21/11/2014 - 09:18

بركة في مستنقع التحريض الدموي على الحركة الوطنية/ نضال محمد وتد

نحن أمام ما يشبه الكلام لإثار الإعجاب كما في حالة المستعمَر المصاب بعقد النقص، أو ربما محاولة هزيلة وبائسة للوشاية

بركة في مستنقع التحريض الدموي على الحركة الوطنية/ نضال محمد وتد

لا يمكن بأي حال من الأحوال القول إن النائب محمد بركة (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة )سقط في وحل التحريض الأرعن والدموي والحاقد على الحركة الوطنية ورموزها في الداخل الفلسطيني، ولا يمكن القول إن الرجل سقط في مستنقع ورمال الحرب الإسرائيلية على المقاومة الفلسطينية في القطاع، لأن مواقف الرجل، التي باح بها لصحيفة 'هآرتس' كأنه يتحدث مع أصدقاء في بيته الدافئ، ليست في واقع الحال بجديدة.

فقد سبق لمحمد بركة وحزبه، وفي أول حدث مفصلي مرت به الأقلية الفلسطينية بينما هو على رأس كتلة الجبهة، ونعني به هبة القدس والأقصى، أن اتهم، ويا للصدفة عبر صفحات كول هعير، التجمع الوطني الديمقراطي بالتقوقع القومي والانعزالية، وعاب على المفكر العربي وزعيم التجمع الوطني الديمقراطي في حينه، الدكتور عزمي بشارة علاقاته الخاصة مع سوريا.

هذه إذا ليست سقطة ولا هي بكبوة، بل هي تلخيص لسيرة رجل، تمكن خلال عقد من الزمن أن يقود انقلابا فكريا، وأن يعود بالجبهة لتصبح مجرد دمية يحرك خيوطها تلاميذ ميكونيس وفلنر وموشيه سنيه.

ولعل أخطر ما في تصريحات بركة 'كنزه المكنون' الذي فتحه فقط لـ'هآرتس'، ويا للسخرية، فإن الرجل طيلة أكثر من عقد من الزمن لم يتمكن من لفت أنظار 'هآرتس' إليه، إلا اليوم، بعد أن مدّ مراسلها بوقود حارق للتحريض على الحركة الوطنية في الداخل، في توقيت ليس بريئا على الإطلاق، بل مقصود، لأنه كان بمقدوره مثلا الانتظار إلى حين تمثيلية استقالته من الكنيست في آذار إلى حين عودته مرة أخرى كمرشح، لكن قد تكون إسرائيل عندها في أوج معركة انتخابية، وقد تكون ألسنة الانتفاضة في القدس أعلى من نقيق خطاب التعايش الشيوعي الإسرائيلي.

وفي كنز بركة المكنون تجد كل الطلقات وكل السهام المسمومة بالتحريض ضد أكبر عاملَي تحد لإسرائيل نتنياهو وإسرائيل الصهيونية: ألا وهما التيار القومي في الداخل الفلسطيني ممثلا بالتجمع الوطني الديمقارطي ومشروعه المميز الذي اجترحه وصاغه بفكره النير الدكتور عزمي بشارة، مشروع دولة المواطنين الذي يقوّض بناء وأسس صهيونية إسرائيل، ويحولها في حدود 67 لدولة كل مواطنيها. والتحدي الثاني هو المقاومة الفلسطينية التي لا يفوت بركة فرصة لمهاجمتها في محاولة لإثارة إعجاب العنصريين.

ففي تحريض بركة على التجمع الوطني، يتغابى بركة، ويدعي أن مشروع الدولة الواحدة، ناسبا هذا المشروع للتجمع لن يتحقق، وهذا على كل حال ليس عيبا، بل العيب في الصهيونية التي يدافع عنها ويتملقها، ولا يعتبر تهمة إلا في عرفها. لكن بركة يتجاهل عن سابق إصرار وترصد أن مشروع التجمع الوطني هو مشروع دولة المواطنين، والأنكى من ذلك أن الرجل لا يجرؤ خوفا من أن تطير منه عناوين 'هآرتس'، على الاعتراض، ولو شكليا، على يهودية الدولة، لأنه يدرك أن من ينادي بحل 'الدولتين لشعبين' في سياق شعار الحزب الشيوعي الإسرائيلي يقر بدولة يهودية وبإقصاء العرب في إسرائيل وينسف إمكانية عودة ولو لاجئ واحد إلى بيته.

وتكمن خطورة اختياره التحريض على التجمع وعلى عزمي بشارة (الذي ما زال شبحه يستحوذ عليه) ومن ثم النائبة حنين زعبي في التوقيت الذي اختاره، فهذا التحريض والألفاظ والنعوت التي تفوه بها بركة عامدا متعمدا، بالمناسبة، ستوفر لأمثال أوفير أكونيس ويريف لفين، ونتنياهو وميريت ريجف، 'دفعا بالغيب' يبرر كل تحريضهم الفاشي والدموي لاحقا، ضد التجمع لمنع خوضه الانتخابات القادمة، وهو نفس الأسلوب الذي لجأ إليه بركة بعد هبة القدس والأقصى، وكان هو من تزعم جوقة حاملي شعار 'إذا شطبوني لن أقاطع الكنيست' لأن التجمع هدد يومها أنه في حال شطب النائب بشارة والتجمع ومنعه من خوض الانتخابات فإن الفلسطينيين في الداخل سيقاطعون الانتخابات العامة. كان بركة عمليا يحرض على شطب التجمع وعزمي بشارة.

وبناء على ذلك وتأسيسا عليه، فإن تصريحات بركة اليوم المهداة لـ'هآرتس'، مقابل إهدائه عنوانا رئيسيا ظل يحلم به منذ دخل الكنيست خلفا لزياد، تشكل في واقع الحال رسالة واضحة من حزب بركة وجبهته. فهو الذي يتغني في 'هآرتس' بأن 'رفاقه اليهود' دافعوا عنه، يتشدق بالعربية بعد ذلك، وبالعبرية اليوم، في سياق الأقلية الفلسطينية أن القائد من يحمي شعبه لا من يريد من شعبه أن يحميه، وهو كلام رجالات السلطة الذين يبجحون عادة بأنهم 'يحمون' شعبهم بالواسطة والعلاقات مع السلطة، ويحذرونه من مخاطر النضال والنهج النضالي. القيادات تحمي شعوبها والشعوب تحمي قياداتها الوطنية، أما تحريض الشعب ضد القيادات الوطنية فهو نهج المستعمِرين العنصريين بين نواب الكنيست اليهود.

 تحريض بركة على التجمع والحركة الوطية ورموز العمل الوطني، ومرة أخرى على رأسهم الدكتور عزمي بشارة، الذي لا أظنه يذكر من هو محمد بركة، يراد منه بالأساس تصعيد المعركة الإسرائيلية ضد التجمع، وكأنه يدعو أكونيس وغيره إلى شطب التجمع ومنعه من خوض الانتخابات لأنه من يقود العرب إلى العزلة والتقوقع القومي.. هل هناك تحريض أفصح من هذا...

ومثلما يستحوذ على بركة التحريض التجمع وعزمي بشارة وحنين زعبي، في الوقت الذي يستميت فيه في الدفاع عن أولمرت ( يا سلام) وعن محمود عباس وسلطة أوسلو، يتطاول على الانتفاضة الثانية التي قادها الرئيس الشهيد عرفات، بعد أيام من ذرفه الدموع على الشهيد عرفات في رام الله. وهو فوق ذلك لا يخجل من التطاول على المقاومة الفلسطينية في القطاع وتحميلها هي دون غيرها مسؤولية العدوان على غزة، وقد سبق له أن حملها في مؤتمر اليسار الإسرائيلي في تل أبيب في ديسمبر الماضي، مسؤولية سقوط بيرس في الانتخابات عام 95، عندما قال مخاطبا رفاقه الإسرائيليين: بأن تطرف اليمين الإسرائيلي وعمليات اليمين الفلسطيني (قاصدا حماس، وكأن فتح صارت في اليسار) أوقفا مسيرة أوسلو السلمية. وسبق له أيضا أن استنكر صواريخ المقاومة في عدوان 'الرصاص المصبوب'، وتظاهر في سديروت ضد حماس وضد المقاومة الفلسطينية التي لم تملك دفاعا عن شعبها سوى صواريخها المتواضعة.

كان يمكن القول إنه لمن المؤسف أن ينهي سياسي عربي مسيرته السياسية بالسقوط في وحل التزلف لنظام احتلال عنصري وقاتل، لكن مسيرة بركة في العقد الأخير تكشف عمليا أننا لسنا أمام كبوة (وليس بركة جوادا أصلا)، بل نحن أمام ما يشبه الكلام لإثار الإعجاب كما في حالة المستعمَر المصاب بعقد النقص، أو ربما محاولة هزيلة وبائسة للوشاية. وهذه ليست أول مرة يسعى الرجل من ورائها إلى التعلق بقشة شطب التيار القومي والتجمع الوطني ومنعه من خوض انتخابات الكنيست. يصعب عدم ملاحظة نفسية الواشي في كلام بركة وتحريضه الدائم على الوطنيين.

التعليقات