20/03/2015 - 09:05

نتنياهو أحال "دور النازيين" إلى فلسطينيي 48؟/ أنطـوان شلحـت

نتنياهو أحال

ثمة سياقان متصلان مبنى ومعنى لا يجوز تلخيص النتائج التي أسفرت عنها انتخابات الكنيست الجديد (يوم 17 آذار 2015) بالتنائي عنهما:

الأول، جوهر المقاربة الأيديولوجية اليمينية المتشدّدة التي يتبناها رئيس الحكومة ورئيس الليكود بنيامين نتنياهو؛

الثاني، التغيرات الديمغرافية داخل إسرائيل ولا سيما في أوساط اليهود.

ولئن كانت التحليلات الإسرائيلية في معظمها قد اعتبرت تلك النتائج وفي مقدمها الانتصار الجارف الذي أحرزه نتنياهو لحزبه بمثابة ثمرة ما اصطلح على تسميته بحملة الـ"غفالد" (كلمة ييديشية معناها: النجدة!) والتي وقفت في صلبها رسالة فحواها أن الجمهور اليمينيّ مُطالب بالتصويت لصالح حزب الليكود ورئيسه لإنقاذ السلطة والدولة في إسرائيل من مغبة حُكم "اليسار" المدعوم من العرب، فإن الاستنتاج المطلوب استخلاصه من ذلك هو أن مقاربة الحفاظ على الشعور بالتهديد الوجودي المستمر على الرغم من أنه لم يعد ثمة ما يبرِّره منذ فترة طويلة باتت مستحكمة لدى أوساط إسرائيلية واسعة النطاق.

ومعروف أن نتنياهو يتبنى هذه المقاربة منذ أن بدأ بتولي رئاسة الحكومة الإسرائيلية منذ نحو عقدين. وقد ورثها عن أسلافه من السياسيين الإسرائيليين، وخصوصاً ورث عن هؤلاء السياسيين عملية الإيحاء الاستحواذي بأن أي تهديد مستجد لا يقل خطورة عن التهديد الذي شكلته المحرقة النازية.

ولعل الأمر الجديد في هذه الانتخابات أن نتنياهو أحال "دور النازيين" المسؤولين عن "تهديد المحرقة" في خضم هذه الانتخابات إلى فلسطينيي 48.   

وكنّا قد نوهنا في السابق، مرات من الصعب حصرها، بأن السمة الغالبة على موقف المؤسسة الإسرائيلية إزاء فلسطينيي 48 خلال الأعوام الأخيرة أنهم "خطر أمني" أو "عدو داخلي". ومع أنها سمة متأثرة، إلى حدّ بعيد، بالموقف الإسرائيلي التقليدي، إلا إنها شهدت تصعيداً يثقب العين منذ العام 2000 الذي شهد هبة شعبية لهؤلاء عُدّت إسرائيلياً امتداداً للانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) وسميت "هبّة أكتوبر".

ولنتنياهو نفسه "بصمة" خاصة في تكريس هذه السمة، وهو ما أشرت إليه في أكثر من مناسبة كان آخرها ضمن الكتاب الذي ألفته عنه بعنوان "بنيامين نتنياهو: عقيدة اللاحل" وصدر أخيراً عن منشورات المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار.

ومن جملة ما كتبته أنه في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2010 كتب المحلل السياسي في صحيفة هآرتس ألوف بن، الذي أصبح لاحقاً رئيساً لتحريرها، أن الجهد الأساس الذي تبذله حكومة بنيامين نتنياهو الثانية (بدأت ولايتها في العام 2009 وانتهت في ربيع 2013) مُوجّه نحو غاية واحدة: قمع التطلعات السياسية للمجتمع العربي في إسرائيل. وبرأيه فإن الطاقة التي تستثمرها حكومته من أجل تحقيق هذه الغاية أكبر من الطاقات التي تستثمرها في دفع العملية السياسية قدماً، ولا تقل عن الطاقات التي تستثمرها في إحباط التهديد (النووي) الإيراني.

وأضاف أن الجهود الإسرائيلية لقمع تطلعات الأقلية العربية "متعددة الجبهات ويتم التعبير عنها من خلال مبادرات سن قوانين وإجراء تغييرات في جهاز التربية والتعليم وأنشطة رمزية وخطوات دبلوماسية تهدف إلى تحصين هوية إسرائيل اليهودية". وشدّد على أنه في المقابل "تتم مطالبة الأقلية العربية بالتنازل عن مطلبها بالحصول على ديمقراطية وعلى مساواة أكثر" مع المواطنين اليهود.

وأشار هذا المحلل نفسه إلى أنه على الرغم من أن تصعيد التوتر الداخلي مع المواطنين العرب كان مقترناً على نحو عام بعدد من الوزراء في حكومة نتنياهو الثانية ومنهم أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يقف على رأس عملية قمع العرب في إسرائيل، ومن خلفه الوزير إيلي يشاي رئيس حزب شاس في ذلك الوقت، ووزير العدل يعقوب نئمان، لكن هؤلاء جميعاً ليسوا أكثر من مجرّد حاملين لهذه الراية، ويختبئ وراءهم رئيس الحكومة نتنياهو، مشدداً على أن هذا الأخير هو المبادر والمحرّك لهذه السياسة، على الرغم من أنه يقلل من الحديث حول الموضوع ومن التحريض ضد العرب.

وأوضح بن أن "نتنياهو يرى أن إسرائيل هي  جزء لا يتجزأ من  الغرب وثقافته. وتاريخ العرب وثقافتهم ولغتهم لا تثير فضوله قطّ، ومنذ عودته إلى سدة الحكم زار مرة واحدة بلدة عربية (شفاعمرو)، وهو لا يجري حواراً مع  قادة الأقلية العربية أو مع مثقفين عرب". وأضاف أنه "وفقاً لما هو معروف فإن نتنياهو لا يكره العرب ولا يتحدث عنهم بصورة عنصرية واستعلائية مثل (رئيس الحكومة الأسبق) أريئيل  شارون، وإنما يبتعد عنهم فقط". وأشار إلى أن نتنياهو كشف عن سياسته ودوافعه خلال الدورة الثالثة لمؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي، العام 2003، عندما كان وزيراً للمالية في حكومة شارون، لكن أقواله لم تحظ بصدى كبير آنذاك، غير أن التدقيق فيها الآن من شأنه أن يوضح المقاربة التي يتم تطبيقها من جانب حكومته إزاء العرب في الداخل.

ولدى العودة إلى خطاب نتنياهو هذا نقرأ فيه قوله:

"إننا نواجه مشكلة ديمغرافية أيضاً، لكنها غير متركزة في عرب فلسطين وإنما في عرب إسرائيل. لا توجد لدينا أي نية للسيطرة على السكان الفلسطينيين، ولذا فإن المشكلة الديمغرافية لن تكون قائمة هناك عندما ينتقل هؤلاء السكان إلى السيادة الفلسطينية. وقد حددنا في وثيقة الاستقلال أننا نقيم دولة يهودية وديمقراطية. دولة يهودية أولاً وقبل أي شيء، وبعد ذلك ديمقراطية. وكي لا تلغي الديمقراطية الطابع اليهودي للدولة، يجب ضمان أغلبية يهودية. إن مسألة العلاقة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية هي قبل أي شيء مسألة مزدوجة، مسألة نسيج العلاقات والقدرة على دمج هذه الأقلية في حياة الدولة وفي الاقتصاد والمجتمع من جهة أولى، ومسألة العدد من جهة أخرى. وإذا ما اندمج السكان العرب بشكل رائع (في الدولة) ووصل عددهم إلى 35 بالمئة أو 40 بالمئة من مجمل عدد سكان الدولة، عندها ستصبح الدولة اليهودية ملغية وتتحول إلى دولة ثنائية القومية. ولو بقيت نسبتهم كما هي عليه الآن، أي حوالي 20 بالمئة، أو حتى أصبحت أقل، لكن العلاقات بقيت متسمة بالصرامة والتحدي والعنف وما إلى ذلك، فإنه في هذه الحالة أيضا سيتم مس ادعائنا بشأن النسيج الديمقراطي. ولذا نحن بحاجة إلى انتهاج سياسة توازن بين هذين الأمرين. وقبل أي شيء يتعين علينا أن نضمن أغلبية يهودية في دولة إسرائيل".

ووفقا لما يؤكده بن فإن أفكار نتنياهو في هذا الموضوع لم تتغير بعد أن أصبح رئيس حكومة، وبالنسبة إليه فإن إسرائيل هي أولاً وقبل كل شيء دولة يهودية، وفقط بعد ذلك هي ديمقراطية. والمشروع الحكومي لترميم المواقع التراثية، الذي يفتخر نتنياهو به، يركز على المواقع اليهودية والصهيونية ويتجاهل التراث العربي. إضافة إلى ذلك فإن وزارة التربية والتعليم التي كان يتولاها وزير مقرب من نتنياهو، تطهر المنهاج الدراسي من دون أي ذكر للنكبة، كما أن مشاريع قوانين الولاء (ليهودية إسرائيل) تتكرّس من دون أي عقبات تذكر في سجل القوانين الإسرائيلية. وفوق كل هذا، هناك مطلب نتنياهو من الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل على أنها "دولة الشعب اليهودي" والتي تبدو له كحصن أمام أي مطالب مستقبلية بشأن إدارة ذاتية عربية في النقب والجليل. وفي مقابل قمع طموحات العرب السياسية يطرح نتنياهو على الأقلية العربية سلاما اقتصاديا داخليا. وهو يفعل ذلك لكونه يعرف أن إسرائيل ستواجه صعوبة في النمو الاقتصادي في المستقبل إذا لم ينخرط العرب في قوة العمل (طبعاً على أساس الرابطة بالدولة لا بالوطـن).

وعلى ذكر "مؤتمر هرتسليا" الذي يناقش سنوياً "الموضوعات الساخنة" التي "تقلق إسرائيل" ويصوغ التحديات المقبلة في المدى القريب والمدى البعيد، فإنه منذ أول مؤتمر في العام 2000 يقف موضوع العرب في الداخل في صلب هذه الموضوعات.

وقد خصص "مؤتمر هرتسليا" إحدى جلسات دورته الثامنة (في العام 2008) للتداول في موضوعين يخصان المواطنين الفلسطينيين في الداخل ويندرجان في إطار قمع تطلعاتهم السياسية:

الأول، موضوع المساواة والدمج؛

الثاني، موضوع الخدمة المدنية.

وكان هذا المؤتمر في دورته السابعة (في العام 2007) قد شنّ هجوماً على مبادرات الرؤى المستقبلية لعرب 48 التي صدرت في ذلك الوقت. وهي على التوالي "التصوّر المستقبلي"، الصادر بمبادرة من اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية ومجموعة من الأكاديميين والمثقفين والناشطين في المؤسسات الأهلية، و"الدستور الديمقراطي"، الصادر عن عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، و"وثيقة حيفا"، الصادرة بمبادرة مدى الكرمل- مركز الدراسات الاجتماعية التطبيقية في حيفا.

وتكمن أهمية هذا المبادرات في أنها تضع لأول مرّة رؤى وتصورات لأسس العلاقة بين الدولة وبين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وفي أنها كانت إيذاناً ببداية مرحلة مبادرات ذاتية فكرية جوهرها تحوّل الفلسطينيين إلى ناحية النظر إلى أنفسهم، والمشاركة الفكرية الفاعلة في تقرير مصيرهم ومستقبلهم. وقد عنت هذه المبادرات، في الوقت نفسه، دفع المشكلات القومية والمدنية للفلسطينيين في الداخل إلى صدارة جدول الأعمال الإسرائيلي، سواء في قراءة الفلسطينيين أنفسهم، أو في قراءة المؤسسة الإسرائيلية السياسية والأمنية والأكاديمية.

وقد اعتبر رئيس المؤتمر عوزي أراد، في كلمته الافتتاحية لدورة 2007، أن استئناف المواطنين العرب على "يهودية إسرائيل"، كما تجلّى الأمر بحسب قراءته في "وثيقة التصوّر المستقبلي"، إنما يضعهم في قارب واحد مع "القوى المحيطة بإسرائيل الرافضة لحقها في الوجود كدولة ديمقراطية ويهودية، وهو الحقّ الذي اعترف به العالم"، على حدّ قوله.

واعتبر أراد أنه خلال العام الذي سبق انعقاد هذه الدورة، شهدت إسرائيل مداً في خطورة المشكلات الماثلة أمامها. ولدى قيامه باستعراض هذه المشكلات قال: "هناك إيران التي تستفز إسرائيل عبر تقدمها صوب تطوير قدرتها النووية. وفي الولايات المتحدة تفاقمت بعض المظاهر المتحفظة من العلاقات الخاصة التي تمّ بناؤها طوال سنوات عديدة بين واشنطن وإسرائيل. وفي البلاد أدار رؤساء الوسط العربي، بصورة واضحة، ظهر المجن للأركان الأساسية لإسرائيل كدولة ديمقراطية وكدولة يهودية، وبذا فقد ربطوا مصيرهم مع المحيطين بنا المتشككين أو الرافضين لحقّ دولة إسرائيل في الوجود، وفقما جرى الاعتراف بها من جانب العالم. وفي الصيف الفائت (2006) خضنا حرباً ضد تهديد حزب الله. وهذه الحرب افتقرت إلى القوة الساحقة، ولم تحسم المعركة، والأسوأ من ذلك أنها أدت إلى تآكل قوة الردع لدى إسرائيل. وأجيز لنفسي القول إنه بالنسبة إلى جزء من هذه التطورات فإنّ قيادتنا تتحمل المسؤولية عنها أيضاً".

غير أن التطورات التي طرأت منذ ذلك الوقت وصولاً إلى حملة الـ"غفالد" المُشار إليها آنفاً ما كان يمكن لها أن تحدث من دون بعض التغيرات الديمغرافية الحاصلة في إسرائيل والتي جعلت المزيد من فئات المجتمع الإسرائيلي تتماشى مع هذه الحملة و"تفزع" لنداء "النجدة" الذي أطلقه نتنياهو. هذه التغيرات هي السياق الآخر الذي لا بُد من أخذه بالاعتبار لدى تلخيص النتائج التي أسفرت عنها انتخابات الكنيست الجديد. وهو ما سنتطرّق إليه بقدر مناسب من التفصيل ضمن معالجة ثانية.

التعليقات