08/03/2015 - 14:44

ملاحظات حول الوحدة والانتخابات/ نمر سلطاني

في هذه العجالة سأدّعي أن من الضروري الحذر لكي لا تكون الوحدة والتركيز على الانتخابات الجارية عبارة عن العلاج الخاطىء للداء الفرعيّ.

ملاحظات حول الوحدة والانتخابات/ نمر سلطاني

هل القائمة المشتركة 'حدث تاريخي فاصل'؟ يبدو التريث ترفًا هذه الأيام على ضوء نشوة وحدة القوائم العربية وفي خضمّ حمّى الانتخابات المتصاعدة. ومع ذلك فلا بد لنا من مقاربة الأسئلة التي لا تخضع تماما لحسابات الجولة الانتخابية المقبلة. ومشكلة النقاش حول هذا الموضوع تكمن في موسميته الملازمة لموسمية الانتخابات التي تتبعها موسمية الأحزاب. هذه الموسمية تجعل من الصعب على النقاش أن يتعدى الاستقطاب، وفي الغالب السطحية أيضًا. مشكلة طرفي النقاش واحدة: انعدام مشروع جامع تكون الانتخابات أو المقاطعة جزءًا منه. لا تستطيع الانتخابات والتصويت أن تكون مشروعًا بحدّ ذاتها ولا يجب أن تكون المقاطعة بديلاً للسياسة بل جزءًا منها ولن تكون ناجعة الوقع إلا إذا تحولت إلى مشروع جماعيّ. كما أن الوحدة القومية والتنظيم على أساس قومي هي ليست هدفًا بحدّ ذاتها وإنما وسيلة من أجل هدف. وإذا كانت الوحدة مجردّ وعاء من دون اتفاق على الأهداف بعيدة المدى (وبالتالي لا غرابة في الاختلاف على الخطاب والتكتيك) سيبقى هذا الوعاء فارغًا. وهذا الفراغ سيؤدي ليس فقط للتشتت رغم الوحدة ولكن أيضًا سيقع فريسة للعوامل الانتهازية.     

في هذه العجالة سأدّعي أن من الضروري الحذر لكي لا تكون الوحدة والتركيز على الانتخابات الجارية عبارة عن العلاج الخاطىء للداء الفرعيّ. 

بين التمثيل والتنظيم

الإشكالية الأساسية في نظري هي أن التركيز ما زال محصورًا على التمثيل السياسي. والتمثيل السياسي على أهميته ليس خاتمة المطاف. يبدو لي أحيانا أن الأمور قد انقلبت واختلطت علينا الأولويات: التمثيل السياسي هدفه تنظيم الجماهير (وليس العكس: تنظيم الجماهير هدفه حماية التمثيل السياسي!) وفي الحقيقة أن الوقوع في هذا المطبّ  مفهوم إلى حدّ ما بسبب التركيز على القيادات القطرية، من ناحية، وتركيز القيادات القطرية على تمثيل الناس لا تنظيمهم. وهذا التنظيم يتطلب العمل الدؤوب من قبل قيادات محلية لتمكين الناس ومساعدتهم على تطوير مقومات الصمود. هذه المقومات هي ضرورة ملحّة على ضوء إزدياد الفقر والعنف والإجرام المنظم في مجتمعنا.

ورُغم رفضنا للنقد السلطوي للنواب العرب بما يتعلق بأدائهم وأكذوبة إهمالهم لمصالح الناس، إلا أن علينا أن نعترف أن هذا الأداء محكوم لا ريب بالمشهد العام. إن مقارنة سريعة بين المستوى العام لأعضاء البرلمان الإسرائيلي عمومًا قبل عقد من الزمن واليوم ستجد أن هناك انحدارًا عامًا بالمستوى. هذا يعود لصعود الشعبوية من ناحية ولتأثير المال على السياسة من ناحية أخرى. ولا شك أنّ مواقع التواصل الإجتماعي (كالفيسبوك) وكذلك سيطرة الصوت والصورة على المخيلة الجماعية (موقع يوتيوب مثلا) هي عوامل مساعدة لصعود الشعبوية. فمع أنّ الشعبوية هي ظاهرة سابقة لعهد الانترنت إلا أنها تتغذى منه بشكل يجعلها مختلفة عمّا سبق: إذا كانت الشعبوية القديمة أكثر مباشرة وتواصلا مع الناس، فإنّ الشعبوية الحديثة تتمّ عن بعد وبوساطة إلكترونية. وتنظيم الناس عن طريق جهاز التحكم عن بعد هو تنظيم سريع الزوال وقد لا يتعدى حدود الجلوس أمام الشاشات.

من الصعب على النواب العرب في هذه الأجواء ألاّ يتنافسوا مع غيرهم بوسائل المرحلة. ومن الصعب عليهم ألا يتنافسوا من أجل الصوت والصورة واللايك. ولكن هل يرتقي هذا الأداء إلى مستوى الحدث مع ازدياد القمع؟ وكان نبيل الصالح قد اقترح سلسلة من الخطوات قبل خمس سنوات للتصعيد ولكن شيئًا من ذلك لا يبدو على خارطة احتمالات ممثلينا. (نبيل الصالح، 'منظومة السيطرة' هنا كذلك!!..'، موقع عرب ٤٨، ١٤ أيار ٢٠١٠).             

بين المقاطعة والتحضير للمقاطعة

شيء آخر ليس على رادار ممثلينا وأحزابنا هو المقاطعة. وأعني بذلك السؤال التالي: لنفترض أن الانتخابات الحالية ليست الفرصة المناسبة للمقاطعة وأن الخيار الأفضل هو التصويت. ولكن مع اشتداد القمع وازدياد قوة اليمين: هل هناك نقطة ما في تاريخنا السياسي سيكون فيها خيار المقاطعة إمكانية جدية؟ ما هو الخط الأحمر؟ هل كلما ازداد القمع سيكون جوابنا فقط التشبث بالتمثيل السياسي من دون قيد أو شرط وحتى لو أصبح بلا فائدة تُرجى؟ وإذا كان الجواب أن هناك خط أحمر وهناك نقطة يمكن أن نصل إليها في السنوات المقبلة بشكل قد يستدعي المقاطعة: لماذا لا نقوم بالتفكير والتحضير للمقاطعة لكي نكون جاهزين على المدى البعيد عندما يحين الوقت؟ وإذا كانت مشكلة المقاطعة أنها قد تترك فراغًا سياسيا: لماذا لا نقوم بتنظيم الناس وبخلق الأطر المحلية والقطرية التي تمنع الفراغ السياسي وتجعل مقاطعة الكنيست جزءًا من مشروع سياسي لا يأسًا من السياسة؟

لا شك إذًا أن هناك تقصير من الأحزاب. ولكن علينا أن نعترف: سبب هذا التقصير، على الأقل جزئيًا، الاختلاف الجوهري بين الأحزاب على معنى التمثيل السياسي (بعضها يراه الهدف الأسمى) وعلى التنظيم القومي (بعضها يرفض أي تنظيم خارج حدود المواطنة).  ومما لا شك فيه أن الوحدة لأغراض إنتخابية لم تحلّ هذه القضايا بل تجنبتها من باب كفى الله المؤمنين شر القتال. ولكن تجنبها لا يؤدي إلا إلى صنمية التمثيل السياسي.       

بين السيادة والاقصاء

هذه الاختلافات تختفي أحيانًا تحت السطح بسبب الخطاب المرتبك والمربك. مثلا، كل الأحزاب تتحدث بلغة الأقلية الأصلانية وخطاب السكان الأصلانيين. ومن المهم التسجيل أن هذا الخطاب قد تعمّم منذ منتصف التسعينيات. لكنّ من يعرف مطالب الشعوب الأصلانية في كندا وأمريكا مثلا يجد أن الكلمة المفتاح لمطالب الأقليات أو الشعوب الأصلانية هي النزاع على السيادة. وهذا لا يعني فقط العدل التصحيحي بشأن الأرض والاعتراف بالغبن التاريخي وإن كان يشملهما. وهذا يعني أن المشكلة هي ليست في الإقصاء بقدر ما هي في الإحتواء ضمن سيادة ظالمة بنيويًا. (انظروا مثلا نبيل الصالح، 'نقلة نوعية بدأها التجمع وتدوم به..'، موقع عرب ٤٨، ١٩ ديسمبر ٢٠٠٨؛ وكذلك كتاب سامرة إسمير عن الاستعمار البريطاني في مصر 'الإنسانية المقوننة')

من هنا، فإنّ محاولات الإقصاء من التمثيل السياسي والرد عليها بالتشبث بالتمثيل والوحدة الانتخابية هي جزء من القصة لا كلها. وعلينا أن لا نشيّء الواقع بتحويل الجزء إلى الكل.     

هذا التشييء واضح عندما نحصر العمل السياسي والرغبة في التأثير بالإنتخاب والتمثيل. وهو واضح أيضًا في خطاب بعض المقاطعين. لأن خطاب الشرعنة لا يجب أن يكون مقصورًا على الانتخابات. إذا كنا نرى بإسرائيل دولة استعمارية،  فالانتخابات هي ليست وسيلة الشرعنة الوحيدة. ولكي لا يبقى الحوار محصورًا بين الراغبين بالتأثير والرافضين للشرعنة علينا أن نفكر بالطرق الأجدى لتنظيم الناس لكي يكون التأثير وتحدي الشرعنة في مدى أوسع من الإنتخابات والوحدة الآنية. هذا العمل الشاق للتنظيم (واكتشاف معناه لا يتمّ إلا بالممارسة والتجريب والنظر إلى تجارب الشعوب الأخرى) قد يفضي إلى وحدة حقيقية مبنية على مضمون متفق عليه. 
 

مقالات أخرى للكاتب:

ملاحظات ​حول الحركة النسوية الفلسطينية

بؤس الشتات الفلسطيني

- نحن وثورة ظُفار

- ماذا نعارض بالضبط؟

(د. نمر سلطاني، محاضر في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن)

التعليقات