17/01/2015 - 08:22

مع شارلي بدون تأتأة وضدها بدون نفاق!../ مريم فرح

غير أن المسيرة ضد الإرهاب التي دعت فرنسا إليها، وهي إحدى دول الناتو، تجاهلت كونها في المرتبة الخامسة من حيث تصدير الأسلحة إلى أماكن النزاعات في العالم عامة والشرق الأوسط خاصة

مع شارلي بدون تأتأة وضدها بدون نفاق!../ مريم فرح

أثارت واقعة "شارلي إيبدو" في فرنسا ضجة إعلامية عالمية كبيرة لم نشهد مثيلاً لها منذ سنوات.

انتشرت شعارات "أنا شارلي" في مختلف أنحاء العالم، وفي كافة وسائل الإعلام الافتراضي، حتى أنار هذا الشعار قوس النصر في شارع الشانزاليزيه من جهة، وأطفئ برج إيفيل حدادا على ضحايا شارلي من جهة أخرى. واتحدت وسائل الإعلام الفرنسية في ذات اليوم تضامنا مع شارلي، ونشرت مجلة ليبراسيون الفرنسية على صفحتها الأولى ترويجا لعدد شارلي الذي صدر يوم الأربعاء الماضي.

إن قتل 17 مدنيًا من بينهم 4 رسامين لا يحتاج إلى أي تأتأة في إدانته، ولا إلى جمل مهادنة مثل "أنا ضد القتل ولكن..."، لا حاجة بتاتاً إلى لكن، والإدانة يجب أن تكون كاملة ومباشرة. يأتي هذا التضامن مع أفراد أو مع فئة من المجتمع وليس مع النظام الفرنسي المسؤول عن جرائم إنسانية أخرى سوف أتطرق لها لاحقًا. لا نحتاج للوقوع في فخ المقارنات، لأن واقعنا سيكون دائما الأسوأ كأفراد وكدول أو كدويلات.

ولكن، إدانة الجريمة لا تعني الخطاب الاعتذاري الذي تم استخدامه أو انتزاعه من الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا وهو خطاب مرفوض، وكأن من لم يرتكب الجريمة بحاجة لإثبات براءته منها! لا حاجة للبحث عما يمثل الدين الإسلامي وعما لا يمثله، ولا حاجة لتمثيل الجاني والمجني عليه. ولا حاجة إلى تصوير ونشر مأساة الشرطي المسلم الذي قتل في العملية، وكأنه العلم الأبيض الذي يرفعه العربي والمسلم للفرنسي دلالة على حب واحترام الجمهورية.

ازدواجية شارلي

تأسست شارلي في السبعينيات متأثرة من ثورة الطلاب في أيار/ مايو 1968 في فرنسا، ولكنها انحازت في السنوات الأخيرة، والتي انخفضت خلالها شعبيتها إلى اللوبي الصهيوني الفرنسي، وكانت ذروة الانحياز عام 2008 حيث طرد رسام الكاريكاتير موريس سيني المناهض للاستعمار لرفضه الاعتذار على تعليقات اعتبرت لاسامية في شارلي. سخر حينها سيني من ابن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، جان ساركوزي، عندما تزوج من فرنسية يهودية وادعى أنه أصبح يهوديا، وعندما رفض سيني الاعتذار حسب طلب المحرر فيليب فال طرد من المجلة، وأسس بعدها مجلة ساخرة أخرى سيني مانسويل تسخر بدورها من شارلي. ويذكر سيني في إحدى مقابلاته أنه تم تهديده من قبل اللجنة لحماية اليهود في فرنسا. يضاف إلى ذلك فصل صحافيين آخرين لعدم توافقهم مع سياسات المجلة التي لن أتطرق إليها في هذا المقال.

إن الكاريكاتير الذي تنشره شارلي يحمل في طياته العديد من الرسائل المباشرة وغير المباشرة، حيث تدعي شارلي أنها تستخدم الكاريكاتير والساتيرا للنقد اللاذع ضد السلطة السياسية والدينية في فرنسا وفي العالم. أما الرسائل غير المباشرة البعيدة عن صراع حرية التعبير فهي رسائل خطيرة وقد تستخدم لتعبئة المجتمع الفرنسي ضد المسلمين، خاصة في ضوء انتشار داعش وحركات متطرفة أخرى. وفي هذا السياق نشر موقع الاتحاد اليهودي الفرنسي مقالا تحت عنوان "أن نكون أو لا نكون شارلي... هذا ليس السؤال". والتساؤل الأساسي في المقال هو حول قدرة حرية التعبير أن تنتقد الديانات بهذه الصورة بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي الحالي والذي ليس حيادياً بتاتا في هذا الوقت وفي التطورات في المنطقة.

ويوجد لمضامين وكاريكاتير شارلي دور في انتشار الإسلاموفوبيا في فرنسا، والذي يظهر في سن قوانين لحماية "العلمانية الفرنسية" ضد المسلمين، والهجوم على المساجد والاعتداءات الجسدية. وتستحضر هذه الحالة الكاريكاتير الذي انتشر في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي في أوروبا وألمانيا والتي كان لها دور أساسي في تحقير اليهود، وأدت في نهاية المطاف إلى شرعنة النازية.

اما تداعيات العملية فقد بدأت تظهر في مسيرة الجمهورية، والتي شارك فيها قرابة 4 ملايين فرنسي، وجرت في حي الجمهورية الموجود فيه تمثال "مريان" رمز الثورة الفرنسية، وهذا ليس صدفة، فمن يسمع الإعلام الفرنسي الوسطي في نفس اليوم، اعتبر الجريمة مساسا بقيم الجمهورية الفرنسية التي قامت عليها الثورة الفرنسية.

غير أن المسيرة ضد الإرهاب التي دعت فرنسا إليها، وهي إحدى دول الناتو، تجاهلت كونها في المرتبة الخامسة من حيث تصدير الأسلحة إلى أماكن النزاعات في العالم عامة والشرق الأوسط خاصة، عدا عن أن مجموعة من رؤساء الدول الذين قاموا بعمليات إجرامية ضد الإنسانية كانوا في طليعتها، على غرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي قتل 12 صحافيا في العدوان الأخير على غزة، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير خارجية مصر سامح شكري في الوقت الذي أنهى صحافيو الجزيرة عامهم الأول في السجون المصرية، ووزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية نزار مدني في الوقت الذي يجلد فيه المدون السعودي رائف بدوي.

وليس من المبالغة القول إن الرابح الكبير من هذه الأحداث هو اللوبي الصهيوني، الذي استطاع تحويل هذه القضية من شعار "أنا شارلي" إلى شعار "أنا يهودي"، واستطاع نتنياهو أن يقف في الصف الأول منددا بالإرهاب رغم تحفظات قصر الإليزيه من مشاركته في المسيرة، واستطاع أن يقف بجانب محمود عباس وكأن إسرائيل وفلسطين دولتان صديقتان، وكأن الاحتلال ليس إرهابا.

في النهاية، ما كان ينقص هذا المشهد هو مشاركة بشار الأسد في المسيرة ورفع راية "أنا الأسد"!

التعليقات