18/10/2014 - 15:55

سعداء العالم إذ يُحاكمون!../ مريم فرح

السعادة التي استعرضها ويليامز قد تكون بسيطة وجميلة، لكنها ضربت السعداء في الصميم، وجعلت المجتمعات الشابة تعيد النظر في السعادة، وجعلت غزة تنضم إلى قافلة السعداء رغم جرحها. قد لا أتفق مع المغني السعيد، وقد لا أصفق سعيدة في حياتي احتفالاً بالسعادة البسيطة ولكن حتما انشغل العالم مجددا بالسعادة ومعانيها المتعدّدة عند الثقافات والحضارات المختلفة، ووضعت سعادة الإيرانيين وقدراتهم الذكية أيضاً في صدارة الأحداث

سعداء العالم إذ يُحاكمون!../ مريم فرح
حكمت المحكمة الإيرانية أخيراً على ستة شباب- ثلاث شابات وثلاثة شبان- بالسجن لمدد تتراوح بين سبعة أشهر إلى سنة، بالإضافة إلى 91 جلدة بسبب تصويرهم فيديو كليب Happy لمغني الراب الأميركي فاريل وليامز. وقد قام هؤلاء الستة بتصوير الأغنية في شوارع طهران، وهم يرقصون على أنغامها، وخلعت الشابات في الفيديو الحجاب المفروض على النساء في إيران منذ العام 1981. 
 وقد أطلق مغني الراب الأميركي صاحب البشرة السمراء فاريل ويليامز العام الماضي أغنية Happy التي يعبر من خلالها عن مفهومه الخاص والمثير للسعادة. وتعكس كلمات أغنية Happy وصورها السعادة اليومية، البسيطة وربما الروتينية، لكنها بعيدة كل البعد عن "السعادة" التي بحث عنها أرسطو والتي يجب الاجتهاد للوصول إليها، وبعيدة عن "الخير المطلق" و"الشر المطلق" لدى أفلاطون، وبالتأكيد بعيدة كل البعد عن "سرير فرويد" وعملية إشباع النزوات ومتعة الجسد. كما أن ويليامز السعيد لم يتقن سعادة الأدباء في الروايات الرومانسية ولم يثقل السعادة على الحب، فلا داعي إلى أن تحب أو تُحّب كي تكون Happy.
أنتج ويليامز أغنية Happy خصيصاً لفيلم الرسوم المتحركة Despicable Me 2 ورشحت لأفضل أغنية في جوائز الأوسكار. وحصدت أكثر من 100 مليون مشاهدة على اليوتيوب. لكن المثير في الموضوع لا يقف فقط عند كلمات أو إيقاع الأغنية بل يتعدى ذلك إلى مدة الفيديو كليب الذي رافق الأغنية، حيث يمتد فيديو كليب Happy على 24 ساعة متتالية، وأطلق موقع 24hoursofhappy.com والذي يعرض يوما كاملا من الرقص في شوارع لوس أنجلوس. يرقص على أغنية Happy مئات من الراقصين المحترفين ووجوه أميركية مشهورة وشخصيات عادية من دون حركات رقص متقنة بل بحُرية مطلقة من دون توجيه أو رقابة ذاتية على الحركة.
 حققت الأغنية والفيديو كليب الذي تم تحرير أربع دقائق منه للشاشة الصغيرة نجاحا عالميا ساحقا، فأصيب العالم بداء السعادة وتم تصوير أكثر من 250 فيديو كليب من مختلف أنحاء العالم.
غير أنه لدى وصول "السعادة" إلى الشباب الإيرانيين، اختلفت المعايير، حيث اعتقل الشباب الستة في شهر أيار (مايو) الماضي بعد إعلانهم في برنامج تلفزيوني أنهم قاموا بتصوير أغنية Happy في شوارع العاصمة الإيرانية. وفور اعتقالهم غرّد ويليامز على حسابه في التويتر قائلاً: "من المحزن أن هؤلاء الشبان تم اعتقالهم لمجرد أنهم حاولوا أن ينشروا السعادة". لكن المثير في الموضوع ليس تغريدة صاحب السعادة بل تغريدة رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران حسن روحانـي والتي غابت تقريبا عن الإعلام الغربي في تغطيته لـ "الكارثة الإيرانية"، حيث غرّد الروحاني على حسابه في التويتر قائلاً: "إن السعادة هي حق لشعبنا. لا يجب أن نكون قساة في تصرفات قد تمنحنا السعادة" وتم الإفراج عن الشباب في اليوم التالي.
 مع ذلك، فإن الإعلام الغربي استمر بروايته التقليدية والاستشراقية فيما يتعلق بالإيرانيين السعداء. وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية [أمنستي] تم الحكم على الشباب بالسجن والجلد بتهمة المشاركة في تصوير فيديو مبتذل، وإقامة علاقات غير مشروعة بين أعضاء المجموعة. 
 في أي خطاب حقوق عالمي أو "غربي" يمس هذا الحكم بحرية التعبير أولاً، وثانيًا يمس بالحق في السعادة في المفاهيم الروحانية للمجتمعات. يمس هذا الحكم بالجسد ويمس بالحركة ويمس بالحب.
 ولا شك في أن هذه الأزمة تعكس التوتر القائم بين السلطات الإسلامية في إيران وبين الشباب الإيراني في نضاله من أجل تغيير النظام. لكن في الوقت عينه فإن مجرد جرأة الشباب في تصوير هذه الصور ونشرها يشف عن قدرتهم على التغيير، وينضم إلى هذه الجرأة الرئيس الجديد وتوجهاته الليبرالية. فيذكر له أيضا نشره لصورة مريم ميرزخاني التي فازت بجائزة الرياضيات "فيلدز"، وتوجت لتصبح هذه العالمة أول امرأة تفوز بهذه الجائزة الرفيعة منذ إحداثها العام 1936. ونشر روحاني صورة لميرزخاني من دون غطاء على الرأس، مغردًا أيضا في حسابه الخاص في تويتر "لقد جلبت ميرزخاني الفخر للإيرانيين"، وانهالت على الرئيس الانتقادات والشتائم. 
 في التويتر ودعمًا للإيرانيين السعداء، أطلقت حملة تدعى #freehappyiranians والتي بدأت منذ أيار/ مايو الماضي وحصدت "هاشتاج" ومقولات تدعم صاحبي السعادة. ومن يبحث في التويتر على هذا الهاشتاج يجد مقولات ومواقف داعمة للإيرانيين السعداء في مختلف اللغات. 
 لكن الأشدّ إثارة وغير الجديد في الأمر هو تدافع الإعلام الأجنبي على رواية السعادة، كما لو أن الحبكة تكمن بحرية التعبير فقط، وأبطالها هم الشباب الذين تمردوا على النظام المستبد، والنساء اللاتي خلعن الغطاء عن رأسهن ولبسن ملابس غريبة. هذا هو أصل الرواية التاريخية الخاصة بالمسلمين والعرب لدى الغرب، وهي رواية تتناسى تماما أن العقوبات المفروضة على إيران دوليا تمنع الإيرانيين الفقراء والإيرانيات الفقيرات من إمدادات طبية حيوية. وفي هذه القضية تحديداً تنتهي إشكالية المس بحقوق الإنسان بالنسبة إلى هذا الغرب، ولا يعود يهمّـه الحق في السعادة.
 إن صاحبي السعادة في انتظار تنفيذ الحكم، وفي انتظار الجلد والسجن. وتزامن هذا الحكم مع اعتقال الإيرانية البريطانية جونيشه جفامي التي اتهمت بأنها تريد مشاهدة مباراة الكرة الطائرة في إيران وهذه أيضا تعتبر جريمة لأن اللعبة للرجال.
 السعادة التي استعرضها ويليامز قد تكون بسيطة وجميلة، لكنها ضربت السعداء في الصميم، وجعلت المجتمعات الشابة تعيد النظر في السعادة، وجعلت غزة تنضم إلى قافلة السعداء رغم جرحها. قد لا أتفق مع المغني السعيد، وقد لا أصفق سعيدة في حياتي احتفالاً بالسعادة البسيطة ولكن حتما انشغل العالم مجددا بالسعادة ومعانيها المتعدّدة عند الثقافات والحضارات المختلفة، ووضعت سعادة الإيرانيين وقدراتهم الذكية أيضاً في صدارة الأحداث.
 

التعليقات