07/11/2014 - 15:30

“نقتل الفقراء، فننهي الفقر”! / رازي نابلسي

يصبح تصريح أهرونوفيتش، ساري المفعول في كل الأحوال، إلّا إذا كان القاتل يهوديا.

“نقتل الفقراء، فننهي الفقر”! / رازي نابلسي

 تسابقت القيادات الإسرائيلية على كافة المستويات، في أعقاب عملية الدهس في القدس المحتلة، أمس الأول الأربعاء، للإدلاء بالتصريحات العنصرية المعهودة. لكن في اليومين الأخيرين صدرت تصريحات غاية في الخطورة عن وزير الأمن الداخلي الإسرائيليّ، يتسحاق أهرونوفيتش، من موقع العملية.

فقد صرح أهرونوفيتش بأن ما قام به عناصر حرس الحدود، بإعدام منفذ العملية إبراهيم العكاري، هو الصواب والمهنية، وأضاف أن مصير كل منفّذ عملية، هو القتل في موقع العملية، أي إعدامه أو تصفيته على الفور.

وقد يكون إدراج تصريحات أهرونوفيتش في خانة التصريحات العنصرية ضد الفلسطينيين تقليلاً من شأن مثل هذا التصريح وتأثيره المباشر على أمن الفلسطينيين، فمثل هذا التصريح لا يؤثر مباشرة على السياسة الإسرائيلية المتبعة تجاهنا نحن الضحايا وأصحاب الأرض الأصليين، بقدر ما يؤثر على حامل البندقية المحشوة بالرصاص بالضغط على الزناد.

حسم أهرونوفيتش النقاش الذي كان يدور في الشارع الفلسطيني، حول ماهية العملية ونية المنفّذ، وهل ما حصل كان حادث سير أم عملية فدائية قام بها شاب مقدسيّ ضاق بممارسات الاحتلال ولم يجد قيادة موحدة أو فصيل يرعى نضاله ويرقى به إلى الحجم الجمعيّ والعمل النضاليّ المنظّم. والحسم هنا ليس على ماهية العملية، بل حسم للنتيجة التي ستؤول إليها الأمور في الحالتين، والمستعمر هنا اختار أن يحسم النتيجة بالطريقة التي تليق به، ويقتل الضحية.

فعلياً، ومنذ سنوات عديدة، ينفّذ تصريح أهرونوفيتش على أرض الواقع، فإعدام الشهيد إبراهيم العكاري ليس الأول من نوعه، وليس الأخير طبعاً، ولكن الخطر الأساسي في التعامل مع هذا التصريح يكمن أساساً في طموح المؤسسة الإسرائيلية بأن تنتهي العمليات الفردية، وبأن تحبط هذه العمليات قبل حدوثها، وإحباط عملية فردية يتم بحسب الحسابات العسكرية الأمنية الإسرائيلية عبر إعدام المنفّذ قبل تنفيذه للعملية، وبالتالي كون العملية فردية ولا وجود لشركاء وأجهزة استخبارية تنجح في رصد ما يفكّر به الفلسطيني قبل النوم وحيداً حين تهان والدته، أو يمنع من دخول مسجد يعد رمزاً وقبلة، يصبح إحباط العملية بقتل من يشتبه أنه يحمل النية لتنفيذها، وفي القدس تحديداً، اعتبر أهرونوفيتش أن السرعة الزائدة لسائق عربيّ تستحق أن يُعدم بسببها، والسير في المسلك القريب من القطار الداخليّ يستدعي تنفيذ حكم إعدام بلا محاكمة، بالإضافة إلى أن شعور المسلّح على حافة الطريق يتطلّب منه أن يطلق النار على عربيّ كي يرتاح، ومع بعض الصرخات من المارّين يصبح منفذ حكم الإعدام بطلاً أحبط عملية فدائية ضد مواطني إسرائيل.

وفي ساعة الاختبار، وهذا ما نذكره ويذكّرنا به التاريخ، لا تحتمل إسرائيل أن تتصرّف كدولة، ويحمل تصريح أهرونوفيتش مكوّنات هذا التحوّل جميعاً. فتحوّل الوزير، إلى قائد عسكريّ ميداني، يصدر أوامره للجنود والمسلّحين الإسرائيليين في الشوارع من خلال وسائل الإعلام، وبصورة مباشرة خارج كل إطار أو مؤسسة من مؤسسات الدولة الطبيعية، ولمكان إصدار قرار الإعدام بلا محاكمة، أهمية ليست بالقليلة، فحين يصدر الوزير قراراً في الشارع، يسقط البرلمان وتصبح المحاكم خدماتية، وتغلق أبوابها بحسب المناخ السياسي القائم.

ولعل ما قاله أهرونوفيتش، إن دل، فيدل على أن هذا الوزير يؤمن أن الحل البسيط لإنهاء الصراع، هو قتل الطرف الآخر من الصراع، وبهذا يذكّرني بمقطع من مسرحية “آخر أيام سقراط”، للأخوين رحباني، حين سأل الحاكم وزير الحرب، وقال إن علينا إنهاء مشكلة الفقر، فأجابه الآخر بالقول “نقتل الفقراء، فننهي الفقر”.

ما صرّح به أهرونوفيتش، لا يسري على جميع الحالات كما أثبت التطبيق الفعليّ لهذا التصريح، وهنا لا أود أن أقوم بمقارنة بين حالات طُبّق فيها هذا التصريح، فطبعاً ما بين الإرهابيّ الذي يقتل من دافع الحقد العرقيّ والقومي وكره الآخر كونه آخر، والضحية التي تحاول مقاومة احتلال غاشم سرق البيت والمسجد، وهجّر الأهالي، فرق كبير لا مكان فيه للمقارنة، والمقارنة في هذه الحالة مرفوضة، إلّا أن الوقوف عندها والنظر إلى ما قامت به الشرطة والمحكمة والحكومة عندما كان منفّذ العملية يهوديّ صهيوني قد يضيف جملة أخرى لتصريح أهرونوفيتش.

في الرابع من آب عام ٢٠٠٥، استقل الجنديّ في الجيش الإسرائيلي عيدن نتان زادة، حافلة انطلقت من المحطة المركزية في مدينة حيفا نحو مدينة شفاعمرو، ومع وصول الحافلة إلى المدينة، فتح زادة النار من رشاشه، الذي أعطته إياه الدولة، على الركّاب فقتل ٤ ركّاب، وجرح قرابة ال ١٦ راكباً، مما حدا بأهالي القرية لإحاطة الحافلة وقتل الإرهابي الذي ارتكب مجزرة بحق أهالي المدينة، وقتل ٤ من الشباب وسط مدينة عربية.

ما حصل حينها بعد الحادثة اختلف عما يحصل في القدس وغيرها من المناطق العربية، إذ تجندت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بما فيها المحاكم، للتحقيق في عملية قتل الإرهابي زادة، واستمر التحقيق لتقديم لوائح اتّهام بحق ستة من أبناء مدينة شفاعمرو،  بتهمة قتل الإرهابي زادة،  وانتهى مسلسل عقاب الضحية بالحكم على أبناء المدينة بالسجن الفعليّ الذي يتراوح بين ١١ شهراً وسنتين.

وفي هذا السياق، يصبح تصريح أهرونوفيتش، ساري المفعول في كل الأحوال، إلّا إذا كان القاتل يهوديا.

التعليقات