقنعة لا تظهر ملامحهم، يمسكون سكاكين، وصوت يوضح أنهم سيقدمون على ذبح الشخص الجالس، باعتباره أجنبياً محتجزاً، ولهم عند حكومته مطالب لم يتم تنفيذها، ثم بعدها بأيام يتم إعلان قتله. تكرر المشهد مرات. وقصص أخرى وحكايات لا تنتهي عن فظائع الإرهاب الذي يتم باسم الإسلام من قِبَل داعش في العراق وسورية. وعلينا جميعاً أن ننتفض ضد هذا الإرهاب لنقاتله، ولا نفكر في شيء آخر. وكأن قتل أكثر من ألفي طفل وامرأة وشاب ومسن ومريض ومعوق، وتدمير أكثر من عشرة آلاف منزل ومنشأة ومدرسة ومستشفى ومحطة كهرباء ومياه، وقتل الحياة والأحياء على يد صهاينة إسرائيل ليس إرهاباً؟ وصمود شعب أعزل ليس صموداً؟ وبسالة مقاومة ليست بسالة؟

لا تلتفتوا إلى غزة، وما جرى لها وبها وما حققه شعبها ومقاومتها. ودعْكم من يانايركم ذاك، فقد كان مؤامرةً، ومن ربيعكم المزعوم، فقد كان وهماً. واستمعوا جيداً إلى الأنباء من كل أجهزة المخابرات حول العالم، والتي تقول لكم: الإرهاب ثم الإرهاب هو الخطر عليكم، فهيا بنا، لا لنلعب، بل لنحارب الإرهاب الذي استطعنا، أخيراً، أن نعثر عليه، واسمه "داعش".

إذا كانت غزة قد قدمت نموذجاً لإرادة الناس البسطاء، عندما يصرون على فرضها، وينتصرون مهما كانت تضحياتهم، في ظل بيئة عربيةٍ يخيم عليها الإحباط بعد انتكاسة ثورات الربيع العربي، فإن الثورات المضادة أدركت خطر "عودة الروح"، وتجدد الحراك الثوري الشعبي، في الساحات التي انطلق منها قبل ثلاث سنوات، وكان تحركها أسرع من يقظة الناس، لتطمس نموذج غزة. ولكن، ستبقى جذوة الثورة في الوجدان الشعبي حية، فسلام وتحية لغزة، وأهل غزة، ومقاومة غزة، فقد أسهموا في بقاء شعلة الثورة مشتعلة في وجدان الشعوب.

وحتماً، الشعوب ستنتصر.

التعليقات