20/03/2015 - 20:30

وليد سيكبر إن رعيناه/ حنين زعبي

​لن يتوقف القرار التاريخي الذي اتخذته الأحزاب قبل شهرين عن إنتاج تداعيات ومعان، يختار كل حزب منا التشديد على جوانب منها وإضفاء معان مختلفة لها، كل منا حسب برنامجه ومشروعه السياسي ورؤيته للصراع ولأهمية مركب الهوية فيه.

وليد سيكبر إن رعيناه/ حنين زعبي

لن يتوقف القرار التاريخي الذي اتخذته الأحزاب قبل شهرين عن إنتاج تداعيات ومعان، يختار كل حزب منا التشديد على جوانب منها وإضفاء معان مختلفة لها، كل منا حسب برنامجه ومشروعه السياسي ورؤيته  للصراع ولأهمية مركب الهوية فيه.

لكن ما قد يضمن ويحافظ على التعامل الندي والحفاظ على حدود الإجماع ضمن هذه القائمة الوحدوية، وعلى بلورة قواعد عمل لإدارة الاختلاف ولحل الخلافات القادمة، فهو أولا المسؤولية الوطنية الصادقة، وثانيا، إدراكنا للقوة وللآفاق التي تفتحهاهذه الوحدة، مما كان مغيّبًا عن تجربتنا السياسيةسابقً، وثالثًا، عدم خوفنا من الاختلافات بيننا، ونقاشها بصراحة ووضوح، كجزء من آلية تصليب هذه الوحدة، التي لن تقوى بمداراة الاختلافات، بل بمواجهتها وتقليصها أينما أمكن، والتعامل معها كجزءمن النقاش السياسي، ولن نداري الاختلافات أو نقفز عنها، إلا بقدر عدم ثقتنا بصدقنا في إنجاح الوحدة، أو بقدر عدم قناعة كل منا في قدرة خطابه ورؤيته السياسية على التأثير والتأثر.

ولنبدأ بمؤشر موضوعي أساسي يؤكد قيمة الوحدة واحتضان الشارع لها، رغم استمرار لا مبالاته، لقدحققت الوحدة ارتفاعًا في نسبة التصويت، أكثر بكثير من الـ9%، وهو الحساب الرقمي الذي ارتفع من 56% في المرة السابقة إلى خمسة وستين 65% هذه المرة. إن الخمسة والستين 65% الذين خرجوا،خرج معظمهم بقناعات داخلية ودون تأثير أجواءالمنافسة الانتخابية، وأجواء الحماس التي نعهدها في كل انتخابات.

أي أن القناعة الذاتية والتلقائية لدى من خرج من شعبنا للتصويت، هو ما حركهم، أكثر بكثير من الدعاية الانتخابية والأجواء التي بقيت باردة وفاترة إلى آخر يوم من الدعاية الانتخابية، ولو أنه تم صرف المجهود والميزانيات في هذه الانتخابات، لمدة شهرين كاملين، كما في الانتخابات السابقة، لارتفعت النسبة، حسب اعتقادي إلى أكثر من مقعدين، هذه إحدى المحاسبات التي عليها أن تتم ضمن اللجنة التنظيمية المشتركة، وضمن اللجنة الإعلامية، دون مناكفات،ودون تسجيل علامات لهذا الطرف أو ذاك، بل فقط لاستخلاص العبر، والاستنتاج الأهم لحقيقة أن نسبة التصويت ارتفعت بجهود أقل وأجواء أقل حماسة، تعني أن الاستفتاء كان على مكانة الهوية في مشروعنا السياسي، وعندما نقول إن عشرات البلدات المركزية في البطوف، والجليل عامة، والمثلث صوتت بنسبة أكثر من 90%، ووصل عدد غير قليل منها إلى نسبة 98%، بما فيها بلدات صغيرة اعتادت أن تعطي أحزابًا صهيونية بسخاء، معنى ذلك أن التعامل مع القائمة المشتركة لم يكن مجرد تعامل سياسي أوأيديولوجي، فلا إجماع سياسي أو أيديولوجي يصل إلى 98% و 90% و 80%.

 بفطرة صوّت أنا عربي، خرج الكثيرون من العرب للتصويت، ولا أقصد النواة المحزبة الضيقة نسبيًا، ولا أولئك الذين خرجوا لمجرد'التزام' حزبي، بل أقصد الجمهور الواسع، الذيخرج دون 'توجيه' مباشر من أحد، وهم غالبية شعبنا.

 وبغض النظر عن مكان وجودهم على محورالخطاب السياسي: خطاب الحق في النضال مقابل خطاب الأخوة، خطاب البحث عن الشرعية من الدولة مقابل خطاب الأصليين هم مصدر الشرعية، خطاب مواجهة نظام عنصري  مقابل خطاب مواجهة يمين متطرف أو تايكونات، نزلت الأغلبية إلى الصندوق في شعور أنهم يصوتون لمكانتهم ووحدتهم كعرب، وأكثر دافع عبرعنهم خلال نزولهم للتصويت هو دافع: صوت أناعربي.

أما الأصوات من الشارع اليهودي التي صوتت لأجل الوحدة، فأولا، تشير الأرقام الأولية أنٓها أقل مما توقٓعنا، ثانيا، هي تنقسم إلى قسمين: قسم صوت لها من منطلق التضامن الكامل مع الضحية وموقعهاالتاريخي وبرنامجها للعدالة، وقسم صوت من منطلق رؤية ديمقراطية تؤمن بالعدالة العامة وتقفز عن موقعالضحية وتاريخها، وعن الماضي برمته، معتقدة أنها تستطيع أن تؤسس لواقع من العدالة بالرغم من تلك القفزات.

نحن نعلم أن الاحتضان للوحدة سيتعمق، وذلك كلما نجحت الوحدة في تخطي أزمات. لكن تخطي هذه الأزمات يعتمد على الاتفاق على خطاب هو قاسم مشترك أدنى، لا يمكن الحياد عنه،  بناء رئاسة مشتركة للقائمة، واضحة كمرجعية وكآلية نقاش و'محاسبة'، عدم وجود أي فجوات بين خطابنا للشارع اليهودي  وخطابنا للشارع العربي،  كسر القاعدة وكأن عضو الكنيست 'اليهودي' أو طاقمه مسؤول عن ' الشارع اليهودي'، فهذه هي 'الانعزالية'، والفصل القومي بعينها. بناء قواعد عمل لإدارة الاختلافات، معتمدة على أننا نختلف ليس في الحق، بل في صياغته، وليس في أهداف النضال، وإنما في صياغة خطابها المرافق وأدواتها، وهذا هو التحدي القادم، وهو الامتحان الذي يضعه شعبنا لنا، ولن يقبل إلا أن ننجح فيه.

نحن، وإن كنا أمام تحديات صعبة، إلا أننا ننطلق من قاعدة متينة، شعبنا الذي أراد الوحدة، ويريدنا أن نصونها، وأحزاب تدرك تدريجيًا أن ثقافة الوحدة تحتاج لقناعة صادقة، وتعرف أن تقرأ شعبنا، وأن تقرأ صعوبة  إحياء مبالاته بالعمل السياسي، وتدرك أن هذه مهمة تحتاج لوحدة عربية حقيقية، تمامًا كما هي مهمة التصدي لنظام عنصري، وكوادر أحزاب عملت بجد لأكبر نجاح، حتى لو لم نصله الآن، إلا أن الوحدة وليد نرعاه، وإذا فعلنا ذلك، فهو فقط سيكبر، ولن يصغرحتمًا.

التعليقات