20/12/2014 - 12:40

سقوط نتانياهو لن يعني تغييرا../ د. باسل غطاس

والأخطر أن الحكومة الجديدة ستستطيع أن تبيع للغرب صورة مبتسمة، تبيّض وجه إسرائيل الدبلوماسي الذي شوّهه تماماً ليبرمان، بينما سيستمر الاحتلال والاستيطان بحجج مختلفة

سقوط نتانياهو لن يعني تغييرا../ د. باسل غطاس

هل نحن أمام فرصة جديدة تتشكل في المنطقة، بعد حل الكنيست، وتقريب موعد الانتخابات الإسرائيلية إلى مارس/ آذار المقبل؟

هل وصول الأوضاع في المنطقة إلى شفا الهاوية، نتيجة سياسة حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، سيكون بمثابة نقطة التحوّل في المجتمع الإسرائيلي، تؤدي إلى تغيير الحكم وإرسال نتنياهو إلى التقاعد المبكر؟ وهل فيما لو جرى ذلك، وتشكل ائتلاف جديد، بقيادة حزب العمل الحكومة المقبلة، سيحدث تحوّلاً جدياً في المنطقة، باتجاه حل الدولتين بالحد الأدنى، وفقاً للمبادرة العربية مثلاً؟

حين سعى نتنياهو إلى حل البرلمان، بعد أقل من سنتين على بدء أعماله، فيما يعتبر أقصر فترة عمل في تاريخ الكنيست الإسرائيلية، كان واثقاً من أنه سيعود إلى سدة الحكم، معتمداً على شعبيته الواسعة، كما تجلّت في الاستطلاعات، والتي وصلت إلى قمم جديدة، خلال الحرب على غزة، وكذلك من أن بلوك اليمين الذي سيطلب من رئيس إسرائيل تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، يحافظ على الأكثرية في البرلمان، بحسب الاستطلاعات خلال الأشهر الأخيرة.

بعد أيام من الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات، بدا أن الصورة ليست واضحة تماماً، وبعد الإعلان عن توحيد حزب العمل وحزب تسيبي ليفني الصغير، "هتنوعاة"، أظهرت الاستطلاعات، ولأول مرة، أن نتنياهو يواجه تحدياً حقيقياً، وأن رئيس حزب "العمل"، يتسحاق هرتسوغ، يقترب منه في استطلاعات الرأي. خارطة الأحزاب التي ستخوض الانتخابات لا تزال غير واضحة، ومن المؤكد أن هناك تغييرات جدية، تتمثل في قادم جديد، هو الوزير الليكودي السابق الذي يلعب دور النجم الموسمي، ومصير حزب "يش عتيد" غير واضح، وهو يسعى، أيضاً، إلى تشكيل تحالف جديد. أضف إلى ذلك انشقاق إيلي يشاي من حزب "شاس" المتدين، وإعلانه عن إقامة حزب جديد، وهناك احتمال انشقاق آخر في داخل حزب اليمين الديني المتطرف "البيت اليهودي"، وخروج أوري أريئيل منه. أيضاً، بشأن الأحزاب العربية التي في وسعها أن تكون مفاجأة هذه الانتخابات، فيما لو اتحدت في قائمة واحدة. الصورة لا تزال غير واضحة، وإن تزايدت احتمالات إنشاء قائمة مشتركة واحدة.

في هذه الخارطة غير المستقرة، من الصعب التنبؤ، أو استطلاع رأي الناخبين. ولكن، من الواضح أن معركة الانتخابات المقبلة ستكون مختلفة تماماً عن سابقتها. في حين دارت انتخابات 2013 على قضايا إسرائيل الداخلية، وغيّبت القضية الفلسطينية وموضوع الصراع واستمرار الاحتلال، تماماً عن الحملات الانتخابية للأحزاب كافة، بنوع من الإجماع، أدخل المجتمع الإسرائيلي في فقاعة وهمية، وكأن الأمور الأساسية هي القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وكأن الإسرائيليين يعيشون على القمر، أو في أستراليا، ما جعل حزباً فقاعياً شعبوياً، مثل "يش عتيد" يحصد 19 مقعداً. من الواضح أن الانتخابات المقبلة ستعيد إسرائيل إلى أرض الواقع، وستعود القضايا الجوهرية إلى لعب الدور المركزي في هذه الانتخابات.

وهذا يعود ليس فقط إلى المأزق السياسي والأمني والاقتصادي الذي سببته سياسة نتنياهو الاحتلالية والاستيطانية والتهويدية العنصرية، وإنما، وبشكل واضح، إلى انكشاف أكذوبة نتنياهو، وأنه لا يريد حقيقة حل الدولتين، ولا بالحد الأدنى أو حتى الأسفل، وهو عملياً لا يريد الانسحاب من أي جزء من الضفة الغربية المحتلة، وأن سياسته هي فقط إدارة الصراع وإحداث الحقائق على الأرض، وأنه قد كذّب وموّه العالم في خطاب بار إيلان الذي ادعى فيه أنه يقبل بحل الدولتين. هذا الوضع يخلق فرصة أمام حزب العمل، والأحزاب التي تريد إسقاط نتنياهو، لإعادة الاصطفاف الداخلي في إسرائيل بين مَن يريدون تسوية جغرافية ما ومن يريدون استمرار السيطرة والاحتلال. وفي هذا نوع من خلق نقطة أرخميدس جديدة في الخارطة السياسية الإسرائيلية، بعد أن اختلط الحابل بالنابل، وذابت الفوارق في السنوات الماضية، بحجة أن اليمين قد تنازل عن حلم أرض إسرائيل الكاملة، وأنه أصبح واقعياً، وأن ما يميّزه عمّا يسمى تقليدياً اليسار أنه لا يتنازل في النواحي الأمنية، وأنه الأقدر على تحقيق السلام مع الأمن.

عودة الخطوط الفاصلة بين المعسكرات في إسرائيل، وإن كانت طبيعية وتجسّد حقيقة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي، وحتى لو حدث غير المنتظر من تشكيل حكومة جديدة برئاسة هرتسوغ، فهذا لا يعني، بالضرورة، أي تحوّل جدي باتجاه تحقيق حل عادل ودائم للصراع يضمن، بالحد الأدنى، حقوق الشعب الفلسطيني، ولا تعني أبداً أنها تحمل للمنطقة بشائر الانفراج والسلام المبني على العدل. فتحالف هرتسوغ ـ ليبفي لن يذهب بعيداً أكثر ممّا ذهب أولمرت في قضايا الحل الدائم، وهو ما رفضه الجانب الفلسطيني، ووجود تسيبي ليفني، التي تحمّل الجانب الفلسطيني المسؤولية عن فشل المفاوضات مع إسرائيل خلال حكومتي أولمرت ونتنياهو، في دفة الحكم، في موقع موازٍ لهرتسوغ، يعني أن التوجه الصقري المتشدد لحكومة إسرائيل سيستمر.

والأخطر أن الحكومة الجديدة ستستطيع أن تبيع للغرب صورة مبتسمة، تبيّض وجه إسرائيل الدبلوماسي الذي شوّهه تماماً ليبرمان، بينما سيستمر الاحتلال والاستيطان بحجج مختلفة، وهذا وضع أعقد حتى من الوضع الحالي، على الأقل على المستوى الدبلوماسي. إسقاط نتنياهو، فيما لو حدث، سيكون ضربة مهمة لليمين الإسرائيلي العنصري الاستيطاني، ولممارساته العنصرية والإقصائية، خصوصاً ضد الأقلية العربية الفلسطينية، وهنا الصوت العربي، وخصوصاً زيادة التمثيل العربي في الكنيست، فيما لو اتحدت الأحزاب العربية في قائمة واحدة، وارتفعت نسبة التصويت، سيكون له شأن كبير، بل ومقرر في منع نتنياهو من العودة إلى الحكم. لكن هذا التغيير لن يجلب بديلاً حقيقياً جاهزاً لاتخاذ قرارات تاريخية لإنهاء الصراع، والتوصل إلى حل عادل ودائم.

التعليقات