24/11/2014 - 11:20

ماذا نعارض بالضبط؟/ نمر سلطاني

اعترضت حقوقية صهيونية على بعض هذه المشاريع، ليس لأنها تعارض يهودية الدولة ولكن لأنها ترى مشاريع القوانين مضرة من حيث إبراز الموضوع للنقاش العام والتسبب بالمزيد من الشروخ في المجتمع. مثل هذا الاعتراض إذا هو تكتيكي لا جوهري.

ماذا نعارض بالضبط؟/  نمر سلطاني

أثارت مشاريع القوانين المتعددة المعنية بيهودية الدولة الكثير من اللغط والجدل. لكن النقاش يكون أجدى إذا دققنا في التشخيص ولم ننشغل بمعارك جانبية. فمن المثير أن الاعتراضات في غالبها ارتكزت على مفاهيم الديمقراطية والإقصاء وحقوق الأقلية. وهذا أمر متوقع ومفهوم: فالتشديد على يهودية الدولة يتناقض مع ادعائها بديمقراطية نظام الحكم؛ ومثل هذا التشديد يبرر ويؤدي إلى إقصاء المواطنين العرب من هوية وتعريف الدولة وتوزيع الموارد المرتبطة بهذه الهوية؛ وأخيرا، فإنه يتعارض مع حقوق الأقلية الفلسطينية لمواطنة متساوية.

في هذا السياق، اعترضت حقوقية صهيونية على بعض هذه المشاريع، ليس لأنها تعارض يهودية الدولة ولكن لأنها ترى مشاريع القوانين مضرة من حيث إبراز الموضوع للنقاش العام والتسبب بالمزيد من الشروخ في المجتمع. مثل هذا الاعتراض إذا هو تكتيكي لا جوهري.

في حين اعترض صحافي إسرائيلي آخر على زيادة منسوب الفاشية والدين في هذه المشاريع. الاعتراض على زيادة منسوب الدين هو نقاش يهودي داخلي بين متدينين وعلمانيين. وبذلك فهو غير جوهري لمعارضة يهودية الدولة. لأن المعارضة هنا على مضمون يهودية الدولة لا عليها أصلا. والدين ليس مرتبطا بالضرورة بمنسوب الفاشية، لأن الفاشية تستطيع أن تتسربل بلباس علماني أيضا. ومع ذلك، فإن الاعتراض على التدين قد يكون مرتبطا بمفاهيم الديمقراطية والإقصاء وحقوق الأقليات إذا قلنا أن الهوية الدينية للدولة تؤثر سلبا على ديمقراطيتها.

أما بالنسبة للفاشية، فقد ازداد الحديث عن ذلك مؤخرا في أوساط يسارية إسرائيلية بعد الحرب الدموية الأخيرة على غزة. ولكن ليس هناك جديد في هذا الحديث. إضافة إلى ذلك، يثير هذا التأطير والتشخيص للمشكلة العديد من الإشكاليات. أولا، هذا المصطلح يوحي بأن المشكلة هي مع يمين الحركة الصهيونية لا معها عموما، ومع استشاطاتها لا مع تيارها المركزي، ومع ليبرمان ونفتالي بينيت لا مع هرتسل وبن غوريون. ثانيا، نظرا لتكرار المصطلح منذ سنوات (خصوصا من قبل أحد الأحزاب المركزية الفاعلة في أوساط الأقلية الفلسطينية) يصبح الاستمرار في استعماله ضربا من الشعار الأجوف الذي لا يعين على تشخيص أو علاج. واستعمال المصطلح منذ عقود رغم أن الفاشية تتصاعد باطراد يدل أيضا على وهنه وعدم جدواه لا تحذيرا وتنبيها ولا مقاومة وعرقلة. (راجعوا في هذا السياق مقال نبيل الصالح، 'فاشية؟! أين تعليمات الاستعمال؟..'، موقع عرب ٤٨، بتاريخ ٢٠٠٩/٣/٢). ثالثا، نما هذا الاعتراض على الفاشية في سياق الفاشية الإسبانية أيام فرانكو. كما رأينا ادعاءات مماثلة في أميركا عن الفاشية بعد ٢٠٠١. وبالتالي هو لا يخص الدول الاستعمارية التي تهدد الوجود الجماعي للسكان الأصلانيين. 

لكن بلا شك أن استعمال مصطلح الفاشية مرتبط  بمصطلح الديمقراطية. فالفاشية تتعارض مع الديمقراطية. وفعلا، فإن المعارضة للفاشية بعد حرب غزة في الصيف الأخير نابعة بالأساس من إسكات الأصوات الداخلية المعارضة (جزئيا في الغالب) للحرب بما فيها أصوات يهودية يسارية. ومن هنا فإن الاعتراض على الفاشية لا يتعارض بالضرورة مع الاحتلال والحرب ولا مع يهودية الدولة.

أما في ما يتعلق بالديموقراطية، فمن الواضح أن هذا أساس قاصر للمعارضة. أولا، مثل هذا الاعتراض يجعل من الموضوع نقاشا داخليا بين قيمتين: اليهودية والديموقراطية، فإذا زادت الواحدة نقصت الأخرى وبالعكس. ومشكلة ذلك أن الديمقراطية في أي تعريف لها تفترض مساحة للتعبير عن رغبة الأكثرية وهيمنتها الثقافية. بالتالي اليهودية كقيمة ليست بالضرورة خارجية لقيمة الديمقراطية. بالتالي لا يسائل مثل هذا الاعتراض كيفية تأسيس الديمقراطية نفسها كفعل استعماري ودموي. كما أنه لا يسائل كيف يشرعن الوعاء الديمقراطي الهيمنة الصهيونية ويعيد انتاجها. كما أن مثل هذا الحديث المستمر عن التهديد للديموقراطية يوحي أن ما زال هناك ما يكفي من المساحة الديمقراطية ليتم تهديدها وليوجب حمايتها.  

إضافة إلى ذلك، التشبث بموضوع الاقصاء وحقوق الأقلية قاصر أن يعبر عن إشكالية الاقتراحات. فمن ناحية، هذا الحديث لا يفرق بين إقصاء العربي وغير العربي. مثلا، في الالتماسات ضد قانون لجان القبول، الذي يسمح للبلدات الصغيرة أن تقصي غير الملائمين إجتماعيا، قالت منظمات حقوق الإنسان إن ذلك يشرعن إقصاء العرب وآخرين مثل المعاقين جسديا أو المختلفين جنسيا. وهذا، وإن كان صحيحا، فإنه يخفي من المشهد ما يجعل من إقصاء العرب الفلسطينيين مختلفا عن إقصاء الآخرين. وبالمقابل فإن مطالب الاعتراف بالحقوق والاحتواء والتمثيل المناسب قاصرة عن زعزعة أسس الاضطهاد التي تنتج الكثير من مظاهر العنصرية والتمييز والاقصاء. خاصة أن مثل هذه المطالب لا تتعامل مع واقع الاحتلال وتفترض واقع التجزئة بين الداخل والخارج. بالتالي هذه المعارضة وهذه المطالبة تلفت الانتباه للظواهر لا للجذور.

خلاصة القول، إن المشكلة مع مشاريع القوانين الحالية هي مشكلة الواقع الاستعماري. أي السيادة، بمعنى تشكيلة وبنية إسرائيل الاستعمارية، وليس الهوية فحسب. أما الاعتراض على هويتها الدينية والديموقراطية فهو ثانوي. لذا، على النقاش حول 'الهوية' والتعريف أن لا يشكل إلهاء وإرباكا.         

التعليقات