25/12/2014 - 11:39

بؤس الشتات الفلسطيني/ نمر سلطاني

لا يسع المتابع لأحوال الجاليات الفلسطينية في أوروبا وشمال أميركا إلا أن يشعر بالأسى. رغم وجود هذه الجاليات في هذه الدول المتطورة منذ عقود، ورغم وجود عدد مرتفع من الكفاءات المهنية والإعلامية والأكاديمية والاقتصادية في هذه الجاليات، إلا أن

بؤس الشتات الفلسطيني/ نمر سلطاني

لا يسع المتابع لأحوال الجاليات الفلسطينية في أوروبا وشمال أميركا إلا أن يشعر بالأسى. رغم وجود هذه الجاليات في هذه الدول المتطورة منذ عقود، ورغم وجود عدد مرتفع من الكفاءات المهنية والإعلامية والأكاديمية والاقتصادية في هذه الجاليات، إلا أن حالها بشكل عام يرثى له. 

وضعف هذه الجاليات لا يبرز فقط من خلال عدم قدرتها على التأثير بشكل فاعل على محيطها الحاضن، إذ أننا نرى أن هذه الجاليات تصحو لبعض نشاط كرد فعل على هجمات إسرائيلية جديدة ضمن مظاهرات نظمها آخرون ثم تعود إلى سباتها. على سبيل المثال، رأينا أن أولى المظاهرات في لندن ضد الحرب على غزة في الصيف المنصرم نظّمت من قبل، وطغى عليها، العنصر الإسلامي غير العربي. وكانت الجالية الفلسطينية مجرد ضيف كأي متضامن في هذه المظاهرات. ورغم أن تأثير المجتمع المدني والرأي العام عموما على سياسات الدول الغربية الرسمية محدود، إلا أن انعدام الحد الأدنى من المحاولة والتنظيم يثير الاستغراب.    

الأهم من ذلك، أن ضعف الجاليات يبرز أيضا في تهميشها وهامشيتها داخل الجسد الفلسطيني السياسي عموما وعدم قدرتها على التأثير على مسار قضية فلسطين. وإذا كانت السلطة الفلسطينية معنية بتهميش الجاليات فعلى هذه الجاليات عدم القبول بهامشيتها. ذلك أن هذه الجاليات لا يجب أن تكون مجرد كومبارس للتصفيق للسياسة الرسمية الفلسطينية، بل عليها أن تكون ذات قدرة على الدعم حينا والضغط حينا حسب الحاجة. وكم نحن بحاجة إلى هذا الضغط نظرا لتراوح الأداء الرسمي الفلسطيني ما بين التفريط السياسي وانعدام الكفاءة المهنية.  

من الجليّ أن أسباب ضعف الجاليات الفلسطينية مرتبطة بالمأزق الفلسطيني عموما. فالانقسام ما بين فتح وحماس واضح في كل جالية مما يجعل من الممكن التحدث عن جاليتين فلسطينيتيين لا جالية واحدة في كل بلد. كما أن اندثار اليسار الفلسطيني حاضر في هذه الجاليات. والصراعات الداخلية في فتح بدأت تنعكس على الجالية أيضًا. ومثلما جيّرت الحركات الفلسطينية في الضفة وغزة المؤسسات التي كان من الممكن أن تشكل مجتمعًا مدنيًا (من اتحادت طلبة وعمال وغيرها) لأغراضها الحزبية الفئوية فقد فعلت الشيء نفسه في داخل الجاليات. ونتج عن ذلك ضعف هذه المؤسسات.  

ولا شك أيضا أن الجاليات الفلسطينية استوردت انعدام الثقافة الديمقراطية في داخل الحركات الفلسطينية. فقد تبنت هذه الحركات منذ بداياتها النمط الستاليني من المركزية الديمقراطية. وإذا كان العمل الثوري وضرورات السرّية في الستينيات والسبعينيات قد برّر تجاهل الأنظمة الداخلية لهذه الحركات نفسها، فإننا اليوم نجد أنفسنا بلا ثورة وبلا ديمقراطية. وإذا كانت هيمنة شخصية القائد على الحركة مبرّرة، بالنسبة للبعض، عندما يكون القائد زعيما تاريخيا، فلا تبرير لها عندما يكون القائد متوسط القدرات ومتهاونا سياسيا. 

أضف إلى ذلك، أن الانقسام العربي الحالي بعد الربيع العربي وما رافق ذلك من رداءة وتفاهة الكثير من وسائل الإعلام العربية تنعكس أيضًا على المشهد الفلسطيني في الداخل والخارج. فالفلسطينيون منقسمون تجاه هذه الأحداث. ومثلما كانت الأنظمة العربية في عهد الثورة الفلسطينية تدعم منظمات فلسطينية شتى لمصالحها فإننا نرى اليوم أموراً مشابهة.    

لذا، لا عجب، والحال على ما هي عليه، أن تتراوح محاولات تنظيم الجاليات الفلسطينية ما بين عدم الإكتراث والفشل. فمن ناحية، يتجنب الكثيرون من أصحاب القدرات والرؤية الوطنية الانخراط في محاولات تنظيم الجالية بسبب هذه الظروف. ومن ناحية أخرى، تفشل العديد من محاولات دمقرطة هذه الجاليات عبر مؤسسات فاعلة بسبب انعدام الثقافة الديمقراطية واختلاف المصالح والرؤى. 

إن تنظيم الشتات الفلسطيني أمر بالغ الأهمية ويحتاج إلى عمل دؤوب ومخلص. فالشتات المتواجد في الدول الغنية، رغم كل هذه الصعوبات، يملك من حرية الحركة والاستقلالية ما لا يملكه الكثيرون في الضفة وغزة بسبب سيف قطع الأرزاق أو القمع المُشهر عليهم. لقد سبق موت الثورة الفلسطينية (واستبدال الفدائي بالمفاوض وموظف الجمعية) انطلاق الثورة المضادة العربية. ولم يؤد الربيع العربي إلى ربيع فلسطيني. فمتى يبدأ ربيع الجاليات الفلسطينية؟  

التعليقات